إضفاء الشرعية على طالبان دولياً خطأ كارثي

إضفاء الشرعية على طالبان دولياً خطأ كارثي


كاتب ومترجم جزائري
29/09/2021

ترجمة: مدني قصري

بدأت محاولات بعض القوى الغربية الكبرى الساذجة الساعية لإقامة علاقات مع طالبان، حكّام كابول الجدد، تتقوّضُ وتتزعزع بسبب الموقف المتشدّد للنظام الإسلامي الجديد.

دفعت بعض التصريحات التي أدلى بها حكام كابول الجدد المدّعية بأنّهم لا يرغبون في العودة إلى انحرافات التسعينيات الإرهابية، القادةَ الغربيين البارزين إلى التفكير في مدّ يد التعاون والتواصل مع طالبان.

أدّت النبرة المعتدلة لقيادة طالبان إلى حثّ العديد من قادة الدول الغربية الكبرى إلى مضاعفة الإشارات التي تشير إلى استعدادهم للعمل مع الإمارة الإسلامية الجديدة في أفغانستان

صحيح أنّ قيادة طالبان أكدت منذ البداية أنّها ستتخذ نهجاً معتدلاً، ففي مؤتمرها الصحفي الأول وعد السادة الإسلاميون الجدد في أفغانستان بحماية حقوق المرأة، وضمان حرية الصحافة، والعفو عن جميع القادة السياسيين والعسكريين للحكومة السابقة التي جسّدها الرئيس السابق، أشرف غني، علماً بأنّ النظام المذكور انهار فور إعلان قرار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنهاء الدعم العسكري الأمريكي.

اقرأ أيضاً: الصين ومستقبل العلاقة مع حركة طالبان... مواجهة أم تعاون وتقارب

وأضاف ذبيح الله مجاهد، المتحدّث باسم الميليشيا الإسلامية أنّ طالبان تريد علاقات سلمية مع البلدان الأخرى، وأنّها لن تسمح لأيّة منظمة باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة أمّة أخرى.

وقال مجاهد: "أؤكد للمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك الولايات المتحدة، أنّه لن يعاني أحد من سلوكنا"، "لا نريد أعداء داخلياً أو خارجياً".

أدّت النبرة المعتدلة لقيادة طالبان إلى حثّ العديد من قادة الدول الغربية الكبرى إلى مضاعفة الإشارات التي تشير إلى استعدادهم للعمل مع الإمارة الإسلامية الجديدة في أفغانستان، لكن هناك أيضاً كثيرون ممن يخشون منح طالبان اعترافاً دولياً متساهلاً.

اقرأ أيضاً: خبيران في مكافحة الإرهاب: طالبان الآن أكثر صلابة

أبدى جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، تحفظاً، قائلاً: إنّ الأمر متروك للقوة الإسلامية الأفغانية الجديدة للحصول على اعتراف دولي. في المقابل، أظهر بعض حلفاء واشنطن الرئيسيين تحمّساً صريحاً لإقامة علاقات مع النظام الجديد في كابول.

في التسعينيات، اعترفت ثلاث دول فقط بنظام طالبان، الذي كان يهيمن في ذلك الوقت على أفغانستان: باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

فرص للحصول على الاعتراف

واليوم، تمتلك الحركة الإسلامية كلّ الفرص للحصول على اعتراف دولي أوسع، أعرب سياسيون أوروبيون بارزون، مثل جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، عن اهتمامهم.

في مؤتمر صحفي عقد في اليوم التالي لاستيلاء طالبان على أفغانستان، قال بوريل: إنّ الكتلة الأوروبية تدرس بجدية مسألة إقامة علاقات مع الإمارة الإسلامية، لقد صرّح قائلاً: "انتصرت طالبان في الحرب؛ لذا سيتعين علينا التحدث معهم"، إنّها ليست مسألة اعتراف رسمي، الأمر يتعلق بالتفاوض معهم".

كان للحماسة التي أبداها الاتحاد الأوروبي لإقامة علاقات مع طالبان صدى في ألمانيا، لقد أشار أرمين لاشيت من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، إلى أنّ "فنّ السياسة الخارجية الجيدة هو إيجاد حلول مع الدول التي ترفض دولٌ أخرى أهدافَها ومُثُلها".

في المقابل، كانت فرنسا وبريطانيا العظمى أكثر حذراً، لقد أعلن جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، أنّ "الاعتراف بنظام طالبان غير وجيه"، من جهته، قدّر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون: أنّه "سيكون من الخطأ أن تعترف أيّة دولة قبل الأوان بنظام كابول الجديد، أو تقيم علاقات ثنائية معه".

اقرأ أيضاً: "طالبان المعتدلة" والتنظيمات المتطرفة

دفع التنسيق الوثيق الذي حدث في مطار كابول بين طالبان والقوات الغربية لإجلاء الرعايا الأجانب، بعضَ كبار السياسيين الأوروبيين، إلى تخيّل اعترافٍ رسمي في المستقبل القريب، بالنظام الجديد.

سلوكُ نظام طالبان

ومع ذلك، فإنّ الأوروبيين الذين يرغبون في توطيد علاقاتهم مع كابول يُعوِّقهم اليوم سلوكُ نظام طالبان، فبدلاً من أن تصلح نفسها، فإنّ طالبان تعود إلى أساليب عنادها التقليدي.

بعد قيامها بتعيينات في الإدارة الجديدة، تُتّهم طالبان الآن بتشكيل فرق الموت للقبض على أعضاء سابقين في قوات الأمن الأفغانية وقتلهم.

وفق تقارير حديثة، تمّت مطاردة ما لا يقل عن أربعة من عناصر النخبة لقوة مكافحة الإرهاب الأفغانية، وقتلهم على أيدي طالبان في الأسابيع الثلاثة الماضية، وكان أحدهم قد اقتلِعت أظافره قبل إطلاق النار عليه.

لا شيء في سلوك طالبان يوحي بأنّهم أكثر اعتدالاً وأكثر تصالحية تجاه الشعب الأفغاني، يجب على القادة الأوروبيين تحليل موقف النظام الإسلامي الأفغاني بعناية قبل ارتكاب خطأ كارثي

كان هؤلاء الضحايا أعضاء في الوحدتين 011 و041 درّبهم البريطانيون والأمريكيون للعثور على طالبان واستجوابهم، كانت هذه الوحدات ملحقة سابقاً بجهاز المخابرات الأفغاني، مديرية الأمن القومي (NDS) في كابول.

دفع سلوك طالبان القاسي تجاه أعدائها السابقين، إتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، إلى إصدار تحذير.

في "صنداي تايمز" في لندن، حذّر ماكماستر رسمياً، القادة الغربيين من أيّ إغراء بأخذ اعتدال طالبان على محمل الجدّ.

وحذّر ماكماستر: "يجب أن نكفّ عن الاعتقاد بأنّ طالبان قد تغيرت"، "بدافع إنكار الواقع، يقوم العديد من المراقبين بتنفيذ انقلاب للأخلاقية الأورويلية (نسبة إلى جورج أورويل) الذي يُحوّل الإرهابيين الجهاديين إلى شركاء.

"نحن نعرف مَن هم، وكيف يتمّ تجنيدهم، ولماذا هم خطرون؛ إنّ حركة طالبان مصمّمة على فرض شكل وحشي من الشريعة الإسلامية على الشعب الأفغاني، ولديها علاقات وثيقة مع الإرهابيين المصمّمين على مواصلة الجهاد ضدّ أيّ شخص لا يتوافق مع تفسيراتهم المنحرفة للإسلام.

لا شيء في سلوك طالبان يوحي بأنّهم أكثر اعتدالاً وأكثر تصالحية تجاه الشعب الأفغاني، يجب على القادة الأوروبيين تحليل موقف النظام الإسلامي الأفغاني بعناية قبل ارتكاب الخطأ الكارثي المتمثل في إضفاء الشرعية عليه.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

fr.gatestoneinstitute.org




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية