منارة جديدة أطلقتها مكتبة الإسكندرية الأربعاء 17 كانون الثاني (يناير) الجاري في "بيتِ السناري"، أحد القصور التراثية والذي بناه صاحبه "إبراهيم كتخدا السناري" عام 1794؛ إذ استقبل المكان أولى ندوات الصالون الثقافي "قنديل أم هاشم"، تحت إشراف الكاتب والشاعر المصري سيد محمود، والذي ناقش رواية الكاتب والروائي حسن كمال "نسيت كلمة السر"، والصادرة مؤخراً عن "دار الشروق".
وصادف أن ينطلق الصالون، في الليلة التي رحل بها الروائي والقاص، صبري موسى صاحب رواية "فساد الأمكنة"، أحد أبرز الأدباء في مصر، وصاحب السيناريو والحوار لفيلم "قنديل أم هاشم"، الذي قدمه للسينما المخرج كمال عطية عام 1968، وقام بدور البطولة فيه الفنان شكري سرحان.
انطلق الصالون في الليلة التي رحل فيها الروائي صبري موسى صاحب سيناريو وحوار فيلم قنديل أم هاشم
تدور قصة "قنديل أم هاشم" حول "إسماعيل"، الطالب الذي يعيش في حي السيدة زينب مع أمه وأبيه، ثم يسافر لاستكمال دراسة الطب في ألمانيا الشرقية؛ حيث يحتك بالحضارة الأوروبية، ثم يعود "إسماعيل"، ويعمل طبيباً للعيون، ويفتح عيادة في نفس الحي، السيدة زينب، ليكتشف أن سبب زيادة مدة المرض عند مرضاه، هو استخدامهم قطرات من زيت قنديل المسجد، الذي يعتقدون اعتقاداً راسخاً في قَدَاسة صاحبة المقام الموجود داخله، وعندما يكتشف أيضاً أن خطيبته تعالج بنفس الأسلوب، يحطم قنديل المسجد. فالقصة المقدمة سواء في الرواية أو الفيلم، تدور في فلك المعركة بين العلم والجهل، وهو السبب الرئيسي خلف اختيار مؤسسي الصالون لاسم "قنديل أم هاشم".
تنمية الحوار المجتمعي
رئيس التحرير السابق لجريدة "القاهرة"،الكاتب الصحفي والشاعر، سيد محمود قال لـ "حفريات"، إنّ الصالون ينطلق من تفعيل واحد من أهداف مكتبة الاسكندرية، وهو تنمية الحوار المجتمعي، والتأثير الإيجابي في المجتمع المحيط، وإحداث نقلات نوعية في وعي الناس، لافتاً إلى أنّ اختيار اسم صالون قنديل أم هاشم، ليس بغرض استثمار حضور رواية "قنديل أم هاشم"، للكاتب الرائد يحيي حقي في الذاكرة الجمعية فحسب، وإنما بتفعيل فكرة رسختها الرواية، وهي الدفاع عن قيمتي العلم والاستنارة، وفِي الوقت نفسه تأمل خصوصية المكان، والانفتاح الثقافي، والدفاع عن التنوع وحق الاختلاف.
وأضاف أنّ أنشطة الصالون سوف تراهن على هذه الأسس والقواعد، وترسيخها لدى جمهور شاب، ارتبط ببيت السناري على مدى سبعة أعوام، كونه يقع تحت إدارة مكتبة الإسكندرية، مشيراً إلى أنّ للبيت حضوره أيضاً؛ لأنه المكان الذي انطلق منه علماء الحملة الفرنسية لكتابة كتاب وصف مصر، الذي يعد أول محاولة علمية من قبل الغرب، لتناول أحوال بلد شرقي.
اختيار اسم الصالون ليس لاستثمار حضور الرواية وإنما لتفعيل فكرة رسختها وهي الدفاع عن قيمتي العلم والاستنارة
ولاحظ مدير الصالون، أنّ جمهور البيت "من الشباب المحيطين بحي السيدة زينب، الذين يعانون من تهميش ثقافي في الحياة اليومية"، لكنه متعطش لأنواع من المعرفة التفاعلية، أظهرها الشغف بالكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفاً رؤيته، أنه من المهم ملامسة ظواهر قريبة من انشغالاتهم؛ مثل كتاب الأعلى مبيعاً.
ولفت محمود إلى أنّ هذه الظروف كانت سبباً لأن يبدأ الصالون برواية كاتب ناجح لدى هذا الجمهور، هو حسن كمال، وروايته "نسيت كلمة السر" التي تطرح سيرة بطل رياضي انكسر مع انكسار ثورة شابة هي ٢٥ يناير، لكن الرواية تعيد تعريف مفهوم البطولة بلغة عصرية وجديدة، وهذا ما يفسر سر الإقبال على فعاليات حفل إطلاق الصالون.
سبر أغوار النفس البشرية
الكاتب والروائي حسن كمال صاحب رواية "نسيت كلمة السر"، بدأ حديثه لــ"حفريات" بسؤال: هل تشفع البطولات –أي بطولات– لأصحابها في نهايات تليق بما بذلوه في حياتهم؟. ليجيب:"عن البطولة والهزيمة والاستسلام والاستمرار، تتحدث هذه الرواية، التي استلهمت موضوعها من حياة شخص معاصر، تحمل حياته وجوهاً متعددة في كل مراحلها، فلم يكن الصبي "عمر الخياط"، يتصور أنّ مصادفة غير مقصودة، ستجعله بطلاً للعالم في واحدة من الألعاب، ولم يكن الشاب "عمر" يتخيل أنّ الحياة ستنقلب رأساً على عقب بعد هذا النجاح، ليجد نفسه حبيس العالم الافتراضي، دون أن يجد وسيلة تعيده إلى عالمه الحقيقي، وعلى مدى ما يزيد عن تسعين فصلاً، نجد بطل الرواية يدخل إلى مراحل مختلفة من حياته، عن طريق صفحة الفيسبوك الخاصة به".
ويشير حسن كمال، إلى أنّ الرواية مستوحاة من حياة حقيقية لشاب مصري، يصفه قائلاً: "جريء إلى درجة التهور، يطارد أحلامه بإصرار، رحلة مدهشة صنعت نجماً غير معتاد، فمن القاهرة والصعيد إلى كوريا الجنوبية، ومن محاولات النجاح إلى الوصول إلى الشهرة والأضواء. تتعطل تلك الحياة بشكل مفاجئ، ليتصفح بطلها ما مر به من منظور جديد، ويكتشف أن كل مرحلة وضعته في مواجهة عقبات جديدة، ويتأمل علاقاته مع أقرانه ومنافسيه، ومع أصحاب السلطة وحتى مع منظوره للحب في مختلف المراحل، ويرصد الأحداث والتغيرات الاجتماعية التي حدثت في المجتمع أثناء ثورة يناير، وما تلاها من فجوة داخل مجتمع البطل وأصدقائه، كجزء من المجتمع".
يتناسب عالم "نسيت كلمة السر" مع أحد أهداف الصالون فكلاهما يكشف عن الجانب الحقيقي للإنسانية البعيدة عن التطرف
"نسيت كلمة السر"، رواية استثمر فيها حسن كمال معايشته للمجال الرياضي لسنوات طويلة، ليكشف لنا خبايا ذلك العالم البراق، ويقتحم كواليسه، من خلال حياة حافلة بالجهد والبطولة، والأضواء والسياسة والحب، يربطها خيط رفيع بما نعيشه جميعاً.
ويتناسب عالم الرواية مع أحد أهم الأهداف لصالون "قنديل أم هاشم"؛ إذ يهتم كلاهما يسبر أغوار النفس البشرية، واكتشاف الجانب الحقيقي للإنسانية المجردة، البعيدة عن التطرف، ورفض الآخر، ليستكملا معاً، معركة جديدة، من معارك الأدب والفنون، في مواجهة التطرف.