اجتماع كوالالمبور لإحياء الإسلام السياسي المأزوم بشقيه السني والشيعي

اجتماع كوالالمبور لإحياء الإسلام السياسي المأزوم بشقيه السني والشيعي


23/12/2019

عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

بعدما دخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة سلميا، دعا إلى مؤتمر إسلامي عام 1926 يتعلق بأمور المسلمين، وتحاشى أمر الخلافة بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1923 عندما أدركت مصر أن الملك عبدالعزيز لم يدعُ لمؤتمر حول الخلافة بل كانت دعوته لمناقشة أمور المسلمين أرسل الملك فؤاد رئيس الوزراء عدلي يكن لحضور المؤتمر لكن لم يشارك في المؤتمر شيعة إيران.

في ظل هذا الفراغ أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر في مارس عام 1928 متبنيا الخلافة الإسلامية خلفا للإمبراطورية العثمانية، وانتشر فكر الجماعة في 72 دولة، واتجهت الجماعة إلى دعم الحركات الجهادية التي تعتبرها حركات مقاومة، وعندما تواجه ممانعة وطنية تتحول إلى حركات إرهابية.

استنسخ الخميني فكر الإخوان المسلمين ولكن من خلال مبدأ آخر يسمى بولاية الفقيه مقابل الخلافة عند جماعة الإخوان المسلمين وأسس ميليشيات مقابل الحركات الجهادية عند جماعة الإخوان وتم تسميتها بمحور الممانعة والمقاومة. طبعا العرب انشغلوا بأزمات متتالية في عام 1979 احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان والسلام الذي تم توقيعه بين السادات وإسرائيل ونتج عنه مقاطعة عربية لمصر واقتحام جهيمان للحرم الشريف والثورة الخمينية فلم تكن لدى العرب استراتيجية لمواجهة كل تلك الأزمات.

لكن بعد ثورة 30 يونيو 2013 انتقلت قيادات جماعة الإخوان وأسست لها منصات إعلامية في تركيا وبدعم قطري، وكذلك بعد الثورات العربية الثانية في السودان والجزائر والعراق ولبنان بجانب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني ووضع عقوبات اقتصادية على إيران، أصبحت ولاية الفقيه هي الأخرى في وضع تلاشٍ وذبول، وهناك مرحلة جديدة لنهاية الخلافة وولاية الفقيه والمطالبة بتفكيك الجماعات الجهادية والميليشيات الشيعية في جميع الدول العربية بالطبع لن يستسلم هذان المشروعان بتلك البساطة وسيبحثان عن خيارات أخرى تساهم في بقائهما حتى لو كان بصورة أضعف.

نتيجة ذلك أصبحت تركيا وإيران وقطر في عزلة وأزمة وبدأ مشروعهم يتجه نحو الزوال، فبحثوا عن دولة تمتلك قوة اقتصادية كماليزيا تشترك معهم في العديد من الأفكار خصوصا وأن ماليزيا نهض اقتصادها على حساب دول الخليج، لكن النهوض الإماراتي والرؤية السعودية 2030 التي قدمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2016 ترى ماليزيا أنها ستؤثر على نهضتها المستقبلية خصوصا وأن الشعب الماليزي اختار مهاتير لاستعادة النشاط الاقتصادي لماليزيا، وتطمح ماليزيا أن يحقق الناتج الاقتصادي الماليزي 524 مليار دولار في 2020 وهي بحاجة إلى تمويل 690 مليار دولار لكن تنافسها السعودية التي أوجدت بيئة استثمارية جاذبة تتواءم مع رؤية المملكة 2030، هذا من جانب كما تقدمت السعودية مرتبة في مجموعة العشرين للمرتبة الـ16 لعام 2018 بناتج محلي إجمالي 782.5 مليار دولار وتركيا تأخرت مرتبة إلى الـ17 بناتج محلي إجمالي 766 مليار دولار مما أزعج تركيا وأردوغان الطموح الذي نهض بتركيا منذ عام 2002.

إذن تركيا وماليزيا تخشيان من تراجع اقتصادهما، خصوصا وأن تركيا ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 230 مليار دولار في 2002 عندما تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى 820 مليار دولار في عام 2013 وارتفعت الصادرات التركية من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار، وارتفعت واردات السياحة إلى 30 مليار دولار حيث وصل عدد السياح إلى 36 مليون سائح، فيما ارتفع العجز التجاري التركي في 2019 وانخفضت العملة التركية 30 في المائة في 2018 وبلغت في نوفمبر 2109 نحو 5.75 ليرة مقابل الدولار.

هم يدركون أنهم يقدمون للعالم خدمات جليلة بتهميش منظمة التعاون الإسلامي كما تم تهميش جامعة الدول العربية ولا أعتقد أنهم ينوون تشكيل قطب إسلامي يواجه الأقطاب الكبرى في العالم كما في خطاب أردوغان.

بذلت السعودية جهودا كبيرة منذ عام 1969 لجمع شمل الأمة وأثمرت تلك الجهود التي قادتها السعودية في إنشاء تلك المنظمة لتمثل الصوت الحقيقي للأمة الإسلامية وهي تعبر عن قيم الإسلام الكبرى الداعية للتعايش والسلام بين مختلف الشعوب والأمم والأديان وجعلتها ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة وتضم في عضويتها 57 دولة موزعة على قارات العالم.

اجتماع كولالمبور خطة مركبة من أذرع اخوانية وتركية وولاية الفقيه المتكفل بالإنفاق على هذا الاجتماع دولة قطر من أجل استعادة شيئا مما فقده التياران في المنطقة العربية للحفاظ على ما تبقى في ليبيا ولبنان والعراق خصوصا وأنهم يلعبون على وتر تفتيت منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي الذي مقره جدة بقيادة السعودية بحجة أن المؤتمر لم ينفذ شيئا، لكنه كان اجتماعا ولد ميتا من أجل أن يجد تغاضيا غربيا ما دام اجتماعهم يحقق لهم هدف تفتيت المسلمين.

رصانة سعودية في التعامل مع مشروع بديل لمنظمة التعاون الإسلامي مما جعل باكستان تنسحب عندما تأكدت من حقيقة المشروع، كذلك اعتذر الرئيس الأندونيسي عن الحضور وأوفدت 20 دولة مندوبين عنها إلى اجتماع كولالمبور.

وقد ألقت تركيا وقطر وإيران بثقلها في الاجتماع دفعا بمشروع يختزل في عناوينه دفاعا عن الإسلام والمسلمين امتداد لمشروعي تيارات الإخوان وولاية الفقيه اللذين يدعمان الجماعات الجهادية ومحور الممانعة بحجة المقاومة، لكن هذين الشعارين سقطا في الوقت الحاضر فتم استبدالها بشعارات أخرى أساسا هي عناوين رئيسية في منظمة مؤتمر التعاون الإسلامي.

وكل قائد يبحث عن مصالحه الخاصة، فمهاتير العائد عندما يصرح في كلمته بقوله "نحن لا نميز ولا نعزل أحدا" إشارة مبطنة للمواجهة السعودية مع إيران لوقف نفوذها وكذلك محاصرة قطر التي تدعم تيار الإخوان المسلمين الذي انقلب عليه الشعب في مصر 2013 والعلاقات المتوترة بين السعودية وتركيا على وقع أزمة جمال خاشقجي، فأصبح الاجتماع لدول منبوذة جغرافيا، فأردوغان يريد استعادة شعبيته التي فقدها في الداخل التركي، فينتقد الدول الدائمة العضوية ويعتبر أن المسلمين قوة عددهم 1.7 مليار نسمة، ويؤكد أن العالم أكبر من هؤلاء الخمس.

فأصبح الاجتماع مكان للمعزولين يحاولون استعادة مكانتهم عبر بث شعارات تدغدغ مشاعر شعوبهم بعدما أفشلت السعودية مشروعهما في السودان ومنطقة البحر الأحمر والآن في ليبيا لذلك شارك أردوغان في خلق كيان موازي للضغط على السعودية من أجل إعادة العلاقات مع تركيا وإعادة الاستثمارات السعودية والخليجية كما كانت قبل أزمة خاشقجي.

بينما إيران تبحث لها عن مناطق نفوذ جديدة، ووجهتها القادمة ستكون اندونيسيا باعتبارها منطقة تضم أكثر من 200 مليون مسلم، وهي منطقة تنتشر فيها الصوفية وهي الأقرب لقبول مذهبها، لذلك يعتبر هذا الاجتماع حدث مركب في توقيته ومضمونه عمق من الشروخات داخل الجسد الإسلامي، وطغت لهجة الدفاع عن اجتماع كولالمبور في خطاب رئيس الوزراء الماليزي العائد مهاتير محمد أكثر من اهتمام المسلمين في العالم وشواغلهم كما يدعون في دعوتهم لهذا الاجتماع.

وكانت نتائج هذا الاجتماع نتائج باهتة حيث كان هدف الاجتماع فقط لإضعاف دور السعودية وتطويقها وفق خطة مركبة من أذرع إخوانية وولاية الفقيه بتمويل قطري ردا على مواقف السعودية في مواجهة هذه المشاريع التي أضرت بالمنطقة وتسببت في تفتيتها وتدويل قضاياها وانهيار دولها كما في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن لكن أنقذت السعودية البحرين ثم مصر والسودان وهي تشارك في إنقاذ ليبيا واليمن ولبنان.

"ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية