استشراف النظام العالمي الجديد

استشراف النظام العالمي الجديد


14/04/2020

قدّم هنري كيسنجر، في مقالة له بجريدة «وول ستريت جورنال»، نصائح للبيت الأبيض في ظل جائحة كورونا والتهيئة للنظام العالمي الجديد الذي سيخرج من رحم الوباء العالمي الحالي. فأزمة كورونا ستغيّر في نظره النظام العالمي للأبد، كما أن المساوئ التي ألحقها الفيروس بالصحة قد تكون مؤقتة، إلا أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أطلقها قد تستمر لأجيال عديدة. وكتب الخبير الاستراتيجي المحنك، إن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم الآن بسبب الوباء الفتاك، أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جندياً في فرقة المشاة خلال الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944، حيث يسود الآن شعور مماثل بالخطر الوشيك الذي يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر. ورغم أوجه الشبه بين تلك الحقبة البعيدة وما نعيشه اليوم، يقول كيسنجر، فثمة فرق مهم يتمثل في كون قدرة الأميركيين على التحمل في ذلك الوقت عززها السعي لتحقيق غاية وطنية عظمى، بينما تحتاج الولايات المتحدة، في ظل انقسامها السياسي الحالي، إلى حكومة تتحلى بالكفاءة وبعد النظر، للتغلب على العقبات غير المسبوقة.

اقرأ أيضاً: هكذا ساهم فيروس كورونا في نجاة نتنياهو
وأشار كيسنجر إلى أن قادة العالم يتعاملون مع الأزمات الناجمة عن الوباء، بناءً على أساس وطني محض، إلا أن آثار التفكك الاجتماعي المترتب على هذا الوباء لا تعترف بالحدود، وهو ما أشرنا إليه سابقاً هنا. وأردف كيسنجر قائلاً: إن الجهود المبذولة لمواجهة تفشي الوباء، رغم ضخامتها، ينبغي أن لا تشغل قادة العالم عن مهمة أخرى، تتمثل في إطلاق مشروع موازٍ للانتقال نحو نظام ما بعد كورونا.
ودعا كيسنجر الإدارة الأميركية للتركيز على ثلاثة محاور رئيسية لمواجهة الوباء وتداعياته؛ أولها تعزيز قدرة العالم على مقاومة الأمراض المعدية، وذلك عبر تطوير آليات البحث العلمي والاستثمار فيه، وقد فهم الجميع أن الصحة والمستشفيات والأطباء والأدوية عليها مدار مستقبل الملايين من البشر، وأن أية زيادة على درجتين مئويتين، كحد أقصى لارتفاع حرارة الأرضية عن النسبة الأصلية، سيهلك الحرث والنسل.
أما المجال الثاني، فهو السعي الحثيث لمعالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي جراء تفشي الوباء، والتي لم يسبق أن شهدت البشرية مثيلاً لها، من حيث السرعة وسعة النطاق.
والحقيقة أنني، لأول مرة، أقرأ لكيسنجر عن النظام العالمي، دون أن أجد في مقالته تصوراً استراتيجياً ولا حديثاً استشرافاً مقنعاً حول مستقبل اللاعبين في النظام العالمي المقبل، وعلى رأسهم الصين التي اعتادت العمل بذكاء في النظام العالمي الحالي. فالقوة في هذا النظام كانت موزعة بنمط يشبه لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، فعلى رقعة الشطرنج العليا نجد القوة العسكرية الأحادية القطب إلى حد كبير، وقد احتفظت الولايات المتحدة بالتفوق فيها. وعلى رقعة الشطرنج الوسطى، ظلت القوة الاقتصادية متعددة الأقطاب طوال أكثر من عقد، واللاعبون الرئيسيون هم الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين، إلى جانب آخرين لهم أهمية آخذة في التزايد. أما رقعة الشطرنج السفلى، فهي مجال العلاقات العابرة للحدود الوطنية، وتشمل فاعلين ليسوا دولاً، كالمصرفيين الذين يحولون الأموال إلكترونياً، والإرهابيين الذين يتاجرون بالأسلحة، وقراصنة الإنترنت الذين يهددون الأمن الإلكتروني، والتحديات الأخرى مثل الأوبئة وتغير المناخ.

اقرأ أيضاً: يونيسف تحذر من تعرض الأطفال لكارثة كورونا في هذه الدول

وعلى هذه الرقعة السفلى، كنا نجد أن القوة منتشرة على نطاق واسع، ولا مجال لأحادية قطبية. وأعتقد، شخصياً، أن رقعة الشطرنج السفلى سيكون من أمرها ما يكون، وستتربع عليها الصين، وقد تجعل من هاته الرقعة السفلى رقعة عليا مؤثرة على النظام العالمي الجديد، وستملك بها مفاتيح أخرى. أما إن لم تحسن إدارة الأزمة وبناء المستقبل الإنساني الجديد، فإن الفشل في هذا التحدي سيؤدي إلى أزمة عالمية فتاكة.

المصدر: صحيفة الاتحاد الإماراتية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية