الإخوان المسلمون والعنف: جدلية الأيديولوجيا والممارسة

الإخوان المسلمون والعنف: جدلية الأيديولوجيا والممارسة

الإخوان المسلمون والعنف: جدلية الأيديولوجيا والممارسة


26/09/2024

لطالما كان الحديث عن العنف أحد أبرز القضايا التي تثار عند تناول حركة الإخوان المسلمين. فعلى الرغم من أن الجماعة تصر على تبني منهج سلمي علنيًا، إلا أن العديد من الوقائع التاريخية والتصريحات الداخلية تكشف عن تعقيدات في علاقتها بالعنف. يظل السؤال المركزي في هذا السياق: هل العنف جزء أساسي من استراتيجية الجماعة أم هو تكتيك مؤقت يرتبط بظروف معينة؟

عند النظر إلى بداية حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، كان حسن البنا، مؤسس الجماعة، يقدمها كحركة دعوية دينية تسعى لإصلاح المجتمع وفق مبادئ الإسلام. لكن مع مرور الوقت وتزايد الاحتكاك بالسياسة والصراعات مع القوى الاستعمارية والأنظمة المحلية، بدأت الجماعة تتبنى وسائل جديدة للدفاع عن مصالحها وتوسيع نفوذها.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: حسن البنا

تأسيس "النظام الخاص" أو "التنظيم السري" في الأربعينيات كان نقطة تحول في علاقة الإخوان بالعنف. كان هذا التنظيم يهدف في ظاهره إلى مقاومة الاحتلال البريطاني ومواجهة النفوذ الصهيوني في فلسطين، لكنه أصبح أداة لتنفيذ اغتيالات سياسية وعمليات تخريبية داخل مصر، مستهدفًا شخصيات سياسية وأمنية. اغتيال القاضي أحمد الخازندار ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي يعدان أبرز هذه العمليات التي ربطت الجماعة بالعنف السياسي بشكل مباشر.

تبرر الجماعة استخدام العنف في سياقات معينة، مستندة إلى تأويلات دينية تجيز "الجهاد" ضد المحتل الأجنبي أو الأنظمة التي تصفها بالظالمة. يعتبر الإخوان العنف "أداة اضطرارية" حين تكون السبل السياسية مغلقة أمامهم أو حين يرون أن الدولة تستخدم القوة لقمعهم.

رغم محاولات الإخوان الابتعاد العلني عن العنف في خطاباتهم الرسمية، إلا أن استخدام القوة لم يكن غائبًا عن تاريخهم، خاصة في مراحل الضغط السياسي أو القمع من الأنظمة الحاكمة. كانت الجماعة تبرر هذا العنف بأنه "دفاع عن النفس" أو "رد على الظلم"، ولكن الواقع يكشف أن العنف كان أحيانًا وسيلة لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالمقاومة المشروعة.

من أبرز التناقضات التي تواجه الجماعة هو استخدامها خطابًا مزدوجًا فيما يتعلق بالعنف. ففي حين تروج للسلمية أمام الرأي العام، نجد أن الأدبيات الداخلية والخطابات الموجهة إلى الأعضاء تحتوي على إشارات واضحة إلى "الجهاد المسلح" و"التضحية في سبيل الله". هذا التناقض يظهر جليًا في كتابات قيادات مثل سيد قطب، الذي يعتبر أحد منظري العنف في فكر الإخوان، حيث ربط بين إقامة "الحكم الإسلامي" واستخدام القوة ضد الأنظمة "الجاهلية".

إن تقسيم الجماعة للخطاب بين "خارجي" موجه للعامة و"داخلي" موجه للمنتمين، يظهر أنها تستخدم العنف كأداة قابلة للتفعيل حسب الظروف. في الفترات التي تكون فيها الجماعة مضطهدة أو محظورة، تلجأ أحيانًا إلى العنف أو دعم الجماعات التي تمارسه بشكل غير مباشر. وفي فترات التهدئة السياسية أو وجودها في الحكم، تخفف من خطاب العنف وتتحدث عن الحوار والمشاركة السياسية.

لطالما وُجّهت اتهامات للإخوان المسلمين بأنهم يمثلون "حاضنة أيديولوجية" للجماعات المتطرفة التي تمارس العنف. خلال العقود الماضية، برزت جماعات مثل القاعدة وداعش التي تشترك مع الإخوان في كثير من الأفكار الأساسية، وخاصة في تأويل الجهاد. وبينما ترفض الجماعة الانتماء المباشر لهذه التنظيمات، فإن العلاقة الفكرية والتاريخية بين الطرفين لا يمكن تجاهلها.

الجماعات المسلحة التي انبثقت من فكر الإخوان، أو تأثرت بأدبياتهم، تشترك في الرؤية التي ترى أن إقامة الدولة الإسلامية لا يمكن أن يتحقق إلا بالقوة. من جانبهم، يرفض الإخوان تحمل مسؤولية أفعال هذه الجماعات، لكن المراقبين يرون أن خطاب الجماعة وتأصيلاتها الفقهية هي التي مهدت الطريق لهذا الفكر العنيف.

مع سقوط بعض الأنظمة في أعقاب ثورات الربيع العربي، وجدت جماعة الإخوان نفسها في موقف جديد، حيث تولت الحكم في مصر لفترة قصيرة قبل الإطاحة بها عام 2013. هذه التجربة أعادت طرح مسألة العنف مرة أخرى على الساحة. بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، واجهت الجماعة قمعًا عنيفًا من الدولة المصرية، وهو ما دفع بعض الأعضاء والمتعاطفين معها إلى تبني خطاب أكثر تشددًا، بل وبدأت بعض الأجنحة الداخلية تدعو إلى مقاومة النظام بالقوة.

الرئيس الخامس لجمهورية مصر العربية: محمد مرسي

في هذا السياق، شهدت مصر عودة بعض العمليات المسلحة التي نسبتها الدولة إلى جماعة الإخوان أو جماعات متحالفة معها. ورغم إعلان الجماعة رسميًا التزامها بالسلمية، إلا أن التساؤلات تظل قائمة حول مدى قدرتها على ضبط كافة أجنحتها ومنعها من اللجوء إلى العنف في ظروف معينة.

يظهر من استعراض تاريخ الإخوان المسلمين أن العلاقة بين الجماعة والعنف ليست قضية بسيطة. فالجماعة تبنت العنف في مراحل معينة واستخدمته كأداة لتحقيق أهدافها السياسية، لكنها في الوقت ذاته حاولت الحفاظ على خطاب سلمي أمام الجمهور لتجنب العزلة والرفض الشعبي. يبقى السؤال حول مستقبل العلاقة بين الإخوان والعنف مرهونًا بالتطورات السياسية في المنطقة، ومدى قدرة الجماعة على الموازنة بين خطابها السياسي وممارساتها الفعلية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية