أم كلثوم والحشيش والخيانة

أم كلثوم والحشيش والخيانة

أم كلثوم والحشيش والخيانة


12/03/2023

ناصر الحزيمي

في مدينة قم اجتمع السيد آية الله الخميني ( ت1989م) بالعاملين في الإذاعة وكان عنوان الدرس ((صفات النظام اللاديني ودور الإذاعة والتلفزيون في التربية)).

يقول السيد آية الله الخميني: ((... وعندما كان يذهب شبابنا إلى دور السينما مرة واثنتان وثلاثا فإنهم يعتادون على الجو الفاسد الموجود هناك والمناظر المخجلة والشيء نفسه ينطبق على برامج الإذاعة والتلفزيون أيضا، حتى الصحافة والمجلات كل هذه الوسائل تم تسخيرها لإفساد الشباب وانحطاطهم... )).
ثم قال ((...عليكم أخذ الأمور بجدية... ويجب أن تقدم الإذاعة والتلفزيون _ هاتان الوسيلتان اللتان من المفترض أن تكونا تعليميتين _ المنعة والقوة لشبابنا... يزعم البعض أنه إذا لم تقدم الإذاعة الغناء فإن الناس ستبحث عنه في مكان آخر، اتركوهم ليفعلوا ذلك، ولكن أنتم لا تلوثوا أيديكم به. فإذا كانت الإذاعة لا تبث الغناء، وراحوا يبحثون عنه في أماكن أخرى، فهل يعني هذا أن نقدم نحن الغناء لهم؟ أن نخون واجبنا؟ فهذا العمل خيانة للوطن، خيانة لشبابنا.
ولهذا عليكم منع بث الغناء بشكل كامل ،ووضع شيء آخر تعليمي.))
من عاش في تلك الفترة يدرك معنى أن من يخونه السيد آية الله الخميني أحد أو طائفة أو سلوك يأخذ زخما إعلاميا وتوجيها غير مباشر للشارع في إيران.

وفي تاريخ 6/3/1980م نشرت إحدى الصحف الخليجية ((صحيفة القبس الكويتية)) خبرا يقول نصه (( ... من المقرر أن تمثل المغنية الإيرانية الشهيرة كوكوش وعدد من الفنانين الإيرانيين أمام محكمة ثورية بتهمة إشاعة الفساد في الأرض. وجاء في أمر أصدره قاضي الشرع محمد كيلاني... أن على المغنية كوكوش وأخرى تدعى رهايده وعدد من مقدمي البرامج الإذاعية والتلفزيونية سابقا والممثلين والممثلات تسليم أنفسهم إلى مقر المحكمة في "سجن أدين" وجاء في القرار أن هؤلاء إن لم يسلموا أنفسهم فإن أوامر ستصدر بإلقاء القبض عليهم)) قد يقول أحدهم إن هذه الأحداث حدثت في إيران بعيدا عنا والحقيقة أن فتاوى السيد آية الله الخميني وسلوكه وسلوك أتباعه الثوري أوجد حالة من المنافسة على التشدد الديني السني المنافس التاريخي للتشدد الديني الشيعي والذي يمثله ويقوده السيد آية الله الخميني، في تلك الفترة لم تكن كثير من القضايا المتشددة تؤخذ على محمل الجد قبل سنة 1979م، ولنأخذ مثالا على ذلك بعد هزيمة 1967م التي أطلق عليها النكسة كتب الشاعر اليساري نجيب سرور مقالة يتهم فيها المطربة الكبيرة أم كلثوم بأنها هي سبب النكسة لأنها كانت تخدر الشعب بغنائها وتتالت هذه النوعية من المقالات في أدبيات اليسار وهو رأي مشهور بين اليساريين، يذكر محمود السعدني حوارا لشيوعيين دار في قهوة إيزافتش حول ذلك في كتاب (ملاعيب الولد الشقي) فيقول: ((... وانتقل النقاش بسرعة إلى جهل الشعب... فالشعب يحب أم كلثوم مع أنها في الحقيقة عميلة للرأسمالية والإقطاع... وأغانيها هي أفيون الشعب الذي يخدره ويفقده الإحساس بمشكلاته...)).
وتلقفها منهم شاعر الإخوان المسلمين يوسف العظم فكتب قصيدة ((خدريهم يا كوكب الشرق)) وقد نشرت أولا في ديوانه ((السلام الهزيل)) ثم نشرت في أول عدد من مجلة الشهاب لسان حال الجماعة الإسلامية في لبنان (الإخوان المسلمين ) بتاريخ ((1/8/1971م)).

في عام1977م صدرت مجموعة قصصية اسمها ((حتى لا يضيع الدحان)) للروائي والصحفي إحسان عبد القدوس
((... ولكنها منقسمة إلى غرز.. كل غرزة لها أعضاء يخدمون بعضهم بعضا في سبيل... وكانت ليلة من ليالي أم كلثوم وهي الليلة التي يزدهر فيها الحشيش ويرتفع ثمنه ويصل إلى قمته...)).

هنا يذكر لإحسان عبد القدوس حالة من الحراك التجاري المحرم مرتبطة بمناسبة غناء أم كلثوم الشهري المحددة في ليلة أول خميس من كل شهر.
ويعزز هذا الكلام ما نشر في مجلة ((آخر ساعة)) في تحقيق نشر في 8/6/ 1966م العدد 1650 وكان عنوانه 200 حشاش يتكلمون بصراحة، وأشاروا جميعا إلى أن عادتهم أن يتناولو الحشيش في حفلات أم كلثوم وفي الأعياد.

ما أردت قوله أن موضوع الغناء في فترة السبعينات لم يكن مطروحا في باب الحلال والحرام، إلا قليلا ولم يتفاعل طرح موضوعه إلا بعد سنة 1979م أي في بدايات الجهاد الأفغاني واستقرار السيد الخميني في الحكم في هذه الفترة بدأ تيار "الصحوة" ينظم صفوفه بعد أن كان ارتجالي التدين والسلوك وأصبح يتماهى عن غير قصد مع ما يحدث في إيران من تشدد، وأكثر أدبيات المحرمات وأصبح الأصل في الأشياء المنع والكراهة بعد أن كان الأصل في الأشياء الإباحة ودخل الغناء في دائرة ما ينهى عنه كمنكر وكان قبل ذلك لا ينكر كمنكر لاختلاف العلماء في حله وتحريمه وكانوا يأخذون بقاعدة ((عدم الإنكار في مسائل الخلاف)) وهي قاعدة فقهية معروفة ومشتهرة أما بعد عام 1979م فقد تولى حراك التدين الشعبي العامة (الصحوة) فغلب الحماس والاندفاع على الفقه وحورب الغناء بشتى الطرق.

لهذا قلت الأصوات الجديدة عندنا في هذه الفترة وكثرت كتيبات تحريم الغناء وجمد قسم الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون بعد نشاطه الملحوظ في الموسيقى، ثم استبدل اسم هذا القسم إلى قسم الإنشاد ليس على الورق فقط وإنما استبدلت لوحة قسم الموسيقى إلى قسم الإنشاد ولذلك حديث آخر.
وما ذكرته هنا ما هو إلا مثال من حالات كثيرة.

عن "العربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية