تبدو العلاقات الإخوانية الإيرانية مرتبطة بسياق أيديولوجيا الإسلام السياسي، وارتباط التكوينات الفكرية بنفس المنهج النفعي التوسعي، الساعي تجاه الهيمنة على العالم الإسلامي، عبر التبرير الديني، وادعاء إلهية التوجهات السياسية، من أجل تبرير أجنداتها الاستبدادية، ونزوعها نحو العنف والإرهاب.
المشروع السياسي للخميني استلهم المعطيات التي طرحها الإخوان المسلمون قبل أن يضعها في قالب شيعي قومي
تعود العلاقات بين الإخوان وإيران إلى منتصف القرن الماضي، عندما أراد حسن البنا تطويع المذهب الشيعي لصالح فكرة الأستاذية التي حاولت الجماعة احتكارها في العالم الإسلامي، وذلك من خلال دار التقريب بين المذاهب، والتي شارك البنا في تأسيسها، تتويجاً لجهود رجل الدين الشيعي، تقي الدين القمي، الذي استقر في مصر منذ العام 1939، وارتبط مع المرشد الأول للإخوان بعلاقة صداقة، ويمكن القول إنّ المشروع السياسي للخميني، استلهم المعطيات التي طرحها الإخوان المسلمون، قبل أن يضعها في قالب شيعي قومي.
جماعة الدعوة والإصلاح ذراع الإخوان في إيران
ابتهج الإخوان المسلمون في مصر بقيام الثورة الإيرانية، وابتلاع الخميني لها، وخرجت مسيرات نظمها الطلاب الإخوان في جامعة القاهرة، لدعم وتأييد الثورة الإسلامية، باعتبارها نموذجاً لحركة ثورية عارمة، سوف تنتشر في العالم الإسلامي كله، وانتشرت المنشورات والمقالات المؤيدة للخميني بمجلات الحائط في الجامعات المصرية المختلفة، وفي المقابل رأى نظام الملالي في الإخوان قوة يمكن من خلال توطيد العلاقات معها، وتصدير الثورة، واختراق الشارع السني في العالم العربي.
وفي ضوء المصالح المشتركة، وعلى إثر تدخل الإخوان في أزمة الرهائن الأمريكيين، ودخول الجماعة على خط تخفيف ضغط الحصار الأمريكي على إيران، جرى تأسيس جماعة السنة في إيران، وكانت تتبع التنظيم الدولي للإخوان بشكل مباشر، قبل أن يتغير اسمها إلى جماعة الدعوة والإصلاح، تتويجاً لجهود، ناصر سبحاني، وأحمد مفتي زادة، وغيرهم، في أعقاب استلام الخميني للسلطة، وفق شروط تحدّدت في اجتماع سري جرى في باريس، التزم فيه الإخوان باقتصار عضوية الجماعة على الإيرانيين، والانصياع للدستور الإيراني، واتباع الإطار الإسلامي العام، مع الابتعاد عن مناطق الخلاف المذهبي، ودعم توجهات الدولة، والانتشار في الأوساط السنية، بهدف احتواء توجهات السنة، وضمان دعمهم للنظام.
ابتهج الإخوان المسلمون في مصر بقيام الثورة الإيرانية وخرجت مسيرات تدعمها نظّمها طلبتهم بجامعة القاهرة
جدير بالذكر أن مرشد الإخوان محمد حامد أبو النصر، نعى الخميني عقب وفاته في العام 1989، مؤكداً أنّ "الإخوان يحتسبون عند الله فقيد الإسلام، الإمام الخميني، القائد الذي فجّر الثورة ضد الطغاة".
سرعان ما انتشرت مقارّ الجماعة في إيران، مع الانصياع الكامل للنظام، والخضوع لسيطرته، حيث ظهرت مقرات الجماعة في نحو اثنتي عشرة محافظة إيرانية، وساعد نظام الملالي على تكريس وجودها داخل المجتمع السني، مقابل ما تؤديه من أدوار وظيفية في خدمة ملالي ولاية الفقيه، كما دعمت طهران الإخوان في مصر والسودان، وكذلك ترتبط بعلاقات قوية مع الحزب الإسلامي العراقي، الذراع السياسي للإخوان، الذي بات مرتبطاً بالميليشيات الإيرانية، وعلى رأسها عناصر حزب الله العراقي، حيث اجتمع أمين عام الحزب الإسلامي، رشيد العزاوي، بقيادات ميليشيا حزب الله العراقي، في شباط (فبراير) الماضي، لتكريس المزيد من التعاون بين الطرفين، الذي يدخل على خطه السياسي، عبد الرحمن بيراني، رئيس جماعة الدعوة والإصلاح الإخوانية.
شيار خليل: ورقة الإخوان أصبحت مشتركة بين تركيا وإيران لتحقيق مصالحهما في المنطقة
في هذا السياق، يرى الصحافي السوري، شيار خليل، أنّ "العلاقات الإيرانية الإخوانية تعود إلى عشرات الأعوام، حيث يجمع الطرفين فكر ديني متشدد، مبني على إعادة الحكم السلطوي المتشدد؛ لتمرير أجنداتهم، وذلك باسم الدين والشريعة، وهذه العلاقة بحسب إحدى الوثائق التاريخية، تعود إلى زيارة مصطفى الموسوي في العام ١٩٣٨، المقر العام لجماعة الإخوان، حيث تمّ لقاء خاص وقتها مع المرشد الأول للجماعة".
وأضاف مدير تحرير مؤسسة ليفانت اللندنية، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ "المرشد الأعلى خامنئي، قام بترجمة كتب فكرية لحسن البنا، الأب الروحي لتنظيم الإخوان المسلمين، بالتزامن مع دعم الحركات الإسلامية السنية من قبل إيران، لتمرير أوراق سياسية معينة، واستقطاب حلفاء جدد لها في المنطقة، وبالتالي تطبيق النظرية الإيديولوجية للجماعة، التي تقول أنّه يجب التسامح مع الاختلافات بين السنة والشيعة، وبالتالي السيطرة على العالم الإسلامي بشكل كامل، وتحاول إيران منذ عشرات الأعوام جذب التنظيم والاستثمار فيه؛ لصالح عدائه للخليج العربي، حيث يسعى إلى توجيه قيادات الإخوان وعناصرهم، نحو خلق بلبلة سياسية واجتماعية في بلدانهم؛ لتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة".
أحمد فؤاد أنور: يصر الإخوان والملالي على التوسع باستمرار وتجنيد الأنصار داخل الإقليم وخارجه
وأكد خليل أنّ ورقة الإخوان المسلمين أصبحت مشتركة، بين كل من تركيا وإيران، لتحقيق مصالحهما في المنطقة، والاستثمار فيها، لضرب التعاون الخليجي المصري والخليجي-الخليجي، وبالتالي تقوية نفوذ كل من تركيا وإيران؛ لتحقيق مآرب طهران التوسعية في المنطقة، ويبدو كل ذلك جلياً في التسريبات التي ظهرت مؤخراً على موقع أمريكي، حول لقاءات بين قادة من الحرس الثوري الإيراني، وقيادات من جماعة الإخوان المصريين المنفيين في الخارج، عقدت في تركيا للاتفاق على العمل ضد السعودية في اليمن.
ويختتم خليل: "إن ما يجمع تنظيم الإخوان المسلمين وإيران، مصالح سياسية إيديولوجية واحدة، تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، ومد نفوذهما إلى الدول العربية، حيث ترغب كل منهما في تنفيذ مصالحهما السياسية باسم الدين، وبناء إمبراطوريات مؤدلجة تستخدم الدين، كواجهة لإقناع شعوب المنطقة، وذلك كان واضحاً في الدول التي غزتاها، ابتداءً من سوريا ووصولاً إلى ليبيا واليمن".
ما بعد "الربيع العربي"
توزانات سياسية متعددة، تتنازعها توجهات انتهازية بامتياز، تلك التي تجمع النظام الإيراني بجماعة الإخوان المسلمين، وهي توازنات قديمة ومتجذرة، أصبحت تركيا الآن ساحة التنسيق لها، من خلال وضع الترتيبات اللازمة لاقتسام مناطق النفوذ في بؤر الصراع المختلفة في إقليم الشرق الأوسط، التي بدأت بدعم طهران لجماعة الإخوان في أعقاب وصولها إلى الحكم بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، والتي كللتها زيارة الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد للقاهرة في شباط (فبراير) في العام 2013، للقاهرة، ولقاؤه بالرئيس الإخواني محمد مرسي.
اقرأ أيضاً: بين مرشدين اثنين.. كيف يتشابه الإخوان وإيران؟
ويؤكد الدكتور أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أنّ "هناك أوجه تشابه عديدة بين الإخوان ونظام الملالي في إيران، تم التعبير عنها بزيارة أحمدي نجاد للأزهر، وتلويحه بعلامة النصر تحت رعاية الإخوان في عام حكمهم"، مضيفاً لـ"حفريات": كما تتجلى للمراقب، عدة أوجه تعاون سرية وعلنية بين الجانب الإخواني ونظام الملالي، من ناحية، وأنظمة غربية أبرزها فضيحة الكونترا، واحتلال العراق بالمناصفة مع الولايات المتحدة، والذي تم باستخدام قوات وميليشيات ونفوذ، على مدار سنوات، دون اشتباك ولو لمرة واحدة بين الجانبين ولو على سبيل الخطأ!
وأشار أستاذ اللغة العبرية، بجامعة الإسكندرية، أنّه "يمكن في هذا السياق الإشارة إلى تأكيد طهران أنّها تسيطر على أربع عواصم عربية، والمقصود بيروت وصنعاء وبغداد ودمشق، حيث تواترت العديد من الاتهامات لحزب الإصلاح الإخواني في اليمن، بالتحالف مع إيران، والانضمام لميليشيات التمرد الحوثي الخارجة عن الشرعية".
اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران.. الحكم للتنظيم وللإنسان وعود بالجنة
وأكّد أنور، أنّ "هناك تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، كشفت اجتماعاً بين الحرس الثوري الإيراني، وتنظيم الإخوان المسلمين استضافته تركيا في العام 2014، فضلاً عن علاقات علنية ووطيدة بين إيران وفرع الإخوان في غزة، حركة حماس، ومن أوجه التشابه وتقاطع المصالح كذلك ارتكان فكر قادة ومنظري كلا المعسكرين على فكرة استغلال الدين والطائفية، والاعتماد بشكل كامل على العنف والترويع".
اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران.. أصدقاء في الخفاء وأعداء في العلن
ولفت أنور إلى "إصرار الإخوان والملالي على التطلع نحو التوسع باستمرار، وتجنيد الأنصار داخل وخارج حدود الإقليم، عملاً بمبدأ "تصدير الثورة"، والملاحظ أنّ أصحاب تلك النظريات سرعان ما قمعوا بكل عنف أيّة ثورة أو حراك، كما حدث في مذابح العام 1988 في إيران، والتي صدر بشأنها قرار إدانة حمل رقم 67 عن الجمعية للأمم المتحدة، وكذلك كان نهج الإخوان في مصر في عام حكمهم".