"لا يوجد دليل دامغ".. هكذا خلص معلقون سعوديون رداً على تقييم للمخابرات الأمريكية أشار إلى أنّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ويبدو هذا الاستنتاج لسان حال الموقف الرسمي السعودي الذي يتمسك بأنّ تقرير المخابرات الأمريكية كيدي، ولا يستند إلى أدلة، وأنّ هدفه فقط الترويج لحكم الإدارة الأمريكية الجديدة التي ترغب في تسويق نفسها للعالم بأنها حامية الديمقراطية في العالم.
لماذا تتغاضى الإدارة الأمريكية والديمقراطيون عموماً عن الانتهاكات التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين، التي رعاها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما؟!
ويطرح مراقبون أسئلة كثيرة على الإدارة الحالية لجهة تغاضيها، وتغاضي الديمقراطيين عموماً عن الانتهاكات التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين، التي رعاها الرئيس الأمريكي "الديمقراطي" الأسبق باراك أوباما، وظل يتعامل معها باعتبارها شريكاً محتملاً في الحكم يمثل "الاعتدال الإسلامي" بينما جرى غضّ النظر عن التقارير الاستخباراتية الأمريكية التي أكدت تورط هذه الجماعة التي توصف بـ"الإرهابية" في أعمال عنف مخالفة للقانون، ومعارضة لمعتقدات الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة.
تركيا وإيران كملاذات للإخوان
من حق السعوديين أن يدافعوا عن ولي عهدهم، وعن شرعية نظامهم السياسي الذي يحاول بعض "المعارضين" الطعن فيه، ومعهم جماعة الإخوان والدول التي توفر الملاذات الآمنة لمن يشتم المملكة العربية السعودية، كتركيا وإيران وبعض الدول العربية التي تعتقد أنّ عمامة الولي الفقيه، وعباءة الخليفة العثماني، أقرب إليها من البلد الذي يضم الكعبة المقدسة وقبر النبي الكريم عليه السلام، وأطهر بقاع الأرض بالنسبة للمسلمين.
السعوديون أغرقوا، وفقاً لتقرير بثته "رويترز" موقع تويتر بوسم "كلنا محمد بن سلمان" عشية صدور التقرير الاستخباري الأمريكي، الذي رفضته السعودية، رسمياً، مؤكدة معارضة "ما ورد في التقرير من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة" بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية. وأضافت البيان أنّ المسؤولين عن "هذه الجريمة النكراء" حوكموا أمام محاكم سعودية و"تم تقديمهم للعدالة".
اقرأ أيضاً: رفضاً لـ"تقرير خاشقجي".. تضامن عربي ودولي مع السعودية
ولجأ المعلقون السعوديون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن ولي العهد، حيث قال علي الشهابي، الرئيس السابق لمؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن، إنه لا يوجد شيء جديد في التقرير وأنه "ليس هناك أي دليل دامغ على الإطلاق".
وكتب الشهابي على تويتر: "من الغريب أن تحدث كل هذه الضجة حول هذه الوثيقة... هذا التقرير الهزيل يعد دليلاً في الواقع على عدم وجود دليل قاطع ضد محمد بن سلمان".
وغرّد فهد الثبيتي: "(فرحون للغاية) عبارة تكررت في تغطية القنوات المحسوبة على الإخوان المراهنين على ولاية بايدن!
🚨واشنطن بوست: انفجر موقع تويتر السعودي بدعم هائل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. وبعد تحليل هاشتاق #كلنا_محمد_بن_سلمان وجدنا أن 96% من التغريدات كانت حقيقية وهو مايقارب أكثر من 300 ألف تغريدة.https://t.co/4Ym3FLVGhV
— الانتخابات الامريكية🇺🇸 (@election2020P) March 9, 2021
ونحن لا نهتم كثيراً ولا نحسب حساباً مسبقاً؛ لأن كل قوتنا مستمدة من توفيق الله سبحانه ثم تأييدنا ومحبتنا للقوة العظمى لوليد العهد الذي يقود السعودية العظمى في ظل سلمان بن عبدالعزيز".
واستعاد المعلق عبدالله آل هتيلة تصريحات سابقة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان قال فيها:
المملكة تعتمد على أبنائها في الحفاظ على أمنها واستقرارها، والعلاقات بين الرياض وواشنطن تحقق أمن واستقرار الشرق الأوسط. وكذلك: لا فضل ولا منّة لأي دولة كانت في استقرار وأمن ورخاء المملكة. في حين كتب المعلق محمد السواط: بلادنا تضرب أطنابها في عمق الأرض منذ نحو 300 عام.
لا يوجد دليل دامغ
وقال الكاتب عبد الرحمن الراشد، في تغريدة على تويتر: "ورد في التقرير: ليس مؤكداً حتى أنّ الفريق المتهم كان في رحلة للتخلص من خاشقجي". وقال أيضاً إنه "لا يوجد دليل دامغ".
اقرأ أيضاً: ضجيج "أمريكا – بايدن" حول السعودية
الراشد تابع تحليل ما يجري في أروقة الإدارة الأمريكية في واشنطن، مؤكداً في مقال نشرته "الشرق الأوسط": لا شك أنّ حملات الديمقراطيين على السعودية كانت الأسوأ على الإطلاق في تاريخ العلاقة بين البلدين. في السنوات الخمس الماضية دأب أعضاء في الحزب على انتقاد الرياض، منذ الخلاف على اتفاق واشنطن النووي مع إيران، والحرب في اليمن، والوقوف مع مصر بعد سقوط نظام "الإخوان"، ومنذ أن اختار ترامب الرياض بوصفها أول محطة يزورها بعد انتخابه.
وأضاف الراشد: استخدم الديمقراطيون السعودية كرة في الهجوم على ترامب، وتسييس قضية خاشقجي واحدة ضمنها. لكنّ الديمقراطيين، وهم اليوم في الحكم، لا يجهلون أهمية حلفاء لهم مثل السعودية. الأسباب عميقة عمق المصالح. ويدركون أنّ السعودية تغيرت مع التغييرات الكبيرة التي أدخلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. النظام السياسي أصبح أقوى، والدولة أكثر حيوية ونشاطاً وأهمية. أيضاً، يدرك الأمريكيون أنه منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت دول المنطقة قادرة على توزيع علاقاتها الدولية وفق مصالحها.
محلل سياسي أمريكي: سوء العلاقات بين واشنطن والرياض سببه تصفية حسابات أو وعود انتخابية، ولن تكون هناك علاقات سيئة بين الجانبين
وفي مقال آخر يقول الراشد: أما تصريحات واشنطن ودعواتها للسعودية ومصر ودول المنطقة حول تعاملها مع ما تعتبره قضايا حقوقية والمطالبة بالإفراج عن موقوفين، فهو عرف يتكرَّر مع معظم الحكومات الأمريكية، لكنَّها لا تستطيع أن تفرض على هذه الحكومات تغيير قوانينها ولا الإفراج عمن تعتبره يهدد أمنها. وقد تغادر الإدارة الأمريكية الحالية من البيت الأبيض بعد سنوات قبل أن يخرج المحكومون في مدد طويلة. لهذا فإنَّ المراهنة على بايدن وإدارته في تغيير الأوضاع أو فرض الضغوط لا تنسجم مع المصالح العليا لهذه الدول المقدمة على مصالح الأفراد. كما أنّ تسويق مفهوم الوصاية والإملاء هو جزء من دعاية القوى العاجزة. الدول العربية تعرف أنّ المصالح طريق من مسارين. والولايات المتحدة كدولة في الأخير تحكم مصالحها مع دول المنطقة، وإلا لن تجد عندها اهتماماً بقضاياها أو شكاواها.
مستقبل العلاقة بين الرياض وواشنطن
ولكن ماذا عن مستقبل العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في عهد بايدن؟
يقول المحلل السياسي السعودي، زيد بن كمي، إنّ العلاقات السعودية الأمريكية على مر التاريخ هي علاقة تحالف إستراتيجي، وكل الشواهد عبر تلك العقود الطويلة تؤكد أنّ هناك خطوطاً متفقاً عليها بين الطرفين لا يتم تجاوزها حتى وإن كانت هناك خلافات.
اقرأ أيضاً: لافروف من السعودية يحذر من انزلاق اليمن لنقطة اللاعودة
ويعتقد بن كمي في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لا تختلف عن الإدارات السابقة فيما يتعلق بالمملكة، وكانت هناك اختلافات في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومع هذا ظلت العلاقات الإستراتيجية كما هي. على سبيل المثال عندما تشكل الحلف الدولي ضد "داعش" كانت السعودية أحد أعضاء هذا الحلف، كما قدمت أمريكا الدعم اللوجستي للتحالف الدولي الذي تقوده السعودية لإعادة الشرعية في اليمن وفقاً للقرار الأممي 2016
وأضاف زيد بن كمي: "كما أنّ أولى التصريحات للرئاسة الأمريكية الحالية تحدثت عن أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، لأنه يمثل أهمية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يوضح مدى العلاقات السعودية الأمريكية على مر العقود، رغم ما يعتريها من اختلافات حول بعض الملفات في أوقات معينة".
القطيعة غير واردة
وتابع بن كمي: العلاقة الإستراتيجية والحلف الإستراتيجي بين الرياض وواشنطن باق، أما بالنسبة للاختلافات في وجهات النظر، والتي تطرأ بسبب بعض الملفات أو القضايا فهو أمر وارد في كل العلاقات الدولية، لكن لا يمكن أن تصل تلك الاختلافات إلى درجة القطيعة أو فك هذا الحلف الإستراتيجي.
اقرأ أيضاً: تركيا تتضامن مع السعودية ضد الحوثيين... ما القصة؟
من جانبه، قال المحلل السياسي الأمريكي، ماك شرقاوي، إنّ العلاقة بين واشنطن والرياض فيها الكثير من المتناقضات في التصريحات ما بين الخارجية والرئاسة الأمريكية، ثم نرى التصريحات المدوية بشأن وقف الحرب اليمنية المروعة الآن وفوراً، ورغم أنّ هناك تواجداً عسكرياً أمريكياً على الأرض يقدر بحوالي 2000 عسكري، قامت بالعديد من العمليات للقضاء على عناصر القاعدة والتنظيمات الإرهابية في اليمن.
اقرأ أيضاً: السعودية تصد هجمات جديدة... من يوقف إرهاب الحوثيين وإيران؟
كما تقوم بمساعدة التحالف العربي لوجستياً وفنياً، وكذلك تقوم بتموين طائرات التحالف في الجو، ومن فعل ذلك هم الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، حيث بدأت الحرب اليمنية في عهد أوباما، وأرسل في نهاية حقبته العديد من القوات الخاصة للقيام بمهام هناك.
وأضاف شرقاوي لـ"سبوتنيك": "أعتقد أنّ الجمهوريين والديمقراطيين كانوا على كلمة واحدة فيما يتعلق بملف الحرب ودعم التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وتناسى الكثير ما هو الغرض من الحملة العسكرية التي تم شرعنتها بموجب القرار الأممي من مجلس الأمن 2016 تحت الفصل السابع، فما يحدث في اليمن ليست حرباً من جانب المملكة العربية السعودية ضد اليمنيين، بل هو تحالف دولي لإعادة الشرعية ومجابهة العصابات الإرهابية المتمثلة في جماعة أنصار الله".
اقرأ أيضاً: الإمارات: الحوثيون يتحدون المجتمع الدولي باستهدافهم السعودية
وأشار شرقاوي إلى أنّ هناك تخبطاً في القرارات من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، تارة تخرج تصريحات من واشنطن، بدعم المملكة العربية السعودية في حماية أراضيها بعد كل ضربة من الضربات اليومية التي ينفذها "أنصار الله"، ثم يأتي بعد ذلك تعليق صفقات السلاح لكل من السعودية والإمارات، وبعدها تصريح آخر يخفف من الحدة ويشمل تعليق كافة قرارات الرئيس ترامب خلال الستين يوم الماضية على تسلم السلطة، وتتنوع التصريحات بين الدعم والإدانة.
اقرأ أيضاً: تركيا تعترف بجدوى المقاطعة الشعبية السعودية لمنتجاتها... تفاصيل
واستطرد شرقاوي: هناك تصريحات أخرى تتعلق بفتح ملف قضية خاشقجي، وفي نفس التصريح يقول وزير الخارجية نحن لا ندين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان في هذه القضية، وبالتالي هناك الكثير من اللغط حول الموقف المحدد للبيت الأبيض والسياسة الخارجية بشأن العلاقات الأمريكية السعودية.
ويعتقد المحلل السياسي أنّ السعودية وأمريكا ومصر تربطهما علاقات وشراكة إستراتيجية قوية في المنطقة، وفي رأيه أنّ سوء العلاقات بين واشنطن والرياض سببه تصفية حسابات أو وعود انتخابية، ولن تكون هناك علاقات سيئة بين الجانبين.