الإخوان المسلمون في السودان.. هل تشير لغة التحريض إلى ما هو أعظم؟

الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون في السودان.. هل تشير لغة التحريض إلى ما هو أعظم؟


31/03/2020

"جبهة الإنقاذ قامت بإفساد الدين والدنيا"؛ ربما أربك هذا التصريح، الذي جاء قبل قرابة العام على لسان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في السودان، الدكتور عوض الله حسن، مراقبي المشهد السوداني، في ظل حراك شعبي هائل، كان استبداد الجماعة أحد أبرز أسبابه، وهو حراك أطاح بالبشير ونظامه في نهاية المطاف، بعد ثلاثة عقود من الاستبداد والفساد وإراقة الدماء.

اقرأ أيضاً: أمر بالقبض على أحد رموز إخوان السودان.. من هو؟
والمتابع لمسيرة الإخوان في السودان، يعرف بما لا يدع مجالاً للشك، من الذي أسهم بشكل رئيسي في الإفساد الذي تحاول الجماعة التنصل منه اليوم بمنتهى الانتهازية السياسية، تمهيداً للخطوة القادمة جرياً على تاريخها المعروف.

مسيرة مبكرة من التواطؤ
قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهر أول كيان غير تنظيمي للإخوان المسلمين في السودان، بفضل مجموعة من الطلبة الذين تعرفوا أفكار الجماعة في مصر، وقد نجح جمال الدين السنهوري (موفد البنا) في تكوين أول فرع للجماعة في السودان، والذي أخذ شكلاً تنظيميّاً في العام 1948، لكن الجماعة لم تعلن عن وجودها صراحة حتى العام 1954، إبان ملاحقة أعضاء التنظيم في مصر، عقب محاولة اغتيال جمال عبد الناصر.

مع وصول الثورة إلى نقطة اللاعودة قرر المراقب العام للجماعة اللحاق بالموجة الثورية الأخيرة

منذ هذا التاريخ، عرف السودان عصراً من المناورات التي أحالت المشهد السياسي إلى مسرح عبثي، مفعم بشتى صنوف المؤامرات والتحالفات الانتهازية المؤقتة، والانقسامات الوهمية، التي استفادت منها الجماعة في كل مرة.
وتعكس شخصية حسن الترابي هذا النموذج الإخواني المراوغ، والقادر على التلون، واستغلال كافة التناقضات السياسية لصالحه، ففي محاولة منه للهيمنة على كافة أطياف التيار الإسلامي، قام بتأسيس جبهة الميثاق الإسلامي، في العام 1964، كجبهة عريضة تضم إلى جانب الإخوان المسلمين التيار السلفي والطريقة التيجانية، قبل أن تدخل الجماعة في سلسلة من التفاهمات مع نظام جعفر النميري منذ العام 1977، في مناورة فجة من الترابي، الذي تولى منصب النائب العام، بناء على ذلك، وانتهى الأمر بتمريره لقوانين سبتمبر 1983، والخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية ظاهرياً.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في السودان: مستقبل مظلم وموت محتمل
مع سقوط نظام النميري، أصبحت الجبهة الإسلامية القومية، التي كونها الترابي أيضاً، بمثابة الجناح السياسي الرئيسي الحامل لأفكار جماعة الإخوان المسلمين، التي عرفت في تلك الآونة سلسلة من الانشقاقات الغامضة، بينما واصل الترابي مسيرته، وسرعان ما نجح في الحصول على حقيبة وزارة العدل ثم الخارجية.
وعقب انقلاب الإنقاذ، دخل الترابي في تحالف مع نظام البشير، وانتهى الأمر بحل الجبهة لتندمج في حزب المؤتمر الوطني، بينما تواصلت الانقسامات داخل الجماعة الأم، التي شاركت بفاعلية في الحكومات المتتابعة، عقب إطاحة البشير بالترابي.

التنصل من البشير
مع تعدد الانشقاقات داخل التيار الإسلامي الخارج من عباءة الإخوان، أصبح موقف الجماعة من السلطة شديد المراوغة، خاصة وأنّ البشير قائد الانقلاب كان قائداً للجبهة الإسلامية، المنفصلة عن الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من محاولات الإخوان الرامية إلى لعب أدوار سياسية تبدو معارضة، فإنّ تصريحات الشيخ علي جاويش المراقب العام السابق لإخوان السودان عقب انقلاب البشير على الترابي، تفصح بوضوح عن شراكة سياسية وطيدة بين الطرفين، فحينما سُئل عن موضع الإخوان من النظام السوداني أجاب: "نحن نشارك الآن في الحكومة الوطنية باثني عشر شخصاً على المستوى التشريعي والتنفيذي والولائي والاتحادي".

تعكس شخصية الترابي النموذج الإخواني القادر على التلون واستغلال كافة التناقضات السياسية لصالحه

ويمكن القول إنّه في عهد عمر البشير نجح الإخوان في التمكين لدولتهم العميقة على كافة المستويات، والمدقق في ردة الفعل الإخوانية، عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي انتهت بإسقاط نظام البشير، يُدرك حجم الارتباك الذي تعكسه تحركاتهم وتصريحاتهم، فالمراقب العام للجماعة الدكتور عوض الله حسن، تارة يلعب بورقة الدين، وتارة أخرى يلوح بحمل السلاح، وهو ما يعني أنّ غرور القوة قد يدفع الجماعة إلى أداء رقصة الموت الأخيرة.
مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة ضد البشير، توارى الإخوان في البداية عن المشهد، ومع تصاعد الموقف بدأ انتقادهم للنظام يأخذ عدة مستويات متدرجة، ارتبطت بحركة الشارع، ومع وصول الثورة إلى نقطة اللاعودة، قرر المراقب العام للجماعة اللحاق بالموجة الثورية الأخيرة، مع الحرص على التقاط الصور بين الثوار، والخروج بتصريحات نارية ضد نظام الإنقاذ، في محاولة بائسة للوثوب على موكب الثورة قبيل محطته الأخيرة، وهو أمر اعتاد عليه الإخوان.

اقرأ أيضاً: قصة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في السودان.. ماذا فعلوا؟
والمتابع لتصريحات عوض الله، يُدرك أبعاد محاولاته اليائسة للتبرأ من حكم الإنقاذ، خاصة مع تحركات المجلس الانتقالي الرامية إلى استئصال خلايا الإخوان من أجهزة الدولة، وهو ما وضع الجماعة في واحدة من أصعب منعطفاتها التاريخية.

اللعب بورقة الدين كملاذ أخير
في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي، طالب المراقب العام لإخوان السودان وسائل الإعلام، بالكف عما أسماه "إيذاء المشاعر الدينية والمساس بثوابت الأمة الدينية"، معتبراً الهجوم الذي تتعرض له الجماعة، حملة ضد الإسلام، بهدف تحويل دفة الصراع السياسي تجاه الدفاع عن ثوابت الدين، حيث رأى المراقب العام في ارتفاع أصوات العلمنة خطراً يحدق بمصير السودان، قبل أن يمارس خطاباً دينياً مؤدلجاً، يؤكد فيه "أنّ الله موجود، وأنّ الله الذي خلق الوجود لن يترك فكرة صالحة تموت، وأنّ هذه الأفكار الأرضية لن تقدم سعادة للبشرية"؛ هنا تبدو الجماعة وكأنها ترتدي مسوح الدين وهي ترفع راياته، ربما كتمهيد لتصعيد يتجاوز الكلام.

ارتفعت مؤخراً وتيرة التصعيد في الخطاب السياسي للمراقب العام الذي شن حملة شرسة على العلمانيّة

يعود المراقب العام لإخوان السودان لإبداء امتعاضه عقب إلغاء قانون النظام العام، الذي يحد من حرية المرأة، ويفرض عليها قيوداً في المجال العمومي، مؤكداً أنّ "الحرية ليست حجاباً يُرمى ولا ديناً يُشتم، ولا أخلاقاً تُخلع". ويمكن القول إنّ هذه اللغة التحريضية التي تربط بين تحرير المرأة وضياع الأخلاق، تعكس الكيفيّة التي تفكر بها الجماعة على أعلى مستوياتها التنظيمية.
وبمتابعة ردود فعل إخوان السودان، نلاحظ ارتفاع وتيرة التصعيد في الخطاب السياسي للمراقب العام، الذي شنّ حملة شرسة على العلمانيّة كنظام سياسي، قائلاً: "العلمانية منهج ضالّ لا يتفق مع الإسلام الذي اختاره الله لعباده ديناً شاملاً ينتظم كل مناحي الحياة.. العلمانية لا تملك كما يتوهم بعضهم أن تحل مشكلات السودان، ولا أزمة الحكم فيه، بل ستزيده تعقيداً وتدفع به إلى مواجهات دموية".
ويطرح السؤال نفسه، هل العلمانية هي التي مررت انفصال الجنوب بعد حروب دموية؟ وهل هي التي أدخلت السودان في النفق المظلم، وبدّدت ثرواته، وقتلت أبناءه؟ وماذا جنى السودان بعد أكثر من ثلاثة عقود من حكم التيار الإسلاموي؟


لكن المراقب العام يمضي في انفعالاته الغاضبة، مهدداً بحمل السلاح؛ فيقول:"إذا جاز لفصيل أن يحمل السلاح ليطالب بالعلمانية، فمن حق غيره أيضاً أن يحمل السلاح ليطالب بالنظام الذي يريد"، ممهداً للطريق الصعب الذي ينتظر السودان في ظل وجود جماعة لا يهمها غير السلطة، حتى وإن سبق لها الفشل حين تبوأتها من قبل.
ولا مانع من اللجوء إلى المغالطات، وللدفع بالبلاد نحو سيناريوهات العنف، بالتحريض الفج، ففي التاسع من شباط (فبراير) الماضي، صرّح المراقب العام أنّ "حمدوك يطلب الوصاية الأمميّة على كل السودان"، على الرغم من أنّ الوثيقة التي نشرها، هي طلب روتيني للأمم المتحدة بإرسال بعثة بديلة لقوات حفظ السلام، بعد انتهاء عمل البعثة السابقة، لمتابعة تنفيذ عمليات السلام الدائم والمستدام في السودان، وذلك تحت البند السادس.

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية