مختارات حفريات
إيران تطور ما لديها من تكنولوجيا عسكرية، وتسعى لتحديث صواريخها الباليستية بوتيرة متسارعة، ولذلك هي تُشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل نظراً لقربها منها ووصولها لحدودها، عن طريق صراعات وتنظيمات اختلقتها مثل تنظيم «داعش» لتحقيق حلم الممر البري الذي يصل إيران بالبحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا، والذي يعرف إعلامياً بــ«الكوريدور الإيراني».
ويعد الاستيلاء على هذه الطريق البرية بمثابة «الجائزة الكبرى» لإيران لقاء انخراطها في الحرب الدائرة في سوريا منذ ست سنوات، وستواصل إيران مساعيها جاهدة لتحقيق هذا الهدف، وتثبيت نفسها كقوى عظمى في الشرق الأوسط ناهيك عن الكسب المادي الكبير الذي سوف تجنيه والكسب الاستراتيجي العسكري والفوز بورقة مفاوضة بيدها سوف تجبر كل الدول الأخرى على الجلوس معها على طاولة المفاوضات كدولة مستعمرة لجزء مهم من الوطن العربي، ووضع إسرائيل تحت حصار وتهديد مباشر سيجبر إسرائيل على الرد والردع العسكري الذكي، أو عقد صفقة مع إيران.
الكل يتحدث بأنه يجب أن تبقى إيران تحت المراقبة مثلها مثل كوريا الشمالية، ولكننا لا نعاني من فقدان للذاكرة الجماعية ونعلم أن أهداف إيران أوسع وأشمل وأكثر جرأة من كوريا الشمالية، ولديها طموح إمبريالي، مذهبي، كما أننا نعلم أن هناك دولاً وُضع لها دور تلعبه بكل إتقان لإعادة توازن القوى في العالم، وإضعاف الهيمنة الأميركية، والذي أسفر عن جعل الخطاب الأميركي أقرب إلى الوعظ الغاضب بدلاً من كونه رسالة سياسية واضحة المعالم، وإجراءً أممياً شديد اللهجة لتهديد قائم، ولم تعد الخيارات أمام إسرائيل والولايات المتحدة سوى إحداث زلزال داخلي في إيران يقلب الأمور رأساً على عقب، أو الدخول في مواجهة مع إيران وهذا مستبعد، أو الالتفاف على إيران ومحاصرتها من كل الأطراف وعزلها عن حلفائها بالتعاون مع الدول العربية الكبرى التي لم تخضع بعد للنفوذ الإيراني.
إيران تعمل على تعزيز نفوذها في قطاع غزة على الحدود الجنوبية لإسرائيل، وأيضاً في سوريا، وقامت بنشر الخلايا الإرهابية في سيناء، وداخل مصر، بالتعاون مع بعض الدول العربية العميلة لإيران. وقد كشفت الضربات الإيرانية التي استهدفت مواقع «داعش» في دير الزور، بسوريا، عن الطبيعة المتطورة لأنظمة الصواريخ ذات الوقود الصلب في طهران، وهو ما يوضح لجميع جيران إيران- وبما فيهم إسرائيل التي أصبحت جاراً لإيران رغماً عن أنفها بفرمان الجغرافيا العسكرية- أن قدرات إيران الصاروخية إلى حد كبير تركز على أنظمة بعيدة المدى وصواريخ قصيرة المدى، والصواريخ التي صممت للاستخدام التشغيلي، بدلا ًمن الردع، والتي طرأ عليها تحسن كبير في النطاق والدقة، وهو ما يوفر لـ«الحرس الثوري» القدرة على توسيع قدراته في مسرح الصراع.
ومن جانب آخر يجب عدم إهمال الكثافة المحتملة للضربات الإيرانية، والتي قد تُحدث خللاً لأي منظومة دفاع جوي مهما كانت متقدمة، خاصة أن الصواريخ التي ضربت دير الزور، حلقت على مسافة 800 كم فوق المجال الجوي العراقي لضرب أهداف «داعش» في المدينة، وهو أول استخدام لطهران للصواريخ الباليستية متوسطة المدى منذ الحرب الإيرانية- العراقية.
ومع ذلك، تشير المصادر الإيرانية إلى وجود مسار رحلة أقصر لمسافة 650 كيلومتراً، وعليه فإنه من الجنون السماح لأنظمة موالية لإيران أن تسيطر على من يحكم في سوريا والعراق، أو عدم عودة السلطة على الأراضي اللبنانية للجيش المركزي في لبنان. وإذا أضفنا إلى ذلك طموحات إيران النووية بمعزل عن التهديدات الأخرى، وتعاون إيران السري مع كوريا الشمالية، فإننا أمام مأزق حقيقي بوجود نظام المرشد الأعلى للثورة، ورجال الدين الذين يحكمون إيران وفق مبادئ الثورة الخمينية. وحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «تسنيم» في 2016 على لسان الجنرال حسين سلامي، فإن «حزب الله» يملك 100000 صاروخ جاهزة لضرب إسرائيل"، وبالإضافة إلى ذلك، نشر خامنئي بالفعل خطة من 9 نقاط حول كيفية تدمير إسرائيل في سبتمبر 2015، حيث دعا إلى العنف والجهاد ضد إسرائيل، حتى يتم تدميرها تماماً.
وبطبيعة الحال كلها شعارات جوفاء ليس لها مضمون لدغدغة مشاعر المغفلين وتشتيت أذهانهم عن الهدف الأكبر لإيران، وهو دولة الإمامة بوجود إسرائيل كجار طالما أنها لن تتدخل في إجهاض مخططها التي قامت عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية كمبدأ وعقيدة، لن يتنازل عنها نظام الملالي، ولذلك يجب أن نتساءل: هل هو صراع مع إسرائيل أم أوراق ضغط لفرض مخطط ابتلاع دول المنطقة؟.
سالم سالمين النعيمي - عن "الإتحاد"