إخوان موريتانيا في 2019.. صراعات وانشقاقات وفساد

إخوان موريتانيا في 2019.. صراعات وانشقاقات وفساد


28/12/2019

إبراهيم طالب إبراهيم

مر عام 2019 ثقيلاً على إخوان موريتانيا؛ لما شهده التنظيم من أحداث ضربت صميم وحدته الداخلية كان في مقدمتها توالي موجات الانسحاب والانشقاقات ووثائق رسمية تكشف فساد حكمهم بالبلديات.

وشهد عام 2019 مغادرة عدد من القادة المؤسسين للحزب الإخواني "تواصل" والتنظيم المغلق الذي تأسس من رحمه.

وتكررت خلال العام حملة الإغلاق والمداهمات ضد المقار والمؤسسات التابعة للتنظيم بسبب شبهات فساد في وقت اعتمدت فيه موريتانيا قانونا جديدا لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وجاءت الخلافات وتناقض التصريحات بين قادة التنظيم على خلفية الموقف من رئاسيات يونيو/حزيران 2019 ليكشف المزيد من التصدعات والتفكك الذي ينخر جسم التنظيم مع خروج هذه الخلافات إلى العلن في شكل تصريحات حادة ضد بعضهم البعض.

الضربات والصفعات والهزائم التي مني بها التنظيم انتخابيا وسياسيا خلال عام 2019 لم تتوقف عند حد افتضاح مساعي ركوب الموجات والجنوح نحو الصدامية والتطرف، بل وثّقتها تقارير محكمة الحسابات عبر انكشاف سوء تسيير وفساد إدارة البلديات التي كان يدريها قادة من حزب التنظيم.

نزيف الانشقاقات
استمر نزيف الانشقاقات والانسحابات من حزب التنظيم خلال العام 2019 وازدادت وتيرته على وقع الانتخابات الرئاسية التي شهدها البلاد شهر يونيو من العام نفسه، بدعم حزب الإخوان رسميا لأحد المرشحين دون أن يتمكن من خلق انسجام بين قواعده خلف هذا الخيار.

ودشن موجة الانشقاقات التي ضربت حزب التنظيم "تواصل" في شهر فبراير/شباط 2019 القيادي المؤسس للحزب والعضو البارز في التنظيم المختار ولد محمد موسى، الذي غادر على رأس كتلته السياسية، ليحط الرحال في صف الأغلبية الداعمة للرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني. 

والمختار محمد موسى هو أرفع قيادي يعلن انشقاقه؛ كونه أحد مؤسسي حزب "الجماعة" ومن أعضاء التنظيم البارزين، وهو نائب برلماني سابق، وعضو مكتب تنفيذي، بالإضافة إلى رئاسته السابقة لما يعرف بمجلس شورى الحزب.

مغادرة أرفع مسؤول مؤسس لإخوان موريتانيا التي مثل أكبر ضربة تواجهه خلال العام، برره ولد محمد موسى حينها بـ"المآخذ على خط سير الحزب وأجهزته"، في إشارة إلى حال الارتباك والصراع الداخلي التي يعاني منها التنظيم.

موجات الانشقاق تواصلت بعد هذا الانسحاب على مدى أسابيع وأشهر العام، وشملت قيادات الصف الأول والأطر البارزين من أساتذة جامعيين ونقابيين ومنتخبين محليين ورجال أعمال وفعاليات شبابية وكتل شعبية.

ولم تقتصر الانسحابات على الأفراد والقيادات بصفتهم الشخصية بل انتظم المنسحبون والمنشقون في تيارات سياسية مناوئة لسياسات التنظيم وداعمة للغزواني كما هو الحال مع تأسيس بعض قيادات الإخوان المنشقين لما يعرف بتيار "راشدون" الذي هاجم زعيمه سيناتور الإخوان السابق الشيخ عمر الفتح الإخوان واصما إياهم بـ"التدين المغشوش".

وكشفت الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف 2019، عن حجم الانقسامات والصراعات التي شهدها حزب "تواصل" الإخواني، وهو ما انعكس على السطح في شكل تبادل التصريحات الحادة ضد بعضم البعض.

فقد هاجم الرئيس السابق لحزب "تواصل" الإخواني محمد جميل منصور، خلفه في قيادة الحزب محمد محمود السييدي، واصفا إياه بانتهاج "القياس الفاسد" و"مجانبة الحقيقة".

وجاء تصعيد ولد منصور، تجاه خلفه ردا على كلمته التي قلل فيها ضمنيا من أهمية ما حققه خلال رئاسة "تواصل" في رئاسيات سابقة سنة 2009، قياسا لما حققه الحزب في انتخابات 2019 الرئاسية في مؤشر على انعكاسات الهزيمة الانتخابية وارتداداتها على تماسك جبهته الداخلية.

ورأى متابعون وخبراء في شؤون التنظيم أن الصراع الحالي بين قيادات الإخوان يكشف ما وصفوها بأزمة غامضة، وارتبطت أزمة الفرع المحلي للإخوان بتصاعد العزلة المتزايدة للتنظيم الدولي للإخوان عالميا.

كما تلقت الإخوان ضربة سياسية أخرى خلال العام 2019 باعتراف قيادات التنظيم بالفشل في محاولة التسلل إلى الأغلبية بقيادة الغزواني إبان ترشحه للرئاسة، قبل أن يرفض الأخير هذا "التودد"، وفق مراقبين.

واعتبر البعض أن "مغازلة" تنظيم الإخوان للغزواني تكشف سلوكه المعهود في طعن حلفائه السياسيين المعارضين من الخلف، بعد أن كان التنظيم ينسق مع هؤلاء المعارضين لدعم مرشح رئاسي موحد.

مداهمات وإغلاق
المداهمات والإغلاق طالا خلال 2019 عددا من المؤسسات المحسوبة على قادة وعناصر الجماعة وحزبها "تواصل"، فيما رأى مراقبون أنه تحرك ضد مصادر التمويل المشبوهة للجماعة واستغلال الأعمال الخيرية لخدمة الأنشطة السياسية الدعائية.

وشملت حملة إغلاق المؤسسات الإخوانية خلال 2019 كلا من: مؤسسة "الخير للتنمية"، وفرع "الندوة العالمية للشباب الإسلامي"، الإخوانيتين، على خلفية وجود "شبهات فيما يتعلق بالتمويل، وأوجه الصرف".

وتم إغلاق هاتين المؤسستين بعد أقل من شهر على تشريع الحكومة لقانون مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال الذي يستهدف تعزيز منظومة محاربة الإرهاب عبر سد منافذ التمويل إلى جانب الآليات العسكرية والأمنية.

التمويلات المشبوهة للإخوان خلال العام 2019 فسرت أيضا سلوك التنظيم عبر نشطائه وبعض منتخبيه لمقاومة تطبيق قانون الصيدلة الذي رأى البعض أن يفضح تمويلات الإخوان عبر انخراط موردين تابعين له في ملف الأدوية المغشوشة.

وأثارت هذه المواقف الإخوانية ضد بنود هذا القانون استياء الرأي العام في البلاد، واعتبره البعض وقوفا في وجه الإصلاحات التي تنفذها وزارة الصحة لمواجهة ظاهرة تهريب الأدوية المزورة وفوضى ممارسة النشاط الطبي.

وربط البعض بين وقوف بعض قادة ونشطاء التنظيم إلى جانب موردي الأدوية، وضلوع العديد من التجار المحسوبين على الجماعة في ظاهرة الاتجار بالأدوية المزورة وإغراق الصيدليات في البلاد بهذه الأدوية المشبوهة، كجزء من وسائل تمويل أنشطة الجماعة.

ودفع هذا السلوك المقاوم لجوء بعض كتّاب الإخوان وقادتهم إلى إثارة مواضيع تمس الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، لإشغال الرأي العام عن التضامن مع هذه الحملة، وإظهار الدعم اللازم لها في وجه من يوصفون بـ"أباطرة الدواء المزور".

الجنوح نحو التطرف
كما كان جنوح الإخوان نحو التطرف والصدامية سمة غالبة على سلوكهم السياسي خلال العام، وخروجا منهم حتى عن سرب حلفائهم في الطيف السياسي المعارض، الذي رفض هذه الممارسات، ورفع الغطاء عن الإخوان.

وظهر هذا الميل جليا نحو العنف واستغلال القضايا العمالية والنقابية البسيطة في زجهم بجهازهم الحزبي والتنظيمي خلف قضية طلاب جامعة نواكشوط شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبل أن تعمد الحكومة إلى نزع فتيل هذه الاحتجاجات عبر الاستجابة لمطالب المحتجين.

ورأى مراقبون في محاولات تنظيم الإخوان المستمرة للتحريض على حكومة نواكشوط، تغطية على سلسلة الانشقاقات التي ضربته عقب الهزائم الانتخابية التي مني بها مؤخرا.

وبدا مشهد استغلال القضايا الطلابية والعمالية واضحا بعد محاولة اختراق أزمة التسجيل لبعض طلاب جامعة نواكشوط التي وصفها مراقبون بمحاولة التنظيم لتحقيق غايات سياسية رخيصة قد تعرقل تحرك الحكومة لحلها.

وهكذا وضح هذا الجنوح من إخوان موريتانيا نحو التطرف دائما حدا لانسجام حزبهم مع الخط السياسي للمعارضة، وفضح توجهات التنظيم الذي يتخذ من التحريض وسيلة لتحقيق ما فشل فيه عبر صناديق الاقتراع.

وتجلت هذه الميول نحو التحريض من طرف التنظيم وحزبه "تواصل" في لقاء جمع أطراف المعارضة بالبرلمان، حاول فيها الإخوان الدفع نحو منهج "الصدام"، كأسلوب للتعاطي مع الشأن العام، ورفض بقية أطراف المعارضة لهذا الأسلوب، واختيار منهج "الحوار وتقديم الاقتراحات".

كما برزت العزلة السياسية للإخوان وتغريدهم خارج السرب -في الاجتماع نفسه- في محاولة الاستحواذ على مناصب "زعامة المعارضة" كافة التي تعد مؤسسة دستورية موريتانية مشكلة من الأحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، وهو ما قوبل بالرفض.

وفي محاولة لفك طوق العزلة السياسية الخانقة، حاول الإخوان اللجوء إلى الشارع، في أولى بوادر نقض تعهدات رئيس حزبهم "تواصل"، خلال لقائه الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، بخصوص الالتزام بتطبيع الحياة السياسية، أسوة ببقية أطراف المعارضة، والذي يمثل شعار العلاقة الحالية بين الأغلبية والمعارضة.

وتحت عنوان ما يسمونه "إصلاح لا يقبل التأجيل" جاء أول مهرجان لحزب الجماعة "تواصل" منذ انتخاب الغزواني، وهو ما رأى فيه مراقبون خروجا عن إجماع الطيف المعارض الذين اعتمد أسلوب فتح الباب أمام التشاور السياسي مع النظام، ودخل في مشاورات لتطبيع المشهد السياسي بعيدا عن لغة التأزم والتصعيد.

توقيت "التصعيد" السياسي أثار كذلك، وفق المراقبين، أسئلة حوله مساعي التنظيم لصرف الأنظار عن الحملة الشعبية ضد "تجار السموم" والداعمة لقانون الصيدلة الذي عارض بعض بنوده المثيرة نواب الإخوان وربطه البعض بشبهات تمويل التنظيم.

المحكمة تكشف المستور
وفيما أرهقت التنظيم الصراعات الداخلية والعزلة السياسية على مدى أشهر العام 2019، جاءت الضربة القاضية في آخر أيام السنة مع ما كشفته تقارير محكمة الحسابات من ممارسات فساد وسوء تسيير حزب الإخوان "تواصل" خلال إدارة بلديتين في الفترة بين 2007 و2017.

واستعرضت التقارير الخروقات وأنماط الإدارة الفاسدة في كل من بلدتي "عرفات" التي يديرها الإخوان حاليا، وكذلك بلدية "دار النعيم" خلال فترة رئاستها السابقة من طرف التنظيم ما قبل هزيمتهم في انتخابات عمدة هذه البلدية في سبتمبر/أيلول 2018.

تقارير محكمة الحسابات الموريتانية للفترة ما بين 2007 و2017 فضحت سوء إدارة البلديات من قبل الإخوان والمبالغة في الفواتير لاختلاس المال العام.

آفاق من الفشل
وكما جنى الإخوان على أنفسهم عام 2019 بهذه الحصيلة السياسية المثقلة بالإخفاقات والفشل، لا يبدو في أفق 2020 أن التنظيم سيحيد عن هذا السير في منحنى الانحدار والتفكك.

وينتظر التنظيم أزمات عميقة يجسدها استمرار تضاؤل وفقد الثقة بين القادة مع بعضهم البعض، وثقة القواعد الشعبية التي بدأت تستفيق من واقع التغرير بهم.

الخلافات والسجالات لا تلبثا أن تطفوَا على السطح بين الفينة والأخرى مع كل موقف لحزب التنظيم من القضايا الراهنة والمستجدة، وهو واقع يثبت هشاشة البناء الداخلي الذي يؤدي كل تطور متحمل فيه إلى المزيد من الانشقاقات.

يضاف إلى انكشاف وفضح الكثير من ممارسات التنظيم وحزبه للرأي العام، وطغيان البحث عن المصالح الضيقة للقادة والتنظيم على حساب الهم العام والمصلحة الوطنية.

إلى جانب ارتداد سلوك الغدر والطعن من الخلف الذي يمارسه التنظيم ضد حلفائه السياسيين المفترضين، مما جعلهم يرفعون عنه الغطاء ويؤدي بالتالي إلى المزيد من العزلة داخل الطيف السياسي الحاضن له.

ثم ضعف التنظيم الدولي الذي يمثل الأصل للوكيل المحلي وهزائمه المتكررة السياسية والميدانية وانكشاف أمره، مما يساهم في تراجع وضعف أداء النسخ المحلية للتنظيم في بعض البلدان ومنها موريتانيا.

وأخيرا توالي الهزائم الانتخابية، ومنها الهزيمة الساحقة لمرشح التنظيم في الرئاسيات الأخيرة، رئيس الوزراء الموريتاني الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، التي جاءت بعد هزيمة مماثلة في العام الماضي بالانتخابات النيابية والبلدية، وفقده للكثير من المكاسب التي كان قد حققها مما يؤشر إلى استمرار انتكاسته خلال السنوات المقبلة.

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية