الأمين العام للتيار الشعبي لـ "حفريات: التونسيون سيقتلعون الإخوان وعصاباتهم

الأمين العام للتيار الشعبي لـ "حفريات: التونسيون سيقتلعون الإخوان وعصاباتهم


05/08/2021

أجرى الحوار: كريم شفيق

أكد الأمين العام للتيار الشعبي في تونس، محمد زهير حمدي أنّ الأحداث التي شهدتها بلاده، في 25 تموز (يوليو) الماضي، عكست لحظة قصوى من الاحتجاج الشعبي العفوي على الأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية، التي بلغت مداها، خاصة مع تفشي فيروس كورونا المستجد، ووصول حالات العدوى والوفيات لمستويات هائلة، وقد نجم عن ذلك تهاوي المنظومة الصحية، الأمر الذي ترافق مع انسداد المشهد السياسي وتأزمه، على خلفية الاستقطاب الحاد بين مؤسسات الدولة، تحديداً البرلمان بقيادة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، والرئيس قيس سعيّد.

وفي حواره لـ "حفريات"، لفت الأمين العام للتيار الشعبي في تونس، إلى أنّ مؤسسات الدولة قد تعرّضت للاختراق، ومن بينها المؤسسات الأمنية، وذلك من خلال نظرية التمكين الإخوانية؛ إذ تمّ اختراق القضاء والأمن وباقي المؤسسات الإدارية، وعاشت المؤسسات تحت وطأة ما تسمى المؤسسات الموازية التابعة لتنظيم الإخوان، ممثلاً في حركة النهضة، وهو ما أربك عمل مؤسسات الدولة، وعطّل الخدمات العامة.

تمّ اختراق مؤسسات الدولة من خلال نظرية التمكين الإخواني؛ إذ جرى اختراق القضاء والأمن، وبدأت كلّ المؤسسات تعيش ما تسمى المؤسسات الموازية التابعة لجهاز الإخوان

لذلك؛ شدّد الأمين العام للتيار الشعبي على ضرورة المحاسبة القضائية لكلّ أركان منظومة الفساد والإرهاب، وأن تكون الأولوية لملف اغتيال الشهيدَين محمد البراهمي وشكري بلعيد، باعتبار أنّ ملفّ الاغتيال السياسي كشف "تمكين الإرهاب بالمجتمع والدولة، وتدشين شبكات التهريب للعناصر الإرهابية، وهو ما يفتح الباب أمام إصلاح سياسي عميق، ويؤدي لتطهير الحياة السياسية".

هنا تفاصيل الحوار:

عكست أحداث 25 تموز (يوليو) الأخيرة، بصورة كبيرة، تفاقم أوضاع المواطن التونسي الاقتصادية والاجتماعية والصحيّة. إلى أيّ حدّ كانت رمزيّة حرق مقرات حركة النهضة (فرع جماعة الإخوان في تونس) تمسّ حدود الاحتجاج والاحتقان داخل الشارع التونسي على خلفية تأزم وانسداد المشهدَين السياسي والاجتماعي؟

وقعت تونس تحت وطأة عشرية سوداء، اختطفت فيها من قبل جماعة من اللصوص والعملاء يديرونها لحسابهم الخاص، ولخدمة مصالحهم الفئوية، وذلك عن طريق واجهة سياسية فاسدة لا تعبأ بأرواح التونسيين ومستقبلهم، وسيادة وطنهم، بقدر اهتمامها بخدمة مصالحها ومصالح جماعتها. فهذه العشرية التي تسبّبت في تحولات جمّة، محلية وإقليمية، وصعد فيها الإسلام السياسي للحكم، تم التنكيل خلالها بالشعب وبمؤسسات الدولة، على حدّ السواء؛ حيث انهارت الخدمات وتفاقمت البطالة والفقر والأمية، والتي عادت بقوة نتيجة الانقطاع عن الدراسة مبكراً، جراء صعوبة الظروف، كما تفشت الجريمة المنظمة، ومن بينها: الهجرة غير الشرعية، وتفكّك الاقتصاد الوطني لصالح جماعات مافياوية ترتبط بشبكات مدعومة من تركيا، وكذا عصابات التهريب، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف المديونية، وباتت الدولة عاجزة عن تأمين أجور الموظفين، للمرة الأولى في تاريخها، ناهيك عن تنامي وتيرة الإرهاب، وظهور عناصر متشددة من الجماعات الإسلامية المسلحة، تنفّذ جرائمها في الداخل، كما تمّ تسهيل عمليات الهجرة لتونسيين عبر تعبئتهم في المنظمات الإرهابية، ونقلهم لبؤر التوتر في الإقليم، وبعضهم تمكّن من تنفيذ عمليات اغتيال سياسية في الداخل.

 كذلك تمّ اختراق مؤسسات الدولة من خلال نظرية التمكين الإخواني؛ إذ جرى اختراق القضاء والأمن وباقي المؤسسات الإدارية، وبدأت كلّ المؤسسات تعيش ما تسمّى بالمؤسسات الموازية التابعة لجهاز الإخوان، ممثلة في حركة النهضة، وهو ما أربك عمل مؤسسات الدول.

كلّ هذا انعكس في 25 تموز (يوليو) الماضي؛ حيث تحرّك الشعب بعفوية، وفي انسجام تام مع مؤسسات الدولة السيادية؛ لذلك ما حصل في تونس ليس خروجاً عن الشرعية، أو اغتصاباً لها، حتى يصنّفه الإخوان بـ "الانقلاب"، ما حصل أتى عكس ذلك، لإنقاذ الشرعية من اغتصاب تجار السياسة ومافيا الفساد.

لا مناص من العودة إلى الشعب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في غضون عام، بشرط إتاحة مناخ سياسي سليم، وقانون انتخابي جديد.

إنّه تدخّل شرعي من الدولة في ظلّ سلطة باتت منفلتة العقال من أيّ ضابط أو رادع، وميالة نحو فرض أمر واقع، يتمثّل في الإقطاع السياسي، لجهة إعادة إخضاع مؤسسات الدولة لجماعة الإخوان بدلاً من الإرادة العامة، وتأميمها في النهاية لحساب التنظيم الإسلامويّ.

حالة الغضب وصلت ذروتها، ولولا قرارات الرئيس قيس سعيّد، التي امتصّت غضب الشارع، لأخذ الوضع في تونس منعرجاً آخر لا يتصوره أحد؛ فالشعب لم يعد لديه ما يخسره، وكان ذاهباً إلى النهاية حتى اقتلاع الإخوان وعصاباتهم.

غير مرة عبّر الرئيس التونسي عن عدم اقتناعه بالنظام السياسي وعن ضرورة تعديل بعض بنوده في إشارة منه للنظام البرلماني؛ هل ترى أنّ تحركات النهضة مع رؤساء الحكومات سبب مباشر لذلك؟

 بخصوص النظام السياسي في تونس، فقد قدمنا حوله، نحن في التيار الشعبي، قراءة منذ شباط (فبراير) العام الماضي، مفادها أنّ هذا النظام لا يصلح؛ إذ إنّه نظام جعل من الدولة التونسية دولة غير قابلة للحكم، وحوّلها إلى ما يشبه النظام الطائفي؛ حيث تمّ تقسيم السلطة، خاصة السلطة التنفيذية، بطريقة المحاصصة، وبمرور الوقت أصبحت وحدة الدولة والمؤسسات في خطر كبير، وجاء هذا الدستور من ضمن مشروع تفكيك المنطقة وإعادة رسم جغرافيتها عن طريق الإخوان.

واليوم، لا مناص من تعديل الدستور وعرضه على الاستفتاء والتعديل؛ ليشمل أساساً طبيعة النظام، ومن ثم لا بدّ من التخلص من ازدواجية السلطة التنفيذية، وتخليص الهيئات الدستورية من المحاصصة، وذلك إلى جانب تغيير النظام الانتخابي، الذي فتح الباب أمام الفساد السياسي، وتزوير الانتخابات، والأخطر تزوير إرادة الناس والاختراق الخارجي.

ملف الشهيد محمد البراهمي مؤسس التيار الشعبي، وملف الشهيد شكري بلعيد، يتوقف عليهما الكثير؛ لأنهما يفضحان مستوى التمكين الإخواني وحدود نشاط الإرهاب في تونس والمنطقة

حركة النهضة الإخوانية كرّست نظام حكم فوضوياً، وهو ديدن التنظيمات التابعة لجماعة الإخوان و(الإرهاب) بالمنطقة، التي لا تنتعش إلا في ظلّ الفوضى وانهيار الدولة، وإصرارها المحموم على المحافظة على هذا الأمر مسألة متعمدة، حيث إنّ ضعف الدولة وتفكّك المجتمع وانهيار المؤسسات يعدّ بمثابة البيئة المناسبة للجماعات الإسلاموية للاستمرار في السيطرة والتحكم.

ثمة اتهامات تتعلق بأخونة القضاء وتعطيل مسار العدالة في بعض القضايا... كيف ترى مسار مثل هذه القضايا في حالتي الشهيد شكري بلعيد ومحمد البراهمي؟

عملية التمكين ركزت، منذ البداية، على القطاعات الحساسة، مثل القضاء والأمن والاتصالات وغيرها، إذ تعرّض القضاء لعملية اختراق كبيرة منذ اليوم الأول، وقد ساهم اختراق القضاء في تعطيل مسار العدالة في كثير من القضايا، سواء السياسية أو المالية، وأهمها وأخطرها قضايا الاغتيالات والإرهاب ونقل العناصر المتطرفة للخارج.

والقاضي بشير العكرمي، الذي يخضع، الآن، للإقامة الجبرية، وهو رئيس النيابة العمومية السابق، يتستر على أكثر من 6000 ملف، وبناء على ذلك عليك أن تتصوّر خطورة الأمر على الأمن القومي لتونس، والأمن الإقليمي للمنطقة ككل.

ملفّ الشهيد محمد براهمي، مؤسس التيار الشعبي، وملف الشهيد شكري بلعيد، يتوقف عليهما الكثير؛ لأنهما يفضحان مستوى التمكين الإخواني وحدود نشاط الإرهاب في تونس والمنطقة، وكذلك شبكات تهريب الإرهابيين والعناصر المتشدد لبؤر التوتر، خاصة ضلوع الجهاز السرّي لحركة النهضة في التخطيط والتنفيذ لهذه الأمور. وبالطبع، نحن نعول كثيراً، اليوم، على تحرّر القضاء وجهاز الأمن لكشف الحقيقة للشعب التونسي وللعالم.

تتباين ردود الفعل الصادرة من المكتب التنفيذي لحركة النهضة، وتتراوح بين التلويح بالقوة وتحريك الشارع تارة، والالتزام بأمن المجتمع تارة أخرى؛ ما هو تفسير ذلك؟ وهل ترى في ذلك الأمر تحركات تكتيكية لأهداف محددة؟

حركة النهضة، منذ أشهر، استشعرت الخطر الذي يداهمها، نتيجة الغليان الشعبي واحتقان المؤسسات، وقد اعتمدت حرباً استباقية قائمة على التهديد وإرهاب التونسيين؛ إذ يهدّد قادتها من على كلّ منبر بالفوضى والحرب الأهلية، في محاولة لتخويف الشارع والمؤسسات على السواء، لكن يوم 25 تموز (يوليو) الماضي، ذهبت كلّ هذه التهديدات أدراج الرياح؛ حيث تماسكت المؤسسات بشكل رائع، ونفّذت الأوامر لحماية الوطن بشكل مهني. فخرج الشعب التونسي، بشكل عفوي ومتجانس، دون خوف أو وجل، ولم يستجب لنداءات مرشد الجماعة راشد الغنوشي الذي بقي وحيداً معزولاً ومنبوذاً أمام البرلمان؛ إذ كان يمنّي نفسه بسيناريو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو سيناريو اعتصام رابعة والنهضة التابعين للإخوان في مصر، لكنّه أسقط في يده، الآن يحاول ابتزاز دول الجوار بالفوضى والهجرة غير الشرعية واللاجئين، لكنّه سيخفق في محاولته ومسعاه خارجياً، مثلما فشل داخلياً، وحتى إن حصلت بعض العمليات فستكون محدودة، ولن يكون لها أيّ تأثير في مجريات الأحداث.

بخصوص تسمية رئيس الحكومة خلال هذه الفترة يرجّح أنّ الرئاسة سوف تتشاور مع القوى السياسية لتحديده؛ ما هي رؤيتكم حيال هذا الوضع؟ وهل التيار الشعبي الذي تحتلّ منصب الأمين العام فيه سيشارك في هذه الحكومة؟

المطلوب، اليوم، حكومة مصغّرة، تتولى مهمة إنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، والدولة من الإفلاس، وكذا مقاومة جائحة كورونا، والاستعداد للعودة المدرسية، والموسم الفلاحي. وعلى الرئيس القطع مع كلّ رموز المافيا من الإخوان ومزدوجي الجنسية الذين لعبوا دوراً خطيراً في المرحلة السابقة، والحكومة كلّها ستكون من الكفاءات المستقلة عن الأحزاب.

ثمة تيارات وقوى سياسية عديدة تؤيد قرارات الرئيس قيس سعيّد، بيد أنّ من الضروري السؤال حول مسار محاسبة حركة النهضة ضدّ ما سببته لتونس خلال العقد الفائت؟

المحاسبة القضائية لكلّ أركان منظومة الفساد والإرهاب تعدّ الأولوية المطلقة الآن، كما أنّ ملفّ اغتيال الشهيدَين محمد البراهمي وشكري بلعيد، وتمكين الإرهاب بالمجتمع والدولة، وتدشين شبكات التهريب للعناصر الإرهابية، يمثّل كلّ منهم جوهر هذه الأولوية القصوى؛ لأنّ ذلك المسار الجادّ وحده هو ما يفتح الباب أمام إصلاح سياسيّ عميق، ويؤدّي لتطهير الحياة السياسية.

وأحد الممرات الإجبارية لاستمرار قطار المحاسبة وكشف الجرائم هو حلّ البرلمان نهائياً، وقد أصبح فاقداً للشرعية والمشروعية، بعد كلّ هذه الإصلاحات، وبعد حلّ البرلمان الذي فقد كلّ مبررات استمراره، فلا شرعية ولا مشروعية له، ولا مناص من العودة إلى الشعب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في غضون عام، بشرط إتاحة مناخ سياسي سليم، وقانون انتخابي جديد. وعندها سيكون المسار، الذي انطلق في 25 تموز (يوليو) الماضي، قد حقّق كلّ أهدافه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية