أمريكا تفكر لبنانياً: كيف سينقذ الغاز المصري دولة فاشلة؟

أمريكا تفكر لبنانياً: كيف سينقذ الغاز المصري دولة فاشلة؟


26/12/2021

العقبات التي تترافق مع وصول الغاز الطبيعي إلى لبنان تزداد يوماً بعد يوم، وأسباب ذلك سياسية، أكثر منها فنية، فثمة قناعة لدى المجتمع الدولي، وبخاصة الفاعلين في الشأن اللبناني أنّ وصول الغاز إلى لبنان سيساعد اقتصاده من بلوغ الانهيار المبرم، لكنّ ذلك يتعين أن يسير بموازاة إصلاحات سياسية جذرية وعميقة.

الانسداد في الآفاق اللبنانية آخذ في الإحكام، فالحكومة اللبنانية لم تجتمع منذ فترة طويلة، والسبب هو التنمّر الواضح الذي يمارسه حزب الله وحلفاؤه ضد الحكومة والمجتمع، وأيضاً ضد الإرادة الدولية، حيث دمّر هذا التحالف مصداقية لبنان، وأشعل الحرائق في علاقته بدول الخليج التي تعد أهم الرئات الاقتصادية للبنان.

اقرأ أيضاً: المشكلات تلتف على عنق لبنان: عيد الميلاد كضحكة في مأتم

وليس ما يجري في هذا للبلد، الذي تشير الأرقام إلى سوداوية مستقبله الاقتصادي، بمعزل عن ممارسات حزب الله، المدعوم بلا هوادة من إيران، في كل الملفات في المنطقة وأكثرها التهاباً الملف اليمني، حيث يساهم حزب الله في تدريب الحوثيين وتسليحهم لشنّ حرب ضارية ضد المملكة العربية السعودية التي تمثل بالنسبة للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله العدو رقم واحد في المنطقة والعالم.

حزب الله وحلفاؤه

التقديرات أنّ أي إجراء لدعم الاقتصاد اللبناني لا يتعين أن يُستثمر لمصلحة حزب الله وحلفائه، لاسيما قبيل الانتخابات المقررة في آذار (مارس) المقبل. وبما أنّ السياسة لا تعترف إلا بالمصالح، فإنّ على اللبنانيين قبيل الذهاب إلى موعد الاقتراع أن يصلوا إلى قناعة راسخة بأنّ مآسي لبنان سببها حزب الله وارتهانه المطلق والكلي لنظام الولي الفقيه في طهران، وتدميره الممنهج للدولة اللبنانية لإضعافها والسيطرة عليها، ثم عبثه المكشوف في ساحات عربية كسوريا والعراق اليمن، وأيضاً الكويت والبحرين، وسواهما من دول خليجية، تهديماً لمبدأ النأي عن النفس والحياد الإيجابي.

العقبات التي تترافق مع وصول الغاز الطبيعي إلى لبنان تزداد يوماً بعد يوم

وفي هذا السياق، شدّد البطريرك الماروني بشارة الراعي في رسالة عيد الميلاد، الجمعة، على أنّ أهل السلطة في لبنان يغرقون في صراعاتهم، ويسعون وراء الحيل والتسويات والمساومات للانتقام من بعضهم، ويعملون على تأجيل الانتخابات النيابية والرئاسية عن موعدها الدستوري ضد مصلحة لبنان وشعبه. وأعرب عن أمله في استعادة النظام الديموقراطي في البلد، لكون اللبنانيين يعيشون منذ سنوات في حالة اللا نظام. كما دعا إلى استرداد الدولة "التي نعيش تحت سقفها، وهي تعيش خارج شرعيتها ودستورها وميثاقها وتخضع لفرض إرادة أحَديّة عمداً على المؤسّسات الدستوريّة حتى تكبيلها وتعطيلها".

الانسداد في الآفاق اللبنانية آخذ في الإحكام، فالحكومة لم تجتمع منذ فترة طويلة، والسبب هو التنمّر الواضح الذي يمارسه حزب الله وحلفاؤه ضد الحكومة والمجتمع، وضد الإرادة الدولية

وأكد الراعي أنّ إنقاذ لبنان واللبنانيين مدخله الحياد الإيجابي، لافتاً إلى أنه سلّم الأمين العام للأمم المتحدة مذكرة شددت على الحياد والمؤتمر الدولي الخاص لإنقاذ لبنان.

الراعي قال في رسالته: "مرّة أخرى نكرّر أنّ باب الإنقاذ والخلاص الوحيد هو إعلان حياد لبنان الإيجابيّ الناشط، تنفيذاً للميثاق الوطنيّ الرافض تحويل لبنان مقرّاً أو ممرّاً لأيّ وجود أجنبيّ، وحمايةً للشراكة والوحدة وإفساحاً في المجال لحسن تحقيق دور لبنان".

"كيف تُنقذ دولة فاشلة؟"

من جهته، ذكّر المعلق السياسي اللبناني منير الربيع بتصريحات أمريكية وصفت لبنان بأنه "دولة فاشلة"، وتساءل: كيف تُنقذ دولة فاشلة؟

 

اقرأ أيضاً: حزب الله يبدد الأجواء الإيجابية لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان.. ماذا فعل؟

يقول الربيع في موقع "المدن" بأنه لم يكن إصدار واشنطن موقف من هذا النوع أمراً عادياً، ولا يمكن التعاطي معه باستخفاف. فالمجتمع الدولي يتجه نحو التعامل مع لبنان بوصفه دولة فاشلة. والأسئلة الدولية المطروحة تنطلق من الفكرة التالية: لا يمكن ضخ مبالغ مالية طائلة إلى لبنان، قبل إصلاح نظامه السياسي ومؤسساته. وتقوم السياسة الدولية حالياً على نسج علاقات مع أطراف عدة، لكن ذلك يصعب أن تنقذ البلد من الانهيار.

ويتجدد هذا النقاش الخارجي، وَفق الربيع، على وقع توسع البحث في كيفية رفد لبنان بمقومات البقاء أو الحياة، ومن أبسطها الكهرباء التي أعلن الأمريكيون مسبقاً عن استعدادهم السماح في إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إليه. ولكن ذلك لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من ضرب موعد نهاية السنة الحالية لزيادة ساعات التغذية الكهربائية، وهذا لم يحصل. لذا ضُرب موعد جديد: الربع الثاني من سنة 2022. وحسبما أشارت التقديرات يُفترض وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية في أواخر شهر آذار (مارس) المقبل، لكن ذلك غير مضمون حتى الآن.

صعوبات جدية جداً

وتشير مصادر متابعة على صلة بالإدارة الأمريكية، إلى صعوبات جدية جداً تحول دون السماح بنقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا. وتقول هذه المصادر: "حتى الآن لم تنجح الإدارة الأمريكية في الحصول على استثناء قانوني يطمئن الدولة المصرية لجهة عدم تعرضها إلى عقوبات، في حال ضخها الغاز إلى سوريا ليصل إلى لبنان، أو ليبقى في سوريا مقابل نقل غاز سوري يستفيد منه لبنان في زيادة ساعات التغذية الكهربائية". ولم يصل إلى نتيجةٍ بعدُ فريق القانونيين الذي يعمل في واشنطن على إعداد دراسة قانونية تسمح بتمرير الغاز المصري إلى لبنان.

 

إقرأ أيضاً: حزب الله إذ يساعد ماكرون كي يصبح "بطل لبنان الخارق"

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأسبوع الماضي عن أعضاء في مجلس الأمن القومي قولهم إنّ "إدارة بايدن لم تعد تعارض بنشاط جهود الشركاء العرب لاستعادة العلاقات مع دمشق، ويبدو أن المسؤولين من البلدان العربية الشريكة وصلتهم هذه الرسالة أيضاً".

 وقالت "واشنطن بوست" إنه خلال الحملة الرئاسية الامريكية وعد مستشار بايدن حينها أنتوني بلينكن وهو وزير الخارجية الاميركية الآن، علناً بإنفاذ قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، وحتى الآن لم تنفذ إدارة بايدن القانون مطلقاً، ومع ذلك لا تزال وزارة الخارجية تصر على أن هذه سياسة أمريكية.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ فريق بايدن "لم يفعل شيئاً لمعارضة مشروع خط أنابيب غاز إقليمي جديد من شأنه أن يجلب الطاقة إلى لبنان عبر سوريا"، وقالت: "بدلاً من التهديد بفرض عقوبات أو التفكير في طرق بديلة لمساعدة لبنان، دافع مسؤولو الإدارة الأمريكية بشكل خاص عن المشروع".

سوريا تريد حصتها

وبحسب موقع "مدى مصر" فقد أبلغ وزير الطاقة والموارد المائية اللبناني وليد فياض، وزير البترول المصري بأنّ سوريا تطالب بزيادة حصتها من رسوم العبور العينية نظير استخدام البنية التحتية لخط الأنابيب الذي يمر عبر أراضيها.

وردت مصر على ذلك بأنّ البنك الدولي، الذي سيكون الممول الأول لنقل الغاز إلى لبنان وإجراء أعمال الإصلاح اللازمة لخط الأنابيب، لن يوافق على زيادة رسوم العبور لسوريا.

وزير الطاقة المصري: الاتفاق بين لبنان ومصر لن تقل مدته عن الـ 10 سنوات، ونتكلم اليوم مع الأطراف الدولية المعنية بهذا الملف حتى لا نقع في مفاجآت مستقبلاً

وفي تصريحات متصلة بتطورات ملف الغاز المصري إلى لبنان، قال وزير الطاقة المصري، طارق الملا، إنّ وصول الغاز الطبيعي إلى لبنان ينتظر بعض الإجراءات السياسية لإتمام تنفيذ الصفقة، متوقعاً وصوله خلال الربع الأول من العام المقبل.

وخلال تصريحات تلفزيونية، على قناة MBC مصر، الجمعة ، تحدّث الوزير المصري عن العقبات التي تقف في طريق توصيل الغاز إلى لبنان، وعن الموقف الأمريكي حيال العملية.

وأشار الملا إلى أنّ خط أنابيب توصيل الغاز يخضع حالياً لإصلاحات فنية بالنظر إلى حالته، وأضاف بهذا الصدد، "المسألة إجرائية، وفي ظل إجازات الأعياد الحالية نتوقع وصوله خلال الربع الأول من العام المقبل".

وأكد الملا أنّ الإدارة الأمريكية تدعم هذه العملية، وقال، "تتواصل الاتصالات. نحن بانتظار بعض الإجراءات السياسية".

 

اقرأ أيضاً: مؤتمر دولي مقبل يكشف أسرار علاقة حزب الله بعصابات أمريكا اللاتينية

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أفاد وزير الطاقة المصري، بأنّ بلاده تتوقع تصدير 60 إلى 65 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً إلى لبنان بحلول أوائل العام المقبل.

وأعلن وزراء الطاقة في لبنان وسوريا والأردن خلال اجتماعهم في العاصمة الأردنية عمّان، في 28 من تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، عن توصلهم إلى صيغة نهائية لتبادل الطاقة الكهربائية التي ستزوّد لبنان باحتياجاته.

خط الغاز العربي

وسيجري نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر خط أنابيب عربي أنشئ قبل نحو 20 عاماً، ومعروف باسم "خط الغاز العربي"، ويبلغ طول خط الغاز 320 كيلومتراً من الحدود الأردنية إلى الريان وسط سوريا، بقُطر 36 إنشاً، واستطاعة نقل عشرة مليارات متر مكعب سنوياً، ويبلغ طول الخط باتجاه لبنان من الريان إلى الدبوسية نحو 65 كيلومتراً، وقطر 24 إنشاً، ويمتد داخل الأراضي اللبنانية إلى محطة "دير عمار" بنحو 36 كيلومتراً.

 

اقرأ أيضاً: ألمانيا تواصل ملاحقة كل ما يمت بصلة لحزب الله اللبناني

ومنذ أشهر، يعاني لبنان شحاً في الوقود، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن المنازل والمؤسسات لساعات طويلة، فضلاً عن إغلاق معظم محطات المحروقات.

وتعد أزمة الوقود في لبنان أحد أبرز انعكاسات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019، والتي تسببت بانهيار مالي وعدم وفرة النقد الأجنبي الكافي لاستيراد الوقود.

وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط"، في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي، أنّ المسؤول الأمريكي عن ملف الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، لعب دوراً رئيسياً في إقناع القاهرة بالموافقة على مد خط الغاز إلى لبنان، للتخفيف من أزمة الوقود والكهرباء الخانقة التي يعيشها.

وأكد وزير الطاقة المصري وجود "مراسلات طيبة" مع واشنطن في هذا الإطار، مشيراً إلى أنّ "مصر ولبنان يدرسان مجموعة من الحلول المتعلقة بإصلاح قطاع الكهرباء".

اقرأ أيضاً: خطة عون للتخلص من اللاجئين في لبنان: سوريا آمنة

وأعلن أنّ "القاهرة ستكون موجودة في الخطوة الأولى للانفراجة في مجال الكهرباء ضمن التعاون بين البلدين، إذ سيبدأ ضخ الغاز المصري لتشغيل المحطات، كاشفاً أنّ "أعياد الميلاد ورأس السنة قد تؤخر لمدة قصيرة، إكمال إجراءات تصدير الغاز المصري إلى لبنان، ما يعني أنّ بدء ضخ الغاز سيكون في مستهل العام 2022 المقبل".

عدم خرق قانون قيصر

وذكر الوزير المصري، أنّ "الاتفاق الغازي بين لبنان ومصر لن تقل مدته عن الـ 10 سنوات"، وقال: "نتكلم اليوم مع الأطراف الدولية المعنية بهذا الملف حتى لا نقع في مفاجآت مستقبلاً، وفيما نحاول التأكد من عدم خرق قانون قيصر".

وقال جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة وعضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية، إنه كان هناك طموحات بدأت في عام 2000 لدى مصر بدفع كميات الغاز المنتجة عبر المتوسط لخدمة الاقتصاد اللبناني بالدرجة الأولى.

وأوضح في تصريح لـ"العربية" أنّ الاقتصاد اللبناني سيستفيد من الغاز المصري لتوليد الكهرباء وعمل المصانع.

وأشار إلى أنّ مصر لديها بنية تحتية قوية لتسييل الغاز الطبيعي، واستخدامه، فلديها محطتان لإسالة الغاز، و11 مجمعاً للبتروكيماويات و21 مصنعاً للأسمدة.

وأوضح أن الدولة المصرية تطمح أن يكون لديها قيمة مضافة من فائض الغاز، في الوقت الذي تلتزم فيه بالاتفاقيات مع دول الجوار.

وذكر أيضاً أنّ مصر سيكون لديها متسع من زيادة قيمة المضافة من الغاز، ليس فقط بضخه، ولكن في الصناعات الملحقة به، فتسعى مصر إلى أن تكون ضمن الدول التي تحتكر صناعة تسييل الغاز الطبيعي وعددها الآن ست دول تسيطر على سوق حجمه 1.6 تريليون دولار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية