إدمان الإنترنت.. الأسباب والمخاطر والعلاج

إدمان الإنترنت.. الأسباب والمخاطر والعلاج

إدمان الإنترنت.. الأسباب والمخاطر والعلاج


16/07/2023

نجلاء محفوظ

 من منا لا يقضي أوقاتًا "غالية" من عمره في تصفح المواقع والصفحات على الإنترنت، ومن منا لم يقل لنفسه "سأبدأ" من اليوم بتقليل الوقت الذي "يضيع" مني على الإنترنت؛ ثم يتراجع بدون وعي أو يبرر التراجع بإرادته..

من منا لا يشعر بأهمية الإنترنت في حياته؛ ربما لمعرفة ماذا يحدث في العالم أو كيف يفكر الآخرون، أو للبحث عن الترفيه أو بعض المعلومات وكثيرًا ما يكون الهدف قضاء وقت فراغه بعيدًا عما يطلق عليه "وجع الدماغ"؛ أي الحديث مع الناس في الواقع..

إدمان الإنترنت هو الاحتياج النفسي له "وتبريره" وتفضيله على التعامل مع الواقع وقضاء أوقات طويلة لمتابعة ما ينشر أو يبث عليه رغم تسبب ذلك بالتأخر في بعض الالتزامات الأسرية وأحيانا بالعمل، فضلا عن الوقت الذي يجب تخصيصه للراحة وللعناية بالنفس وممارسة الهوايات..

الإدمان يتسبب ب"الاعتماد" النفسي على الإنترنت، وربما جعله "الملجأ" والملاذ والمهرب من الضغوطات المختلفة التي تحاصرنا جميعًا وتتزايد؛ ويرفض باستماتة من يحاول "إفاقته" وقد يراه عدوًا ولو بعد حين، أو على الأقل لا يفهمه ويضع الحواجز النفسية التي تبعده عنه..

وكأي مدمن لا ينظر إلا للخلاص مما يضايقه في اللحظة، ويبحث عن المتعة والخلاص "المؤقت"، ولا يريد الانتباه لتوابع الإدمان الوخيمة والمؤلمة "والسرقة" لصحته النفسية ومن ثم الجسدية؛ كذلك إدمان الإنترنت الذي يتسبب في سرقة الوعي؛ لكثرة المعلومات الخاطئة التي "يلقيها" الآخرون في عقولنا وتستنزف طاقاتنا في الاهتمام بأمور لا تخصنا ولا تفيدنا معرفتها، وتحرمنا من الانشغال بما يضيف إلينا وتتسلل "سنوات" العمر من بين أيدينا ونحن في غفلة "صنعناها" بأيدينا.

كل مدمن "يهرب" من الواقع بالإدمان؛ حيث "يتوهم" أنه سيكون أفضل حالا وسيفعل ما "يريده"؛ والحقيقة أنه "يضعف" نفسه بيديه ويزيد من صعوبات مواجهة الواقع؛ وكأنه إنسان يضيق بحمل 10 كيلو مثلا وبدلا من أن يقسم الحمولة على حقيبتين ليسهل حملها ثم يستريح بعض الوقت أثناء السير ليساعد نفسه ويقول لنفسه: سأصل ولو بعد فترة وسأفرح بالإنجاز أو بانتهاء المهمة؛ بدلا من ذلك يهرب من حمل ما يجب عليه حمله ويتركه ويفقده ويخسر كثيرًا فلن يحمل أحد عنا همومنا أو يحل مشاكلنا أو يقوم بما يجب علينا فعله أو "ينتبه" بدلا منا لمصالحنا؛ وكل ما يستطيعونه – إن أرادوا بصدق مساعدتنا – إرشادنا لكيفية حملها..

المدمن يسرق عمره ويبدد طاقاته ويبعثر عمره "ويخون" نفسه؛ فمدمن الإنترنت يبحث عن الغرباء وهو يعلم أن غالبيتهم "مدمنون" مثله ويهربون من واقعهم؛ وكأن الجميع في مكان ما يتناولون المخدرات ليحسوا باسترخاء "كاذب" وفرحة مزيفة، وما إن ينتهي مفعول الإدمان يحسون بصداع وألم "وخسائر" بالصحة وبالمال، وقبلهم بالعمر..

التواصل مع الغرباء يفعله البعض بحثًا عن الإحساس بالأمان والصحبة اللطيفة؛ ويتناسون أن الغرباء كثيرًا ما يكونون لطفاء؛ لأنهم "لا" يهتمون بمصلحة من يكلمهم ولا يتحملون مسئوليته، وكل ما يريدونه هو "استخدامه" للتسلية أو لإرضاء الغرور في علاقات عابرة وهربًا من كل ما يكرهونه في حياتهم..

كراهية الحياة الواقعية سلاح ذو حدين؛ فهي رائعة ومطلوبة عندما نسعى لتحسين مواقفنا بالحياة وفهم لماذا يضايقنا  الآخرون؟ و لماذا تتعثر أحلامنا ولا تتحول لحقائق تنير أعمارنا؟ –كما نستحق- وما هو دورنا في مضايقات الآخرين لنا وفي تعثر أو تراجع أحلامنا؟.. وعندما نعرف ذلك ونراجع خططنا بالحياة وهل هي واقعية؟ أم أننا نبالغ في توقعاتنا من أنفسنا ومن الآخرين ونتعجل النجاح في الحياة والعلاقات؟ ولا نرغب "بإصلاح" أخطائنا وكلنا نخطئ ونصيب..

وكراهية الحياة الواقعية سيئة بل ومدمرة؛ إذا جعلتنا نبتعد عن الواقع "ونغرق" أنفسنا بعلاقات الإنترنت وهي أشبه "بالسراب" الذي يراه العطشان ماءً؛ فما أسهل أن يبتعد البعض "بالبلوك" أو أن يقيم علاقات أخرى بنفس الوقت، أو أن يغرق من يحادثه بمجاملات تؤذيه وتعطله..

وكأي إدمان لابد من معرفة خسائره الفادحة وأضراره المميتة وتذكير النفس بها؛ لتتمكن بإذن الرحمن من "القفز" بعيدًا عنه وشغل أوقاتنا بما يفيدنا "والعودة" سريعًا للواقع وإغلاق الأبواب أمام أي "هروب" آخر مستقبلا ومضاعفة قدراتنا على التعامل بذكاء ومرونة وإيجابية مع ما نكره بالواقع "تمهيدًا" للانتصار على معظم ما نكره والتوقف عن المبالغة في التوقعات من أنفسنا فلا أحد بالكون رائع طوال الوقت، وتحسين حياتنا تدريجيًا والاحتفال بأي تقدم، ولو كان بسيطا، وجعله بداية لنجاحات أوسع وأفضل، ومنع أي انتكاسة أو تراجع أولا بأول لأننا نستحق حياة جميلة "وحقيقية"، ولن يصنعها غيرنا بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع..

لذا نود تجنب الجلوس طويلًا أمام الفضائيات،
أو الإنترنت والفيس بوك والإقبال على اللقاءات "الحقيقية" بالأهل، والتي أصبح الكثيرون يتهرب منها ويتناسون أنها فرصة للخروج من "سجن" الذات والحديث في نفس المواضيع المعتادة، وفرصة لأخذ الثواب الديني لصلة الرحم وإسعاد الآباء والأمهات بالتواصل مع أسرهم، فضلا عن توسيع دائرة المعارف والعلاقات الإنسانية بإدخال الأقارب – من الجنسين- بها وشغل الوقت في الواقع وليس بالإنترنت الذي يمتلئ بالأوهام..

نحذر من الاعتماد على الإنترنت "وحده" للتواصل الإنساني فهو كالاكتفاء بالورود "الصناعية"؛ فمهما كانت جميلة الملمس ورائعة الرائحة إلا أنها "ستظل" غير حقيقية وقد "تحرمنا" من الونس بالورود والياسمين والريحان..

عن "الأهرام"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية