أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر

أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر

أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر


29/10/2023

في الوقت الذي يتابع فيه العالم كله الأخبار الواردة من فلسطين، ويهتمّ بالصراع الدائر في غزة، وفي خضم الأحداث وتصاعدها، لم ينسَ الإخوان، وبعض رفقائهم من الإسلاميين، خصومتهم وصراعهم مع النظام الحاكم في مصر، لكنّهم وجدوا أنّ الوقت ملائم لتصفية حسابات سياسية وتسجيل مواقف ربما يحتاجونها اليوم أو غداً، لذلك بدؤوا من خلال قنواتهم وكتابات شخصيات بارزة منهم على وسائل التواصل الاجتماعي بتوجيه النقد المستمر والاتهامات المختلفة للنظام وللدولة المصرية، سواء فيما يتعلق بموقفها وسياستها نحو غزة، وتحميل مصر جزءاً كبيراً منها وكأنّها هي المسؤولة عنه، أو بسياسات النظام بشكل عام فيما يتعلق بالملفات السياسية والاقتصادية الداخلية؛ الأمر الذي يثير الكثير من الدهشة، ويطرح العديد من الأسئلة عن أسباب ودلالات هذا السلوك السياسية والأخلاقية.

كيف يتناول الإخوان أحداث غزة؟

من خلال الاطلاع على بعض الكتابات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي لشخصيات محسوبة على الإخوان وتيارات إسلامية أخرى، وكذلك بعض البرامج في قنوات الإخوان الفضائية، نلاحظ أنّه بجانب تناول الأحداث في غزة مثل باقي القنوات الإخبارية والنشطاء بل والمواطن العادي، فإنّ الإخوان والإسلاميين يعملون على التركيز على الحديث عن مصر وموقفها من الصراع الدائر ومن بعض الملفات الأخرى الداخلية بصورة تحمل نقداً شديداً وسخرية وتهكماً، بهدف إبراز الدولة المصرية في موقف "الضعيف العاجز"، فضلاً عن العديد من الاتهامات المختلفة التي يتم توجيهها إلى مصر فيما يتعلق بدورها وموقفها من الأحداث، فنجد مثلاً البعض يوجه اتهامات لمصر ونظامها الحاكم بأنّها "ضعيفة وغير قادرة" على اتخاذ موقف سياسي أو إنساني تجاه ما يحدث في غزة، واتهامات أخرى بـ"عقد النظام صفقات مع إسرائيل حول توطين أهل غزة في سيناء"، واتهامات أخرى للنظام بـ"الخيانة والتعاون مع الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ سياستها تجاه غزة"؛ بل هناك من اتهم النظام بأنّه أبلغ إسرائيل بموعد عملية "طوفان الأقصى"، على الرغم من تصريحات الموساد والشاباك بأنّ هناك تقصيراً ومسؤولية تقع على عاتقهم نتيجة عدم استطاعة التنبؤ بتلك العملية، وأنّهم تفاجؤوا بها!

كما يربط البعض منهم بين الصراع الذي حدث بين الإخوان والنظام بالأمس وبين ما يحدث في غزة اليوم، فيقولون إنّه لو كان الإخوان موجودين في الحكم، لكان لهم موقف آخر أكثر فاعلية تجاه الأحداث، وإنّ وجود قيادات وأفراد الجماعة في السجون بسبب القضايا المتهمين بها كان بهدف تفريغ المجتمع من الأفراد الذين من الممكن أن يتصدوا لإسرائيل، ومنهم من يقوم بالسخرية من مصر ويروج بأنّها غير قادرة على حماية أمنها بعدما تعرضت له حدودها من قصف تقول إسرائيل إنّه على سبيل الخطأ، بجانب ذلك يعمل الإخوان على استغلال الأحداث في الترويج لفكرة تغيير النظام في مصر، واستغلال التظاهرات التي حدثت في القاهرة وبعض المحافظات لمساندة غزة في هذا الإطار والرغبة في تحويلها إلى تظاهرات ضد النظام، إلى غير ذلك من طرق كثيرة لتوظيف الأحداث في إطار تصفية الحسابات السياسية الناتجة عن الصراع بين الجماعة والدولة المصرية، الأمر الذي يجعلنا نبحث عن أسباب ذلك السلوك ودلالاته.

أزمة نفسية

من بين أهم الأسباب التي تدفع الإخوان والإسلاميين إلى اتخاذ هذا الموقف من النظام ومن الدولة المصرية في موقف كهذا من المفترض أنّه يتطلب إجماعاً وطنياً واصطفافاً ضد الخطر الماثل الذي يهدد المنطقة العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص نتيجة الصراع الدائر في غزة والسياسة الإسرائيلية التي تعمل على الإضرار بدول المنطقة وتمثل تهديداً حقيقياً لها، هو أنّ سقوط الإخوان من الحكم بعد عام واحد فقط، ومن ثم انهيار حلم الدولة الإسلامية وفق النموذج المتخيل في أذهانهم، والتي يسعون إليها منذ نشأة الجماعة، قد سبب لهم ولغيرهم من الإسلاميين صدمة شديدة، وهذه الصدمة قد سببت أوّلاً نوعاً من الإنكار لما حدث، وعدم القدرة على الاعتراف به وبقبول نتائجه أيّاً كانت، ومن ثم التعامل معها كواقع جديد، حيث توقف الزمن بالجماعة عند لحظة السقوط من الحكم، وما تزال تعيش على أمل أن تتغير الأوضاع وتعود إلى ما كانت عليه قبل تموز (يوليو) 2013، ومن ثم فهي تشعر بأنّها في حالة صراع وعداء مستمر مع النظام الحالي، كما أنّ تلك الصدمة خلقت حائلاً نفسياً لدى الجماعة ورفقائها من الإسلاميين يجعلها لا ترغب في أن يُنسب إليه أيّ إنجاز مهما كان حجمه، وترغب في رؤيته دوماً في حالة من الفشل والإخفاق، حتى ولو على حساب الدولة نفسها، ولذلك فهذه الأزمة النفسية من الممكن أن تفسر لنا العديد من المواقف والممارسات التي تتخذها الجماعة وتيارات إسلامية أخرى ليس تجاه النظام فحسب بل تجاه الدولة المصرية.

صراع صفري

تدرك الجماعة وغيرها من الحركات الإسلامية أنّ الصراع مع النظام الحالي يمثل صراعاً صفرياً، فمن خلال العديد من التصريحات الحكومية والإجراءات التي تم اتخاذها تجاه الجماعة وحلفائها، باتت الجماعة تدرك أنّه لا سبيل لعودتها إلى المشهد مرة أخرى بأيّ شكل وبأيّ درجة من درجات الحضور سوى بتغيير النظام، فكما انتظرت الجماعة قبل ذلك رحيل النظام الحاكم برئاسة جمال عبد الناصر، ومن ثم صعود رئيس غيره يمنحهم مساحة يعودون خلالها مرة أخرى، فإنّهم ينتظرون اليوم تغييراً في النظام بأيّ شكل، كما أنّ الجماعة نفسها وباقي التيارات ترى وتروج منذ أعوام بأنّ النظام ينطلق في سياسته تجاههم من منطلق العداء للإسلام، ولذلك فهم يرون الصراع من جانبهم كذلك صفرياً لا بدّ أن يزول أحد أطرافه، وهذا الأمر أيضاً يمثل سبباً يمكن من خلاله تفسير مواقف وممارسات الجماعة، ومن بينها موقفها الحالي من توظيف الأحداث في غزة لصالح تصفية حساباتها مع النظام في مصر.

لكن في حقيقة الأمر يعكس هذا السلوك الذي نتحدث عنه، وهو توظيف الأحداث، نظرة الجماعة الضيقة وتفكيرها البراغماتي الذي يجعلها لا تفكر سوى في مصلحة التنظيم فقط، دون الاهتمام بمصالح كبرى أهمّ من ذلك، فالأحداث التي نعيشها وآثارها لا تقتصر على غزة أو فلسطين وحدها، ولكنّها من الممكن جداً أن تمتد إلى نطاق أبعد من ذلك، سواء كان إقليمياً أو دولياً، ومصر تُعدّ من بين الدول التي تمثل هذه الأحداث لها تهديداً مباشراً بحكم موقعها الجغرافي، ومن المفترض أن يكون ظرف كهذا سبباً لتجاوز الخلافات والاصطفاف، أو على الأقل نسيان الصراعات الداخلية، ولو بشكل مؤقت، والتركيز في الخطر الخارجي الذي يهدد الدولة ككل، ولا يهدد نظاماً حاكماً أو تياراً دون آخر، لكنّها أزمة الإيديولوجيا الدينية التي ترى الصراع دائماً على أنّه بين الحق والباطل، أو بين الإسلام وأعدائه؛ الأمر الذي يعمّق الخلافات ويشعل الصراعات ويجعلها صراعات صفرية لا سبيل إلى حلها، حتى ولو على حساب الوطن.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية