ترجمة: محمد الدخاخني
في تشرين الأوّل (أكتوبر)؛ ألقى مكتب التّحقيقات الفيدراليّ القبض على أكثر من 12 رجلاً على صلةٍ بحركة "بوغالو" المناهضة للحكومة ومجموعةٍ شبه عسكريّة، تُدعى "مراقبو ولفيرين"، ويُزعَم أنّ هؤلاء الرّجال قد تآمروا لاختطاف حاكمة ولاية ميتشيغان، غريتشن ويتمير (وهي ديمقراطيّة)، ومحاكمتها بتهمة الخيانة، لاتّخاذها إجراءاتٍ صارمةٍ لمحاربة "كوفيد-19"، واقتحام مبنى الكابيتول بالولاية للتّحريض على حربٍ أهليّة، ويبدو أنّ مؤامرة ويتمير المزعومة إلى جانب معلوماتٍ مضلّلةٍ متواصلةٍ، تدّعي حدوث انقلابٍ انتخابيّ، ونظريّات المؤامرة الغريبة لكيو آنون، وصور المدن المحترقة تُجسّد التّطرّف الذي يظهر أنّه يتغلغل في أمريكا اليوم.
الجهود المحتملة الّتي يبذلها الرّئيس المنتخب، جو بايدن، لتقييد ملكيّة السّلاح وزيادة الهجرة أو غير ذلك من القضايا السّاخنة، قد تُواجِه مقاومة
بالرّغم من أنّ العديد من الأمريكيّين يتوقون إلى وضع هذا العام خلف ظهورهم، فإنّ 2020 قد شَهِد، أيضاً، بعض النّقاط المضيئة المفاجئة؛ فحتّى الآن، لم نشهد أيّة هجماتٍ جهاديّةٍ أجنبيّةٍ على الأراضي الأمريكيّة، وبالرّغم من العناوين الكئيبة؛ فإنّ العدد الفعليّ للوفيّات النّاجمة عن أفعال الاستعلائيّين البيض وغيرهم من الإرهابيّين المحلّيّين صغير.
هل يُعدّ 2020 عاماً ناشِزاً؟
تُظهِر بيانات مؤسّسة أمريكا الجديدة؛ أنّ عدد الأمريكيّين الذين ماتوا بسبب الهجمات الجهاديّة في الولايات المتّحدة هذا العام هو صفر، وفيما يتعلّق بعام 2020، حتّى الآن، تُحصي أمريكا الجديدة ثمانية قتلى في عمليّات إرهابيّة على الأراضي الأمريكيّة، أي ما هو أقلّ بكثيرٍ من الثّلاثين أمريكيّاً الذين قُتلوا عام 2019.
وتمّ اتّهام كايل ريتنهاوس بقتل متظاهري حركة حياة السّود مهمّة في كينوشا، ويسكونسن، وتعتقد الشّرطة أنّ ناشطاً في حركة "حقوق الرّجال" خطّط لمهاجمة قاضية في نيوجيرسي، وقتل ابنها عندما فتح له الباب.
وفي بورتلاند؛ قتلت الشّرطة شخصاً يصف نفسه بأنّه مُناهِض للفاشيّة أثناء محاولتها اعتقاله بعد توجيه تهمٍ له من أحد أعضاء مجموعة "باتريوت بريار".
اقرأ أيضاً: كيف يصنعون الظلام؟.. تفكيك ثالوث الطائفية والتكفير والإرهاب
بالطّبع ، يمكن أن يكون 2020 عاماً ناشِزاً، يتآمر الإرهابيّون بانتظام، وفي بعض الأحيان يتمّ القبض عليهم وفي أحيانٍ أخرى ينجحون، وتُظهِر البيانات المأخوذة من الاتّحاد الوطنيّ لدراسة الإرهاب والرّدود على الإرهاب في جامعة ماريلاند، على سبيل المثال، 32 و41 و43 هجوماً في الولايات المتّحدة للأعوام 2000 و2001 و2002 على التّوالي، وهي أرقام مماثلة تقريباً لكلّ عام.
المخاوف من الإرهاب الإسلاميّ المسلّح آخذةٌ في الانحسار؛ فالتّقارير الّتي تُفيد بأنّ زعيم "القاعدة"، ربما مات بسبب الرّبو أثارت تثاؤباً لدى معظم الأمريكيّين
وفي عامَي 2000 و2002، كان هناك صفر وفيّات وأربع وفيّات على التّوالي، وفي عام 2001، كان هناك 3,005.
لكن السّياسة الأمريكيّة لعبت، أيضاً، دوراً؛ فمنذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، واصلت الولايات المتّحدة حملةً شرسةً ضدّ قيادة القاعدة، والّتي أصبحت أكثر فاعليةً بمرور الوقت، وبدأت العمليّات الأمريكيّة ضدّ داعش في عام 2014، وتحت الضّغط المتواصل، خسر تنظيم داعش أراضيه بشكلٍ مطّردٍ حتّى اختفاء الخلافة الّتي أعلنها، ممّا أضرّ بمصداقيّته وتمويله وقدرته على التّجنيد.
اقرأ أيضاً: أفريقيا أمام مخاطر التحول إلى مركز قيادة الجماعات الإرهابية
وأدّت هجمات الطّائرات الأمريكيّة بدون طيار وجهود استخباراتيّة عالميّة، من بين إجراءاتٍ أخرى غير بارزة، إلى القضاء على القيادة العليا للجماعات الإسلاميّة المتشدّدة، وردّاً على ذلك؛ أخذت الحركة الجهاديّة طابعاً محلّيّاً، وركّزت على الحروب الأهليّة في العالم الإسلاميّ، وانتشرت إلى مناطق جديدة في أفريقيا، عوضاً عن القيام بهجمات منسّقة على الغرب.
التّهديد الدّاخلي آخذ في الارتفاع
يقوم مكتب التّحقيقات الفيدراليّ ووزارة الأمن الدّاخليّ بعمل المزيد داخل الوطن؛ فقد سلّط كبار المسؤولين الضّوء على خطر عنف الاستعلاء الأبيض والمناهض للحكومة، مشيرين إلى زيادة الموارد لمواجهة هذه التّهديدات، وراقب مكتب التّحقيقات الفيدراليّ عن كثبٍ مؤامرة الاختطاف المزعومة لويتمير، لعدّة أشهر، من أجل جمع الأدلّة، ممّا يُشير إلى أنّ مسؤولي مكافحة الإرهاب في حالة تأهّبٍ قُصوى، ونتيجةً لذلك فعّالون.
كما أنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ وشركات الخدمات الماليّة استبعدت بشكلٍ أكثر عدوانيّةٍ الاستعلائيّين البيض والمتطرّفين المناهضين للحكومة، بالرّغم من أنّ الخبراء يُحاججون بأنّه يمكن فعل المزيد.
ومع ذلك؛ فإنّ العامِل العشوائيّ مرتفع، خاصة بالنّسبة إلى مناهضي الحكومة والاستعلائيّين البيض، نظراً لطبيعتهم اللامركزيّة.
اقرأ أيضاً: بعد رفعه من قوائم الإرهاب: فجر جديد لسودان قوي
وجاءت الهجمات الأمريكيّة الأكثر فتكاً في الأعوام الأخيرة من أفراد لا ينتمون إلى جماعةٍ بعينها، مثل روبرت باورز، المتّهم بقتل 11 من مصلي كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ، عام 2018، وباتريك كروسيوس؛ المتّهم بقتل 22 شخصاً في "إل باسو وول مارت"، عام 2019. وغداً، قد يحمل متطرّف غير معروف، حتّى الآن، مسدّساً، وسيكون من الصّعب إيقافه (نعم، "إيقافه"، فهو عادةً ذكر) قبل أن يشرع في إطلاق النّار.
لماذا تبدو الأشياء سيّئة للغاية؟
سيَشهد هذا العام زيادةً في معدلات جرائم القتل والوفيّات؛ بسبب المواد الأفيونيّة بين العديد من فئات المجتمع، وأكثر من 315,000 حالة وفاة بسبب "كوفيد-19" في الولايات المتّحدة، وفي الواقع؛ من المرجّح أن يموت عدد أكبر من الأمريكيّين بسبب فيروس كورونا بحلول الوقت الذي تقرأ فيه الأخبار الصباحيّة، عدد أكبر من الذين ماتوا خلال الهجمات الإرهابيّة هذا العام.
اقرأ أيضاً: هل الدفاع عن الإرهابيّين عمل أخلاقي؟
ومع ذلك؛ فإنّ وفيّات الإرهاب تختلف عن تلك الخاصّة بـ "كوفيد-19" والمواد الأفيونيّة بطريقةٍ مهمّة؛ فهي محسوبة كي يكون لها تأثير سياسيّ ونفسيّ، وكما علّق أحد إرهابيّي الجيش الجمهوريّ الإيرلنديّ: "إنّك لا تقتل النّاس لأنّك تريد قتلهم وحسب".
هذا، وارتبطت كافّة الهجمات الأمريكيّة المُميتة هذا العام بقضايا سياسيّة أوسع، وتُظهر استطلاعات الرّأي أنّ أمريكا نَشِطة ومستقطَبة حول قضايا مثل الاستجابة لاحتجاجات حركة "حياة السّود مهمّة" وسُلطة الحكومة الفيدراليّة وحتّى شرعيّتها، وفي هذا السّياق، تتناسب الوفيّات في أمريكا مع السّرديات المتعلّقة بتطرّف "الجانب الآخر"، وقد ساعد تدمير الممتلكات، الذي صاحب الاحتجاجات، في خلق شعورٍ بأنّ العنف خرج عن السّيطرة، بالرّغم من أنّ الواقع كان أقلّ من ذلك بكثير.
اقرأ أيضاً: لماذا وُضعت "سرايا المختار" البحرينية على قوائم الإرهاب الأمريكية؟
ويتناقض هذا بشدّةٍ مع رفض الأمريكيّين للجماعات الجهاديّة وقضيّتها، ويُعارض المسلمون الأمريكيّون جماعات مثل داعش، ويتعاون المجتمع المسلم بانتظامٍ مع سُلطات إنفاذ القانون.
قد يكون تعريف "الإرهاب" مُربكاً
كما حاججتُ في موضعٍ آخر؛ فإنّ العنف في كينوشا أو الأماكن الأخرى المرتبطة باحتجاجات هذا العام لا يتوافق دائماً مع تعريف الإرهاب؛ فقد بدا أنّ مطلقي النّار يُركّزون على المواجهة المباشرة عوضاً عن خلق تأثيرٍ نفسيٍّ أوسع، وهو عنصر أساسيّ في تعريف الإرهاب، ومع ذلك؛ فإنّ مثل هذه المراوغات في التّعريف لا تُخفّف مخاوف الجمهور، وعندما يُحاجج الخبراء بأنّ هذا ليس إرهاباً حقّاً، فذلك يُمكن أن يخلق إحساساً بأنّ النّاس يقومون بتسييس الحقيقة.
اقرأ أيضاً: قلّة أعداد ضحايا الإرهاب لا تعني اختفاء تهديده
في المقابل، يبدو أنّ المخاوف من الإرهاب الإسلاميّ المسلّح آخذةٌ في الانحسار؛ فالتّقارير الّتي تُفيد بأنّ زعيم القاعدة، أيمن الظواهريّ، ربما مات بسبب الرّبو أثارت تثاؤباً جماعيّاً لدى معظم الأمريكيّين، وربما لم يمنح مقتل زعيم داعش، أبو بكر البغداديّ، الرّئيس ترامب أيّة خبطةٍ كبيرةٍ في انتخابات 2020.
ماذا ينتظرنا في عام 2021؟
من الصّعب التّنبؤ بتواتر الإرهاب، بالرّغم من أنّ الحركة الجهاديّة العالميّة لا تُظهِر سوى القليل من الدّلائل الفوريّة على عودة ظهورها. وهنا، في الولايات المتّحدة، يظلّ مكتب التّحقيقات الفيدراليّ يَقِظاً، ويبدو أنّ إدارة بايدن القادمة ستأخُذ على محمل الجدّ الاستعلاء الأبيض العنيف.
لكن الجهود المحتملة الّتي يبذلها الرّئيس المنتخب، جو بايدن، لفرض الأقنعة وتقييد ملكيّة السّلاح وزيادة الهجرة أو غير ذلك من القضايا السّاخنة، قد تُواجِه مقاومة، وقد يتزايد العنف المناهض للحكومة والعنف الاستعلائيّ الأبيض في أعقاب احتضان ترامب لنظريّات المؤامرة والهجمات على شرعيّة التّصويت في المدن الّتي تنطوي على أقلّيّاتٍ كبيرة.
قد تؤدّي سياساتٌ أفضل وجرعة حظٍّ كبيرةٍ إلى خفض عدد قتلى الإرهاب مجدّداً، عام 2021، لكنّ أيادي الأجهزة الأمنيّة ستكون منشغلة.
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
دانيال بايمان، "الواشنطن بوست"، 21 كانون الأوّل (ديسمبر) 2020
https://www.washingtonpost.com/politics/2020/12/21/2020-appears-be-good-year-counterterrorism/