الأسيرة الفلسطينية المحررة أهداب حوراني لـ"حفريات": غزة أيقظتنا

الأسيرة الفلسطينية المحررة أهداب حوراني لـ"حفريات": غزة أيقظتنا

الأسيرة الفلسطينية المحررة أهداب حوراني لـ"حفريات": غزة أيقظتنا


12/12/2023

أجرى الحوار: سامح فايز

تؤكد الأسيرة الفلسطينية المحررة أهداب حوراني لـ"حفريات" أنّ غزة أيقظتنا. وتعيش الأسيرة الفلسطينية المحررة أهداب حوراني على بعد دقائق من مسجد الاستقلال داخل حيفا، في هذا المسجد قاد عز الدين القسام المعركة ضد العصابات الصهيونية المسلحة منذ العام 1925، قبل أن يسقط شهيداً على بعد خطوات من مدينة جنين الأسطورية، التي سجلت مقاومة بطولية في الانتفاضة الفلسطينية الثانية نيسان (أبريل) 2002.

مع فلسطين المحتلة تتشابه الأحداث والتواريخ والبطولات أيضاً؛ في نيسان (أبريل) من العام 1948 بدأت عملية تطهير عرقي للأحياء العربية في حيفا، وفي نيسان (أبريل) 2002 بدأت عملية تطهير عرقي لسكان جنين.

وفي ثورة عصبة القسام، قرر الشيخ عز الدين القتال هو وعصبته حتى الموت، ونال الشهادة في قرية خربة الشيخ زيد على مسافة 19 كيلو متراً من مدينة جنين، التي قرر مقاتلوها أيضاً القتال حتى الموت عام 2002 ووثقوا أسطورة بات يعرفها الجميع باسم "أسطورة جنين".

وفي 23 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري اعتقل الاحتلال ابنة مدينة حيفا أهداب حوراني أسيرة بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية، وكان دليل الاتهام أنها كتبت على صفحتها الشخصية بمنصة فيسبوك عشية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول (أكتوبر): "في صباح أحد أيام الله تحملنا كتائب القسام إلى قمة السعادة، غزة توقظنا بصوت يتردد من أبراج المؤذنين انضموا إلى صلاة التحرير، انضموا إلى صلاة القتال، انضموا إلى صلاة النصر".

القائد الأردني محمد حمد الحنيطي قاوم الصهاينة حتى الشهادة

تقول أهداب حوراني ساخرة: غضبت دولة الاحتلال من بضع كلمات عبرت فيها عن حبي لوطني، ولم تغضب من آلاف الأطفال القتلى الذين سقطوا دون ذنب سوى أنهم أبناء هذه الأرض".

لم يخفت صوت المقاومة

أهداب محمد حوراني، درست في جامعة حيفا بكلية العلوم، تخرجت من قسم العلاج الوظيفي، وعملت بدار لرعاية المسنين وبعدها في مركز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

تتذكر أهداب ما حدث، في تصريح لـ "حفريات" بعد خروجها مؤخراً من الأسر في صفقة التبادل بين الاحتلال والمقاومة في غزة: "كنت كل يوم أرتدي ثيابي وأنتظر أن ينادوا باسمي، حتى إنني للحظة فقدت الأمل".

وتردف: "ما هي الحسابات التي تضعها عندما ترى بني جلدتك، أهلك، أصدقاءك، الشيوخ، الأطفال، الجدات يموتون بهذا الشكل المروع، ما نوع الحسابات التي يمكن للمرء أن يضعها في رأسه وسط هذا الخراب والدمار والإبادة، نحن أبناء فلسطين كالأسود الجريحة لا نخشى أبداً من الهجوم دون حلول هامشية ودون حسابات".

 

علمت أهداب حوراني بالافراج عنها قبل موعده بساعات قليلة: في نفس اليوم أتى مسؤول السجن إلى الساحة وبدأ في مناداة الأسماء المفرج عنها

 

حتى عندما وجدت طريقها إلى المعتقل لم يخفت صوت المقاومة داخلها، الوضع بات مختلفاً الآن، فلم يعرف سابقاً أنّ مناطق 48 دخلت ضمن أي صفقات لخروج الأسرى في السابق، بالتالي لم تتنظر أهداب أن تخرج، حتى حدثت المعجزة في المجموعة السادسة التي أفرج عنها وكانت من عرب 48، فدب الأمل من جديد.

تؤكد أهداب حوراني: "لم يكن ليحدث أبداً أن أتخاذل في موقفي مهما حدث، فحريتي لا تضاهي أبداً حرية الوطن"، مضيفة :"كنت أعلم أنّ المحتل لا يدرج عرب الـ 48 في صفقات تبادل الأسرى لأنه حسب قرار جنيف الـ 48 هم شأن إسرائيلي وليس فلسطينياً، ورغم فقدان الأمل إلا أنني لم أكف أبداً عن الدعاء".

داخل الزنزانة قمع وضرب وبصق

تحكي أهداب حوراني عن تجربة الأسر: "كانت أياماً سيئة للغاية، كان هناك عنف كلامي وجسديا، كما كانوا يقومون بتفتيشنا عرايا كل يوم، وأخذوا منا الفرش والأغطية لننام على الارض من دون شيء". 

عز الدين القسام

دائماً ما تتحدث دولة الاحتلال عن كونها الأكثر ديمقراطية وحرية في الشرق الأوسط لكنها شعارات كاذبة أكدتها أهداب حوراني، قائلة بلغة ساخرة: "ديموقراطية وحرية.. كلها شعارات كاذبة تصدر للعالم عبر أفواه كاذبة منافقة مخادعة، المعاملة سيئة جداً، صادروا كل أغراض السجناء من ملابس وأكل، كنا داخل الزنزانة 24 ساعة من دون الخروج للساحة، كنا نخرج للاستحمام فقط وبعدها نعود، داخل الزنزانة قمع وضرب وبصق والكثير من الكلام الخارج عن الحياء، ممنوع الاتصال بالأهل أو المحامي ومن يتكلم ويعترض يقومون بعزله، وكانوا يقولون لنا اذهبوا لغزة فهذه الأرض لنا ويهددوننا بأنهم سيرحلوننا لغزة، كما كانوا يرشون وجوهنا بماء المرحاض".

عرفت حيفا إلى جانب القسام العديد من الأسماء التي حملت القضية الفلسطينية على أعناقها حتى الموت، أبرزهم رشيد الحاج إبراهيم، أحد أئمة مسجد الاستقلال ورئيس جمعية الشبان المسلمين في حيفا، كذلك القائد العسكري الأردني محمد حمد الحنيطي والذي استشهد آذار (مارس) في كمين نصب لقافلة تجلب 15 طناً من الأسلحة والمتفجرات.

وقف الحنيطي أمام العصابات الصهيونية وقاوم حتى الموت، قاوم ضد العملية التي أطلقت عليها العصابات الصهيونية "التطهير في الفصح"، وكان الهدف من العملية هو الاستيلاء على الأحياء العربية في حيفا وكان حدثاً مهماً في المراحل الأخيرة من حرب التطهير العرقي في فلسطين، مما أدى إلى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.

الحركات الصّهيونيّة في عام 1948 خطّطت تخطيطاً كاملاً للسّيطرة على البلاد، وتطهير الأرض من سكّانها الأصليّين بشكلٍ كامل. أهمها كانت معركة حيفا. الاستراتيجيّة الّتي طبّقتها حركة الهجناه الصّهيونيّة للسّيطرة على حيفا، اعتمدت فكرة إخلاء سكّانها الفلسطينيّين، ودفعهم نحو الميناء؛ إذ تواجدت، هناك، سفن إنجليزيّة وصهيونيّة لإتمام عمليّة النّقل بعد إجبار السكان على النزوح خارج حيفا من خلال عمليات القتل الإجرامية والمذابح التي نفذتها الهاجاناه، وعندما نزح الأهالي إلى الميناء وجدوا أنفسهم على سفن إنجليزية توجهت مباشرة إلى بيروت لتبدأ الرحلة من المخيمات وحلم العودة. بيْد أنّ القليل من العائلات بقيت، من بينها عائلة أهداب حوراني، التي قررت أن تقاوم بالكتابة، وهو السلاح الذي تبرع فيه.

الطريق إلى المقاومة بالكتابة

"أهوى الكتابة"، ابتسمت أهداب حوراني مع ذكر مرادفة الكتابة ثم أكملت:" أهوى التعبير والغوص في بحار اللغة وانتقاء ما يحلو ويطيب من كلمات لأنسج منها أثواباً مزركشة تسر القارئين والناظرين، تعبر عن الواقع بكل ما نتعايشه من مشاعر، منها ما يمثل الرومانسية ومنها ما يمثل الحزن والفراق والألم".

تضيف أهداب حوراني: "نشرت كتابي الأول "سماء ثامنة" في مصر، الكتاب عبارة عن مجموعة من الخواطر، كانت تجربتي الأولى في النشر ناجحة مما شجعني لنشر كتابي الثاني "رجل وحكاية" مع نفس دار النشر، وجاءت مقدمة الكتاب عن رجلٍ كان بمثابة وطن سقط حتى إنه أصبح سراباً".

لم تتوقع أهداب أنّ رحلتها الجديدة مع الكتابة ستكون من داخل سجون الاحتلال، رحلة بدأتها بعد مساعدة من أسيرات دخلن قبلها إلى المعتقل في الحصول على أوراق وقلم، ثم كتبت تباعاً، وبمساعدة الأهل تمكنت من تهريب تلك الكتابات لاحقاً.

 

أهداب حوراني: داخل الزنزانة قمع وضرب وبصق والكثير من الكلام الخارج عن الحياء. ممنوع الاتصال بالأهل أو المحامي. كانوا يرشون وجوهنا بماء المرحاض

 

تشير إلى أنّ تلك الكتابات ربما تكون فكرة كتابها الجديد: "بالطبع فكرت جدياً في خوض هذه التجربة الحية حتى إنني أخذت خطواتي الأولى في هذا الخصوص".

وترى أهداب حوراني أنّ القدر ربما أختارها حتى تسجل حكايات الأسيرات.

مسجد الاستقلال

تحكي أهداب حوراني: "عندما دخلت السجن وسمعت أنّ إسراء جعابيص هنا  في زنزانة 2 ركضت سريعاً إليها ومن وراء باب الزنزانة حدثتها وقلت لها كم أنا فخورة بها وكم أنا سعيدة لأنني التقيت بها، وببالغ المحبة رحبت بي وبدأنا نتكلم وشعرت أنني أعرفها منذ زمن، كم هي لطيفة، ودودة، وجميلة، حتى إنها أعطتني من ملابسها، لأنّ المحكمة منعت دخول الملابس لي". 

تضيف أهداب حوراني:"أما عن مرابطات الأقصى فحدث ولا حرج هنادي الحلواني وخديجة خويص يا الله كم أنا محظوظة بهذه الصحبة المناضلة، كنت عند عودتي من المحكمة دوماً تناديني هنادي وتسألني: أخبرينا ماذا حدث؟ فأجيب بأن المحكمة تأجلت فكانت دوماً تعطيني أملاً وثقة بأنّ الله سينصرنا. أما خديجة فكانت دوماً تنصحنا وتعطينا دروساً دينية ممتعة جداً. أما اللطيفة عهد التميمي فرغم كل الألم الذي تشعر به من بطش الظالمين كانت دوماً تعطينا الأمل بابتساماتها وصبرها. أما الشخصية العظيمة حنان البرغوثي شقيقة الأسير نائل البرغوتي، فكانت كالأم الحنونة للجميع تطبطب وتدلل الجميع بلطفها ووقارها وهيبتها. الجميلة آية خطيب عندما رأيتها لأول مرة أمام زنزانتي شعرت بفراشات تطير من حولي، كم أنا فخورة بها وكم أنا محظوظة أنني كنت شريكة لها بالزنزانة في آخر يومين".

بيد أن إحدى الأسيرات كانت لها قصة تأثرت بها أهداب حوراني: "أثرت بي أسيرة اسمها خلود كانت نفاساً، إذ ولدت ابنتها قبل اعتقالها بشهر وكانت نفسيتها سيئة جداً". 

عودة الحق الفلسطيني

تشير أهداب إلى أنها علمت خبر الافراج عنها قبل موعده بساعات قليلة: "في نفس يوم الإفراج أتى مسؤول السجن إلى الساحة وبدأ في مناداة الأسماء المفرج عنها".

تضيف: "الحياة خارج أسوار السجن لا تختلف كثيراً، ربما المكان أكثر اتساعاً، لكن السجن واحد؛ أصبحت كالمنبوذة في محيط العمل والمعيشة، تم طردي من العمل وتجميد حسابي البنكي، بالإضافة إلى نظرات الجيران ورشقهم لي بألفاظ بذيئة".

ترى أهداب حوراني أنّ عودة الحق الفلسطيني مسألة معقدة وتنطوي على العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية: "هناك العديد من المقترحات والنهج المختلفة لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وإرجاع حقوقه، بعض الخطوات المحتملة تشمل التفاوض بين الأطراف المعنية، وتوسيع حقوق الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودعم المجتمع الدولي لحقوق الفلسطينيين، إنها مسألة مستمرة لا توجد إجابة بسيطة أو واحدة لها، وتتطلب جهوداً دولية واسعة النطاق وإرادة سياسية وحوار مستمر بين الأطراف المعنية، أو أنها حرب لا تنتهي حتى النصر".

لكن يظل أكثر ما تألمت له أهداب هو التضييق عليها لإجبارها على ترك حيفا: "في الوقت الراهن يأكلني التفكير ويفجر رأسي العدول عن فكرة الهجرة، لأنني داخل منطقة نفوذ الاحتلال، حريتي مقيدة ولا فرق الآن بعد خروجي من السجن ووجودي بداخله".

تحمل أهداب حوراني عبر تاريخها العائلي رحلة أكثر من سبعين عاماً من التطهير العرقي الذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وفي كل مرة يكرر التاريخ نفسه، عندما تبدأ جرائم الصهيونية بتهجير السكان الأصليين، ثم في لحظة يتم التهجير خارج الأرض، ثم تقام المخيمات وتنتهي القضية. بيْد أنّ "طوفان الأقصى" ربما يغير المعادلة، ويكتب تاريخاً جديداً يعيد للحق الفلسطيني صوته وحضوره.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية