استراتيجية التكيّف: لماذا تستمر جماعة الإخوان رغم انهيارها التنظيمي؟

استراتيجية التكيف: لماذا تستمر جماعة الإخوان رغم انهيارها التنظيمي؟

استراتيجية التكيّف: لماذا تستمر جماعة الإخوان رغم انهيارها التنظيمي؟


31/12/2023

تتبع التنظيمات المتطرفة آليات عديدة للتكيف مع الأزمات، وتبدو جماعة الإخوان النموذج الأقرب لذلك، فعلى مدار تاريخها تعرضت الجماعة للعديد من الهزات التنظيمية تركت أثراً كبيراً في مسارها المستقبلي، واتبع التنظيم استراتيجية للتكيف معها اعتمدت على الكمون وإعادة ترتيب الأوراق بشكل محوري ثم العودة إلى الانتشار والتوغل في المجتمعات، لكن هل يمكن تطبيق استراتيجية التكيف مع أزمة الإخوان الراهنة التي يصفها الإخوان أنفسهم بأنّها تاريخية وغير مسبوقة؟ 

إجابة عن هذا السؤال يقدّم كتاب "مناورات الإخوان: كمون العنف ومكائد التجنيد والاختراق"، الصادر مؤخراً عن مركز (المسبار للدراسات والبحوث)، عدة دراسات وافية حول آليات تكيّف الجماعات المتطرفة مع التحولات السياسية؛ فيبحث في عناصر بقاء التنظيمات، وآلياتها المبتكرة لتجنيد متعاطفين معها، والاستثمار في الظرف السياسي والمظالم المفترضة، كما يلاحظ آليات تهيئة الخطاب الثقافي والديني والمؤسساتي عبر واجهات تخدم أفكارها، وتشكيل مؤتمرات وكيانات عابرة للطوائف تسهم في تطويرها. 

ذلك فضلاً عن استغلال الفضاء الديني لتثوير المجتمعات المسلمة في أمريكا وأوروبا، عبر ربطها بقضايا التنظيمات وتحريضها على الوفاء لدولها، وتناول الكتاب جزءاً من الرؤية الفلسفية الأوروبية للعنف الأصولي الجديد، بين الأنسنة التي تقترب من التبرير إلى اجتهادات التفهّم ومحاولات التجاوز.

أسباب بقاء التنظيمات الإرهابية

ويشمل الإصدار مجموعة من الدراسات، تتناول الأولى أسباب بقاء التنظيمات الإرهابية رغم الأزمات، وفي هذا السياق يحدد الباحث أحمد شلاطة أبرز العوامل التي تنشأ عليها التنظيمات المتطرفة، سواء الذاتية النابعة عن تصوّر مثالي للدين، أو الإيديولوجية المستندة إلى جانب دفاعي متوهم، يستثمر في من يعالج الأزمات بانطباعية عاطفية، أو العوامل الخارجية المتمثلة في الأزمات الإقليمية التي تغذي المظالم المتوهمة. 

 

 استغلال الفضاء الديني لتثوير المجتمعات المسلمة في أمريكا وأوروبا

كما تشير الدراسة إلى الحواضن الجاذبة للتنظيمات الإرهابية التي تلجأ إلى ملاذات آمنة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، توظّف فيها المحفزات لخلق إرهاب محلي، أو التخادم معه، فيفرّق الباحث بهذا بين القاعدة وداعش وبوكو حرام، وجماعات ماي ماي المحلية، ويؤكد أنّ التنظيمات تستفيد من تجارب سابقاتها في التعامل مع البيئة المحلية، وتستقوي بخطاب ناعم من النموذج القديم، وتزيد عليه بالجديد، فتجدد آليات الجذب والتجنيد عبره.

أنماط التجنيد داخل جماعة الإخوان

وفي الدراسة الثانية يتناول الباحث ماهر فرغلي أنماط التجنيد الجديد الذي اعتمدته جماعة الإخوان خلال العشرية الأخيرة، بعد سقوط حكمها في مصر عام 2013، ويلاحظ أنّه يطور الاستهداف الفئوي، ويركز على المبادرة أو الدعوة الفردية المباشرة، وتوسيع دائرتي الربط العام والانتشار. 

وتعرض الدراسة شهادة منشق، عمل في مشروع لجنة المدارس الذي بدأ منذ عام 2002، وكان مسؤول قسم الأشبال داخل الجماعة؛ وأشار إلى سعي الإخوان عبر مجالس الآباء إلى تأسيس قاعدة بيانات عن الطلاب والمعلمين، وإنشاء مسابقات لتجنيد نخب وتمويل هذا المشروع من أموال الزكاة. 

 

 طورت جماعة الإخوان من أدوات الوصول إلى المستهدفين بعد سقوطها، فاستخدمت الخلايا الإلكترونية التي تعتمد على سرية الدعوة، والتحريات، وتعريض المستهدف إلى تيار تبثه منصات الجماعة الرديفة في الوسائط الاجتماعية

 

وبحسب الدراسة، طورت الجماعة من أدوات الوصول إلى المستهدفين بعد سقوطها، فاستخدمت الخلايا الإلكترونية، التي تعتمد على سرية الدعوة، والتحريات، وتعريض المستهدف إلى تيار تبثه منصات الجماعة الرديفة في الوسائط الاجتماعية، والمجلات، والوثائقيات المنتقاة، والقنوات التلفزيونية والافتراضية، وتركز على بعد السرية. 

أمّا في إطار زيادة المتعاطفين، فقد ركزت الجماعة على مراكز التنمية البشرية، وهي قريبة لما تناوله الباحث المصري طارق أبو السعد في تجربة توظيف الإخوان للاتحادات الطلابية في الجامعات المصرية منذ بداياتها، وتأثير الجماعة في الحركة الطلابية، إذ قامت بفرض أجندتها، ولمّا تقدمت في الاتحاد، وظفت ميزانيته لنشر كتب البنا، والمودودي، وقطب.

توظيف المؤسسات البديلة

وفي الدراسة الثالثة، تناول الباحث أحمد الشوربجي محاولات جماعة الإخوان بناء نفوذها في المؤسسات الدينية وجامعات العلوم الشرعية مثل: الأزهر الشريف، بداية من اهتمام حسن البنا بالطلاب الوافدين إلى القاهرة سواء للدراسة في الأزهر، أو الجامعات المصرية الأخرى، عبر قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، ثم الاستكتاب في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية. 

وفي هذا الصدد حاول الباحث رصد تأثير أحمد حسن الباقوري في مرحلة وزارة الشؤون الدينية بعد ثورة 1952، ونسب إليه تمتين دور البهي الخولي ومحمد الغزالي وسيد سابق، وزعم أنّ التأثير استمر حتى بعد تحوله إلى جامعة الأزهر (1964-1969) إذ استعان بفريق على مسؤوليته الشخصية، ذكر منهم القرضاوي والعسال، وعبر هذه الفترة القصيرة استطاع التنظيم السيطرة على إنشاء مؤسسات دينية خارج مصر، تُدرس العلوم الشرعية، وصولاً إلى تأسيس اتحادات عابرة لرجال الدين المنتظمين بالإخوان، ومعاهد فكرية عالمية، يستخدمها لخلق مجتمعات علمائية موازية للمؤسسات الرسمية، تجعل معيار الحق الديني ليس في العلم والفقه التقليديين بل في الأهداف الحركية التنظيمية.

الاختراق الناعم

وعرض الباحث سامح فايز في الدراسة الرابعة محاولة الجماعة السيطرة على الفضاء الثقافي، عبر تقديم مثقفين مهتمين بالأدب العربي، والرواية، يعيدون إنتاج أفكار سيد قطب في أوعية جديدة، أو يمثلون التنظيم. 

وحاول فايز فهم نظرية أسلمة المعرف لراجي الفاروقي باعتبارها تحايلاً لإدخال عناصر الجماعة إلى جمهور كل المحبين للعلوم. 

وأشارت الدراسة إلى طفرات دور النشر التي تمولها الجماعة، حيث ارتفع عدد الدور من (260) دار نشر إلى (560)، فكانت سبباً في زيادة نفوذ الإخوان باتحادات النشر. واختار الباحث نموذجين لباحثين قاما بالترويج لأفكار النهضة وسيد قطب عبر روايات أدبية، ومشاريع ثقافية، عبّر أحدهما عن ذلك بقوله: "لو تخلص الداعية من إلصاق كلمة إخوان باسمه، فسيكون من السهل بمكان أن يقدم نفسه للمجتمعات تحت أيّ شكل؛ روائي أو ممثل أو غيرهما".

 

وانتبه فايز إلى أنّ كتباً تنسب الحركية إلى السُنّة، أو تفجرها بتفسير منحرف للقرآن الكريم، فتنقل محتوى كتب سيد قطب وتفسيراته الحركية؛ دون أن تشير إليه أو إلى كتابه، كما لاحظ أنّ بعضاً من الروائيين يخفون صلتهم بالتنظيم، ويفسر ذلك بأنّهم يراهنون على فرصهم في الوصول إلى جمهور أوسع، يؤدون عبره دور الواجهات الثقافية والدينية.

المؤسسات الموازية

 وتناول الباحث السوداني عبد المنعم همت إنشاء تيارات الإسلام السياسي لمؤسسات موازية للمنظمات الإقليمية والإسلامية، متمثلةً في التحالف بين الحركة الإسلاموية في السودان وتيار ولاية الفقيه الحاكم في إيران. 

 

تحاول جماعة الإخوان  السيطرة على الفضاء الثقافي عبر تقديم مثقفين مهتمين بالأدب العربي، والرواية، يعيدون إنتاج أفكار سيد قطب في أوعية جديدة، أو يمثلون التنظيم

 

وغطت الدراسة في محورين العلاقة بين جناحي الإسلام السياسي، ثم محاولة بناء المؤتمر الشعبي الإسلامي، الذي رعاه نظام الجبهة القومية الإسلامية في السودان في تسعينيات القرن المنصرم، وجمع فيه المتمردين على الدول والمتطرفين من اليسار واليمين، بالإضافة إلى بعض المثقفين والواجهات الثقافية التي ما تزال فاعلة، خصوصاً في بعدها الأوروبي والأمريكي؛ إذ كان المؤتمر مهموماً باختراق تمثيل المسلمين في الدول الأوروبية وأمريكا. 

أيضاً تطرق المخرج والمسرحي أسامة أبو العطا إلى دور السينما والدراما والمسرح في التوعية بخطر الإرهاب في مصر، ومواجهة الاختراق الناعم لفن التمثيل. 

مواضيع ذات صلة:

مدارس الإخوان في أوروبا بين تكريس خطاب الكراهية وغسيل الأموال

"شبكات الإخوان في أوروبا".. طرد الجماعة الإسلامية في ألمانيا

الإخوان في أوروبا.. من التجاهل إلى الاستهداف




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية