الأكراد في تركيا في قبضة فاشية دينية بحلة عثمانية

الأكراد في تركيا في قبضة فاشية دينية بحلة عثمانية


26/11/2020

ألقت قوات الأمن التركيّ، الجمعة الماضية، القبض على 74 مواطناً كردياً، ضمن قائمة أعدّتها السلطات المحليّة لـ 101 من المطلوبين للعدالة بتهم تتعلق بالإرهاب، بدعوى تأييدهم لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه تركيا منظمة إرهابية.

اقرأ أيضاً: هل ينقذ بايدن الأكرادَ من براثن "المستبد" أردوغان؟

وتعدّ حملة الاعتقالات الأخيرة ضدّ الأكراد، حدثاً ضمن مجموعة من أشكال الاضطهاد والقمع، يستهدف المواطنين الأكراد في تركيا، تبرّره السلطات المحلية بالإرهاب، كذريعة آمنة حتى تكتسب التأييد الشعبي في حربها المقدسة ضدّ ما تسميه "الإرهاب".

حقوق الإنسان الغائبة عن تركيا

منذ أن تمّ تصعيد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عام 2002، حاول ممثّلو الحزب تقديم أنفسهم كرعاة للديمقراطية التي غابت عن تركيا، بعد عقود من انقلابات عسكرية، أضرّت بالبلاد وأضاعت حقوق العباد، وتحت لواء الإسلام كـ "دين ودولة"، استطاع الحزب اكتساب القاعدة الشعبيّة الأكبر بين صفوف الفقراء والمهمّشين وأتباع اليمين القوميّ، حيث حاول الحزب منذ بداية حكمه الحفاظ على مجموعة من الإنجازات، يستطيع من خلالها التوغل في المجتمع، وكسب قاعدة شعبية أكبر، إلّا أنّ التحوّل في مشهد حقوق الإنسان في تركيا شهد طفرة سيّئة، ندّدت بها القوى الدّولية، خاصّة خلال السنوات الخمس السابقة، وبدأ التحوّل الأكبر في أعقاب الانقلاب المشكوك في صحّته، عام 2016؛ إذ أعلنت حالة طوارئ في البلاد لمدّة عامين، انتهت في تموز (يوليو) 2018، ومع ذلك استمرّ القمع والتنكيل بكلّ تيارات المعارضة، وحتى ممّن لم تكن لهم أنشطة سياسيّة تذكر.

ووفق تقرير منظمة "أمنستي" عن ملفّ حقوق الإنسان في تركيا، الصادر في نهاية عام 2019؛ فإنّ آلاف الأشخاص وقعوا رهن الحبس الاحتياطي، وغالباً دون أيّ دليل موثوق يدينهم،  ويذكر التقرير أنّ هناك قيوداً صارمة على الحقّ في حرية التعبير والتجمع السلمي، والاعتقال الفوري، للأشخاص الذين ينتقدون الحكومة الحالية، لا سيما الصحفيين والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنهم من واجه تهماً جنائية تمّ تلفيقها دون قرائن أو أدلة، كما واصلت السلطات حظر المظاهرات بشكل تعسّفي واستخدام القوة المفرطة، وغير الضرورية، لتفريق المتظاهرين السلميين، كما أورد التقرير حالات موثقة من التعذيب والاختفاء القسري، وإعادة اللاجئين السوريين، قسراً، إلى بلادهم، بالرغم من استمرار استقبال تركيا للاجئين جدد.

هذا المزيج الفريد الذي تتكوّن منه السلطة التركية المعاصرة، التي تجمع بين التيار الإسلامي، والتيار القومي اليميني المتطرف، يجعل منها سلطة فاشيّة "قوميّة دينيّة"

 خلال الربع الأول من عام 2019، انضمّ آلاف السجناء إلى البرلمانية ليلى جوفين، في إضراب عن الطعام، للمطالبة بالسماح لزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، بتلقّي زيارات من أسرته ومحاميه، وعليه تمّ تجريم المضربين عن الطعام وأولئك الذين اتخذوا إجراءات تضامنية لدعمهم، وتمّت مقاضاة العديد بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، ومع استمرار استخدام التحقيقات والمحاكمات الجنائية دون أدلة قانونية تدين المتهمين، منعت المحاكم المحتوى على الإنترنت وبدأت تحقيقات جنائية ضدّ المئات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، كلّ هذا القمع تضمّن تخويف المعارضة وإسكاتها.

الصراع الأزليّ ضدّ الأكراد

على الرغم من أنّ الأكراد يمثلون ربع التعدّاد السكانيّ في تركيا، إلّا أنّهم أكثر الأقليات اضطهاداً من الأتراك عبر التاريخ.

 ويرى الكاتب الصحفي، والباحث المتخصّص في الشأن الكرديّ، هوشنك أوسي، أنّه لا يوجد مكان يهدَّد فيه الأكراد أكثر من تركيا، وذلك منذ الحرب العالمية الأولى؛ حين  كان الأكراد في تركيا ضحايا لاعتداءات متواصلة على هويّتهم العرقيّة والثقافيّة والدينيّة، والوضع الاقتصاديّ والسياسيّ من قبل الحكومات التركيّة المتعاقبة.

 وفق مقال نشرته صحيفة "cultural survival"؛ فإنّ المحافظات الكرديّة في تركيا متخلّفة بشكل متعمّد ومستمر، وبين عامَي 1968 و1975، تمّ استثمار 10.7 مليار ليرة في شرق الأناضول والجنوب الشرقيّ، وهي مناطق ذات كثافة سكانيّة عالية، من قبل الأكراد.

 ويمثل ذلك 2.4% من الاستثمار الوطني، مقابل 31.1%  في مرمرة، و20.8% في منطقة أجيان، و16.4% في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ إذ بلغ نصيب الفرد من الاستثمار القومي 266 ليرة، عام 1970، لم يجنِ الأكراد منها أيّ ثمار.

اقرأ أيضاً: لماذا ترك ترامب حلفاءه الأكراد فريسة لأردوغان؟

 ورغم التحسّن الاقتصاديّ الذي استشعره الأتراك بعد إزاحة الحكم العسكريّ؛ فإنّ النظام الحاليّ في تركيا جاء بسياسات أكثر عنفاً ضدّ الكرد، أشدّ وأقسى مما كان عليه حالهم في الحكم العسكري، الذي نفّذ في المقاطعات الشرقية والجنوبية الشرقية، منذ عام 1980، خمس مناورات عسكرية، على الأقل، لترويع الأكراد.

وبحسب مقال  نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، بعنوان: "الاضطهاد التاريخيّ للأكراد"؛ فإنّه في الأشهر التسعة التي أعقبت استيلاء الجيش على الحكم، تمّ إلقاء القبض على 122609، أغلبهم من الأكراد، فيما طلبت النيابة الحكم بالإعدام على 70 ألف معتقل سياسي، 90% منهم من الأكراد.

فزّاعة الإرهاب

باسم الحرب على الإرهاب، يستخدم الرئيس التركي سلطاته المطلقة للسطو على حقوق المعارضة، وانتهاك حقوق الأقليات، يتضح هذا عبر سلسلة من الأحداث الأخيرة، منها ما كان في تموز (يوليو) عام 2019، حين ألغت المحكمة الدستورية إدانة عشرة أكاديميين بتهمة "عمل دعاية لمنظمة إرهابية"، لتوقيعهم عريضة سلام، عام 2016، تنتقد حظر التجول إلى أجل غير مسمى، والعمليات الأمنية في جنوب شرق تركيا.

 الصحفي الكردي هوشنك أوسي لـ"حفريات": تسريع أردوغان من وتيرة قمعه، وشمولها مواطنين أتراكاً، إلى جانب الكرد، يجعلنا ندرك مدى أزمته الداخلية وعنفها

 وتمّت تبرئة مئات آخرين ممن حوكموا لدعمهم الالتماس بعد هذا القرار، بينما استمرّ توجيه تهم جديدة إلى آخرين رغم حكم المحكمة الدستورية؛ بأنّ التّهم انتهكت الحقّ في حرّية التعبير، وفي أيلول (سبتمبر) 2019، تمّت إدانة المهندس والأكاديمي، الدكتور بولنت تشيك، وفصله من الجامعة، بتهمة "الكشف عن معلومات سرّية" وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 شهراً، بعد نشره سلسلة مقالات على صحيفة "جمهوريت"، والتي كشف من خلالها وجود مبيدات خطيرة ومسبّبة للسرطان والأمراض المزمنة في المنتجات الزراعية والمياه، تأكد منها الباحث بعد ملاحظته لزيادة معدلات الإصابة بالسرطان في غرب تركيا.

وتمّ، كذلك، اعتقال اثنين من الرؤساء المشاركين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي، وهما: صلاح الدين دميرتاس، وفيجن يوكسكداغ، اللذان تمّت إدانتهما بتهم تتعلق بالإرهاب، دون أية قرائن أو أدلة، مستندة إلى خطاباتهما العامة، فيما تمّ عزل 20 من رؤساء البلديات المنتخبين، عن حزب الشعوب الديمقراطي، واستبدالهم بأمناء معينين من قبل الدولة.

اقرأ أيضاً: إيران: القتل الناعم للغة الأكراد

 وفي هذا السياق، يضيف أوسي، في تصريح لـ "حفريات": "تسريع أردوغان من وتيرة قمعه، وشمولها مواطنين أتراكاً، إلى جانب الكرد، الذين وقعوا أسرى النظام الحاكم في تركيا حالياً، بل يتمّ اضطهادهم أكثر مما كان عليه الحال سابقاً، يجعلنا ندرك مدى أزمته الداخلية وعنفها؛ ففي تركيا العثمانية، ومع كلّ جبروت حكّامها، تمتّع الأكراد بولايات مستقلّة كانت لهم السيادة عليها، بينما لا يحتمل أردوغان منشوراً رافضاً لسياساته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا المزيج الفريد الذي تتكوّن منه السلطة التركية المعاصرة، التي تجمع بين التيار الإسلامي، والتيار القومي اليميني المتطرف، يجعل منها سلطة فاشيّة "قوميّة دينيّة"، تحاول ارتداء الحلّة العثمانية، لكنّهم أسوأ بكثير".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية