على الرغم من ادعاء جماعة الإخوان تبنّي قضايا المسلمين، والدفاع عنها، إلا أنّ تاريخها اتّسم بالعديد من التحالفات والتقاطعات مع الجهات التي ادعت محاربتها، ومناهضتها؛ ففي حين رفعت الجماعة لحظة تأسيسها مجابهة الاستعمار البريطاني لمصر آنذاك، كانت تتلقّى دعماً من نفس الحكومة التي تدعي مقاومتها، بحسب كتاب "العلاقات السرية" للكاتب البريطاني مارك كيرتس.
احتفاء حسن البنا بالملالي
وعلى هذا النحو جرت العادة عند جماعة الإخوان، أن تعلن العداء لقوة ما، في حين تتكشف تحالفاتها لها في الخفاء، وليس ببعيد العلاقة التي تجلت بين الجماعة ونظام الملالي في إيران، التي ظهرت في مواضع عدة، وعلى أكثر من صعيد.
فقد بدأت العلاقات الإخوانية الإيرانية مبكراً، منذ تأسيس الجماعة، تحديداً منذ العام 1938، كما كشف القيادي المنشق عن الجماعة، ثروت الخرباوي، في كتابه "سر المعبد"، وعلى الرغم من الاختلافات المذهبية بين الطرفين، فإنّهم تغاضوا عن ذلك، من أجل مصالح كل منهما، فقد سعى الإخوان إلى دعم خارجي، بينما سعت إيران لإيجاد موضع قدم لها في البلدان التي تتواجد فيها الجماعة.
وكشف الخرباوي، عن وثيقة تاريخية تبين قيام السيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني العام 1938، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان، وتشير هذه الوثيقة إلى لقاء خاص تمّ بين المرشد الأول للجماعة، حسن البنا، والسيد روح الله مصطفى الخميني، الذي أصبح فيما بعد الإمام آية الله الخميني، مفجّر الثورة الإيرانية، كما زار مصر العام 1954 بدعوة من الإخوان، مؤسس الحركة الشيعية الثورية (فدائيان إسلام) نواب صفوي، الذي كانت حركته مناوئة لحكم الشاه آنذاك وتعتبرها القيادة الإيرانية أحد جذور ثورتها الإسلامية، يقول عباس السيسي أحد قياديي الإخوان المسلمين في الجزء الثاني من كتاب "في قافلة الإخوان المسلمين" حول هذه الزيارة: "وصل إلى القاهرة في زيارة لجماعة الإخوان المسلمون الزعيم الإسلامي نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام بإيران، وقد احتفل بمقدمه الإخوان أعظم احتفال، وقام بإلقاء حديث الثلاثاء، فحلق بالإخوان في سماء الدعوة الإسلامية وطاف بهم مع الملأ الأعلى، وكان يردد معهم شعار الإخوان: الله أكبر".
جرت العادة عند جماعة الإخوان أن تعلن العداء لقوّة ما ثم تتكشف تحالفاتها لها في الخفاء
ويذكر نسيم بالهول في كتابه "في العمق الصهيوني للقوة الإيرانية"، بعض الأسماء الإيرانية التي التقت حسن البنا، ومنها؛ محمد تقي قمي وآية الله الكاشاني؛ يقول عمر التلمساني المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين في كتاب "حسن البنا الملهم الموهوب": "ولقد استضاف (أي: حسن البنا) لهذا الغرض فضيلة الشيخ محمد القمي أحد كبار علماء الشيعة وزعمائهم في المركز العام فترة ليست بالقصيرة". وقد أثمرت زيارة محمد تقي قمي لحسن البنا بإنشاء "دار التقريب بين المذاهب الإسلامي"، ومطالبة الإخوان بفتح رواق للمذهب الشيعي في الأزهر، على أن يدرّس هذا المذهب على يد علماء من إيران، كما نتج عن لقاء حسن البنا بالكاشاني أن قرّرا عقد مؤتمر إسلامي في طهران تشارك فيه شخصيات من العالم الإسلامي.
يرى المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف أنّ الشيعة ليست مذهباً دينياً ويجب التعامل مع إيران على أنَّها دولة سياسية لا مذهبية
إيران ليست مذهبية!
ويصف بالهول علاقة الإخوان بصفوي: "ومع تعصب نواب صفوي لمذهبه وحماسه لحركته الثورية ذلك الذي جرّه إلى أعمال عنف عديدة من تصفيات واغتيالات، فقد كان ذا صيت لامع عند الإخوان المسلمين، وكانوا يضفون عليه هالات المديح والثناء، فقد كان في نظرهم شاباً سياسياً ثورياً يريد الوقوف أمام الظلم والاستبداد، وهذه هي المساحة المشتركة بين الطرفين؛ مطبقين بذلك قاعدتهما الشهيرة "نتعاون فيما اتفقنا عليه" وأما أعمال العنف والتطرف والطائفية التي يمارسها صفوي فهي تنضوي تحت الشق الآخر من القاعدة الإخوانية "ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"؛ يقول محمود عبد الحليم عضو اللجنة التأسيسية للإخوان المسلمين في الجزء الثاني من كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ": "رأى حسن البنا أنَّ الوقت قد حان لتوجيه الدعوة إلى طائفة الشيعة، فمد يده إليهم أن هلموا إلينا"، ويضيف: "ولو كانت الظروف قد أمهلت حسن البنا لتم مزج هذه الطائفة بالطوائف السنية مزجاً عاد على البلاد الإسلامية بأعظم الخيرات".
وهذا ما يتساوق مع ما صرح به المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف لصحيفة المصري اليوم بتاريخ 19 آذار (مارس) العام 2009 حين قال: "إيران دولة شيعية، والشيعة ليست مذهباً دينياً، بل سياسي، ومن ثم نتعامل معها على أنَّها دولة سياسية لا مذهبية".
مدائح متبادلة
ووصف المرشد الرابع للإخوان محمد حامد أبو النصر، نواب صفوي بأنه "الزعيم الإيراني المسلم الشهيد"، وبدوره القيادي الإخواني اللبناني فتحي يكن في كتاب "المتغيرات الدولية والدور الاسلامي المطلوب": "تنحصر المدارس التي تتلقى منها الصحوة الإسلامية عقيدتها وعلمها ومفاهيمها في ثلاث مدارس: مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب، ومدرسة الإمام الخميني".
واعتبر زعيم حركة النهضة التونسية الإخواني راشد الغنوشي منظمة "فدائيان إسلام" في كتابه "مقالات حركة الاتجاه الإسلامي" امتداداً للإخوان المسلمين، وقد بادلها صفوي بدوره الود في زيارة له لسورية، أمام حشد من السنة والشيعة قائلاً: "من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين"، وفق ما يذكر عباس خامه يار في كتابه "إيران والإخوان المسلمون".
ونعى الإخوان المسلمون نواب صفوي بعد إعدامه العام 1955 في مجلة "المسلمون" تحت عنوان "مع نواب صفوي": "والشهيد العزيز، نظر الله ذكره، وثيق الصلة بالإخوان المسلمين وقد نزل ضيفاً في دارها بالقاهرة أيام زيارته لمصر".
في العام 1966 ترجم علي خامنئي إلى الفارسية كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين"
وبحسب دراسة ماجستير إيرانية أعدّها الباحث الإيراني عباس خامه يار، فإن جماعة الإخوان لا تهتم بشخص الحاكم ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلى بها، ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام؛ وهو ما أكده التلمساني: "لا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم وشكله ونظامه، وبعد ذلك فليحكم من يحكم"، شريطة أن يحكم بالشريعة، وإذا فعل الحاكم ذلك، فإنّ الإخوان سيكونون له عوناً وسنداً، وهو ما يتطابق مع ما أفاد به الخرباوي بأنّ "جماعة الإخوان تعتبر أنّ منهجها متفق مع منهج الشيعة، وهنا مكمن الخطر".
ويذكر أنّه في العام 1966، ترجم علي خامنئي كتاب سيد قطب: "المستقبل لهذا الدين" للغة الفارسية، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها قطب بـ"المفكر المجاهد" الذي أثبت في كتابه "أنّ العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، وأنّ المستقبل لهذا الدين"، كما كانت إيران مقصد شحنات بالبواخر لكتاب سيد قطب: "في ظلال القرآن"، بعد طباعته في الستينيات في بيروت.