احتجاجات 2019

احتجاجات 2019


11/12/2019

جاكسون ديل

نقترب هذه الأيام من نهاية عام، ربما شهد أكبر عدد من الاحتجاجات الجماعية في أكبر عدد من الأماكن حول العالم من أي 12 شهراً أخرى في التاريخ. وعليه فمن المذهل، حتى الآن، أن النتائج اللافتة التي نتجت عن الموجات السابقة من الانتفاضات – في 2011 أو 1989 أو 1968 – كانت غائبة في الغالب في 2019.
صحيح أن حكاماً حكموا بلدانهم طويلاً خُلعوا من قبل المظاهرات الشعبية في الجزائر والسودان وبوليفيا، وأن رئيسي وزراء لبنان والعراق أُرغما على الاستقالة. غير أن موجة الثورات التي أطاحت بعدة أنظمة شيوعية في أوروبا الشرقية في 1989، وثلاثة أنظمة عربية في 2011، لم يكن لها أي نظير هذا العام.
ولئن كان هذا قد يبدو مثبطاً قليلاً، فإنه لم يكن هناك، بالمقابل، أي شيء شبيه بمذبحة ساحة تياننمان في الصين في 1989، أو مذبحة الطلبة في مدينة مكسيكو سيتي في 1968، أو الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا في تلك السنة نفسها. صحيح أن عدداً من الحكومات استخدمت العنف ضد المتظاهرين، وتسببت في إصابة مئات الأشخاص. غير أن إيران هي الوحيدة التي لجأت إلى الرشاشات من أجل إخلاء شوارعها من المتظاهرين – ولا شيء يشبه إراقة الدماء التي أطلقها بشار الأسد في سوريا ضد من مشوا في مظاهرات ضده في 2011.
ما يميز 2019 هو الطريقة التي حاولت بها الحكومات – الديمقراطية والاستبدادية وما بينهما – قمع الاحتجاجات من خلال المفاوضات والتنازلات ووعود الإصلاح. إنه دليل على أن زعماءها تعلموا شيئاً من تجارب سابقة، ذلك أنهم لا يريدون أن يكونوا مرادفاً للمذابح. وربما أنقذ ذلك بعضهم من السقوط. كما أنه يخلق الإمكانية المتمثلة في أن انتفاضات 2019 يمكن أن تؤدي إلى تغيير سياسي مهم في نهاية المطاف.
أحد البلدان حيث يبدو أن ذلك بصدد الحدوث الآن هو تشيلي، التي لطالما اعتُبرت البلد الأنجح اقتصادياً والأكثر استقرار سياسياً في أميركا اللاتينية. احتجاج على زيادة في أسعار المترو من قبل طلبة المدارس الإعدادية في أكتوبر الماضي، تحول أولاً إلى أعمال شغب أُحرقت فيها محطات قطار ومراكز تجارية، ثم إلى مظاهرات جماعية شارك فيها مئات الآلاف من الأشخاص.
وبدورها، انتقلت حكومة «سباستيان بينيرا» المحسوبة على يمين الوسط من توجيه أوامر للجنود بالنزول إلى الشوارع، ما كلّف 23 روحاً على الأقل، إلى إمطار المحتجين بالتنازلات السياسية والاقتصادية. فالأسبوع الماضي، مثلاً، أعلنت الحكومة عن حزمة إنفاق بقيمة 5.5 مليار دولار موجهة لخلق 100 ألف وظيفة جديدة، كما اقترحت إعانة شهرية جديدة لفائدة 1.3 مليون أسرة فقيرة، وحداً أدنى مضموناً من الأجر، وبرامج تأمين صحي جديدة.
ولعل الأهم من ذلك كله، هو أن الحكومة اتفقت مع زعماء المعارضة على إجراء استفتاء في أبريل المقبل، حول ما إن كان ينبغي استبدال الدستور الحالي الذي وُضع في عهد الديكتاتور السابق أوغوستو بينوشي. والنتيجة يمكن أن تكون تغييرات شاملة في البرامج الاجتماعية والتعليمية التي كانت موضوع استياء في الشيلي لسنوات.
والواقع أنه من غير الواضح كلياً، ما إن كان تغيير مماثل يمكن أن يحدث في العراق ولبنان، ولكن ذلك، على الأقل، يبدو ممكنا اليوم - بفضل مثابرة المحتجين. ففي كلا البلدين، حاولت القوى الموالية لإيران كبح المحتجين وقمعهم بالقوة، ففي العراق، قُتل ما لا يقل عن 400 شخص. ولكن القمع فشل على ما يبدو، بل إنه أجج رد الفعل الغاضب والساخط على السياسة الطائفية بشكل عام، والنفوذ الخارجي بشكل خاص.
بعض السياسيين العراقيين يضغطون الآن في اتجاه انتخابات جديدة، وفي كل من العراق ولبنان، هناك نقاش حول الإصلاحات الدستورية من أجل كبح السياسة الطائفية. والواقع أن تاريخ كلا البلدين يشير إلى أن تغييراً دراماتيكياً مستبعداً في المستقبل المنظور، غير أنه شيء دال ومعبّر، كون المعركة السياسية انتقلت الآن من الشوارع إلى البرلمان.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية