إسرائيل تُنفِّس عن مكبوتاتها في سماء سوريا

إسرائيل تُنفِّس عن مكبوتاتها في سماء سوريا

إسرائيل تُنفِّس عن مكبوتاتها في سماء سوريا


كاتب ومترجم جزائري
30/04/2023

ترجمة: مدني قصري

كم مرّة ستضطر إسرائيل، في مواجهة أزمة داخلية لم يسبق لها مثيل، إلى إطلاق قوّتها الجوية الهائلة لمهاجمة سوريا من أجل كبح نفوذ طهران وميليشياتها، رغم أنّ غاراتها لا تؤثر على الوجود الإيراني في هذا البلد؟

إننا نشهد منذ بداية العام زيادة ملحوظة في الغارات الإسرائيلية. على سبيل المثال لا الحصر: في منتصف شباط (فبراير) كانت دمشق هدفاً لهجوم صاروخي إسرائيلي استهدف حزب الله، ممّا أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بحسب عدة مصادر. في 7 آذار (مارس)، قبل يوم واحد من إحياء ذكرى الانقلاب البعثي عام 1963 الذي غيّر وجه هذا البلد استهدفت غارة جوية إسرائيلية مطار حلب الذي أغلق لمدّة ثلاثة أيام. في 12 أذار (مارس) تم الوصول إلى مستودع أسلحة للقوات الموالية لإيران يقع بين محافظتي طرطوس (على البحر الأبيض المتوسط) وحماة، وهي مدينة في الشمال الشرقي. قتِل في هذا الهجوم مقاتلان تابعان لإيران وأصيب ثلاثة جنود سوريين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

إنّ عمليات القصف الجوي المتكرّرة على سوريا منذ سنوات، وخاصة منذ تدخل إيران في الصراع السوري، تُعبِّر عن إحباطٍ إسرائيل تجاه جارتها الشمالية التي تضايقها بفضل علاقتها المتميزة والمتعددة الأوجه - لا سيما عسكرياً - مع الجمهورية الإسلامية. قد يُمكننا القول إنّ الأراضي السورية المنهَكة والمجزّأة تشكل نموذجاً نادراً لكرة ملاكمة في العلاقات الدولية، وهو نوع من المُتنفَّس لإسرائيل التي لا تستطيع قطع الشوكة الإيرانية المزروعة في جارتها.

ناهيك عن الإحباط تجاه الفلسطينيين ولبنان اللذين عوقِبت أراضيهما بغارات جوية في مناخ من التوتر الشديد الذي قد ينفجر في هذه الحالة بالذات، ومن هنا جاءت دعوات التهدئة من جميع الجهات في الأيام الأخيرة.

ضربات غير فعالة

تنتشر في سوريا الميليشيات والقوّات الإيرانية، ولا سيما الباسدران (الحرس الثوري) الذين لا يُعرف عددهم بالضبط. الميليشيات الموالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني وغيره موجودة أيضاً في مناطق محدّدة، لكن جميعها تتحرك حسب الحاجة. ومع ذلك فإنّ الهدف الرئيسي لإسرائيل التي تَعتبر نظام طهران بُعبعها هو  القضاء على نفوذ إيران في سوريا، وهما دولتان مرتبطتان بعدّة معاهدات منذ الثورة الإسلامية عام 1979 ولهما علاقات وثيقة لا سيما في مجال الدفاع.

غالباً ما تكون معدّات الإيرانيين العسكرية مبعثرة في مستودعات يحرسها حليفهم السوري، وأحياناً يكون الإيرانيون والسوريون جزءاً من نفس الوحدات، أو يعملون معاً بشكل وثيق

لقد عزّزت الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت في عام 2011 وجود طهران ونفوذها على محميّتها، إلى جانب نفوذ روسيا. ومع ذلك فإنّ موسكو تظل صامتة أو تغض الطرف عن النشاط الإسرائيلي على أراضي حليفتها ومحميّتها، بينما تتفاعل الأمم المتحدة بشكل مُهدّئ مع احتجاجات دمشق.

جليات ضد شمشون؟

السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه الحملة من القصف المتواصل ستحقّق غاياتها في يوم من الأيام. الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية لا تُعدّ ولا تحصى، ويبدو أنها تقع في لامبالاة عامة، على الرغم من الضحايا المدنيّين والعسكريين (سوريون، إيرانيون، لبنانيون ...). مثل الفيلة التي تسحق دون أن تُهلك تماماً (أو النحل الذي يلدغ من دون أن يَقتل).

ومع ذلك قُتل بضع مئات من جنود الثورة الإيرانية وحلفائهم من حزب الله الشيعي اللبناني، ودُمِّرت العشرات من مستودعات الأسلحة بسبب هذه الضربات. في دمشق، التي تتعرّض للقصف بشكل متكرر، خاصة في الليل، لا يبدو أنّ الحياة تنقلب رأساً على عقب بسبب أعمال "العدو الصهيوني" التي يتابع سائقو سيارات الأجرة، على سبيل المثال لا الحصر، أخبارَها بلا مبالاة، بعد أهوال سنوات الحرب الأهلية. صفارات الإنذار تدوّي دون أن تثير أيّ تحرك، ومجلس الوزراء خامد وقليل الفائدة، وحتى السلطات العليا للنظام لا تجتمع بشكل فوري، وأسعار الضروريات الأساسية لا تقفز أكثر من المعتاد. وقد أجاب صاحب أحد المتاجر في سوق دمشق القديمة على سؤال لموقع Orient XXI الإخباري، بخبث ومكر قائلاً "العمل منتظم كالمعتاد". ويعود الطيارون الإسرائيليون بهدوء إلى قاعدتهم، وقد أنجزت المهمة، فنحن بعيدون عن أجواء حروب 1967 أو 1973 أو حتى 1982.

يتعيّن على إسرائيل أن تتحمّل وتتكيّف مع الرئيس السوري بشار الأسد غير القابل للعزل

إذا بدت الغارات الإسرائيلية وكأنها تدغدغ النظام في دمشق فقط ("فلندعهم يُنفّسون عن أنفسهم"، هكذا نسمعهم يضحكون في دمشق) فإنّ تكثيفها من جانب الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي لم تعد تتردّد في إعلان مسؤوليتها عن هجماتها، أمرٌ يثير الكثير من التساؤلات. في 4 نيسان (أبريل) قصفت إسرائيل دمشق وضواحيها التي اعتادت إلى حد ما على هذا النوع من الهجوم. "لقد تدخلنا خارج حدودنا" أعلن بفخر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. "سنطرد إيران وحزب الله من سوريا"، أضاف وزير دفاعه. في غضون ذلك قصفت إسرائيل في ليل السبت 8 نيسان (أبريل) مواقع مدفعية في الأراضي السورية بالقرب من الجولان المحتل. ولعل هذا النوع من التصريحات يهدف إلى جعل الناس ينسون الصعوبات التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي على جبهته الداخلية مع التظاهرات ضدّ سياسات حكومته اليمينية المتطرفة التي يرفضها جزء كبير من السكان، وفي حين يزداد الغضب الفلسطيني ضد الاحتلال مرّة أخرى.

تصعيد مستحيل

لكن هناك عنصران يمنعان التصعيد في الوقت الحالي. من ناحية لا يمكن اكتشاف الوجود الإيراني بسهولة. غالباً ما تكون معدّات الإيرانيين العسكرية مبعثرة في مستودعات يحرسها حليفهم السوري، وأحياناً يكون الإيرانيون والسوريون جزءاً من نفس الوحدات، أو يعملون معاً بشكل وثيق، كما هو الحال تحت قيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس، المعروف بقربه جداً من طهران. من ناحية أخرى لا تستطيع إسرائيل تحمّل عملية واسعة النطاق في الفخ السوري، فقط لأنّ نظام دمشق في نظر إسرائيل "خصم صديق" (رغم حالة الحرب) منذ عقود، ولأنّ الحدود بين البلدين هادئة مثل مياه بحيرة طبريا التي تفصل بينهما.

يتعيّن على إسرائيل أن تتحمّل وتتكيّف مع بشار الأسد غير القابل للعزل، حيث باشر في زيارات تطبيع لبلاده مع الدول العربية الشقيقة، تمهيداً لقمة جامعة الدول العربية

يتعيّن على إسرائيل أن تتحمّل وتتكيّف مع الرئيس السوري بشار الأسد غير القابل للعزل، حيث باشر في زيارات تطبيع لبلاده مع الدول العربية الشقيقة، تمهيداً لقمة جامعة الدول العربية، المقرر عقدها في أيار (مايو) في المملكة العربية السعودية. لم تعط المملكة الضوء الأخضر بعدُ لعودة سوريا إلى الأخوة العربية، لكن المؤشرات تشير إلى أنها ستكون وشيكةً. من الناحية الرمزية ستكون هذه العودة إلى الحظيرة العربية، مع وجود روسيا والصين إلى جانبها جد مهمّة، حتى لو ظلت عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي يعاني منها  السكان أكثر مما يعانيه النظام، سارية المفعول.

مصدر الترجمة عن الفرسية:

https://orientxxi.info/magazine/israel-se-defoule-dans-le-ciel-et-sur-la-terre-en-syrie,6367




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية