
الأذرع الإخوانية لم تكن خيرية أو تطوعية، بقدر ما كانت أدوات استثمارية وتعبوية تخدم البنية الاقتصادية والسياسية للجماعة، أدوات تخفي وراءها منظومة تمويل ضخمة في كل الدول التي تواجدت بها جماعة الإخوان كمصر والأردن وغيرها، ترتكز على الجمعيات والمراكز الطبية والمدارس والمشروعات الصغيرة.
ويواصل الأردن ملاحقة أموال جماعة الإخوان المسلمين بعد أن حظرها بتفعيل قرار قضائي سابق، لكنّ هذه الملاحقة واجهت الكثير من العقبات، وأهمّها أنّ الجماعة كانت تعتمد على مبدأ تسجيل أصولها وأموالها غير المنقولة بأسماء قادتها تحسبًا لأيّ تحرك رسمي ضدها.
ووفق التقديرات الرسمية التي حصلت عليها (حفريات) من مصادر خاصة فإنّ مؤسسات رسمية ستضع يدها قريبًا على ممتلكات وعقارات بملايين الدنانير، وإنّ حجمها سيكون صادمًا على الصعيدين المحلي والدولي.
وفي السياق حذّرت لجنة حل جمعية جماعة الإخوان المسلمين المنحلة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية من ملاحقة الأشخاص الذين يحتفظون بأملاك تعود للجماعة بتهم غسل الأموال وتهم قانونية أخرى.
وأوضحت اللجنة في بيانها الصادر أمس أنّ جميع الأفراد الذين يمتلكون أو يحتفظون بأموال منقولة أو غير منقولة تعود للجمعية المنحلة، سواء كانت مسجلة بأسمائهم أو تم نقل ملكيتها إليهم، أو أبرموا عقودًا معها مثل عقود الإيجار والاستئجار، ولم يقوموا بتسوية أوضاعهم قبل انتهاء المهلة المحددة، سيواجهون المساءلة القانونية، وفق ما نقلت وكالة الأنباء (بترا).
وأكدت اللجنة أنّ هناك متابعة دقيقة لبعض الممتلكات والأموال التي لم يتم الإفصاح عنها، والتي انتقلت إلى أشخاص عبر الجمعية المنحلة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الوراثة. وكانت وزارة التنمية الاجتماعية قد منحت مهلة حتى 14 أيار (مايو) 2025 للمتخلفين عن تسوية أوضاعهم لمراجعة اللجنة، مع ضرورة تقديم الوثائق والمستندات المطلوبة تحت طائلة المسؤولية القانونية.
وتأتي هذه الإجراءات استنادًا إلى قرار لجنة الحل الذي يستند إلى حكم محكمة التمييز الصادر في 10 شباط (فبراير) 2020، والذي قضى بأنّ جمعية جماعة الإخوان المسلمين تُعتبر منحلة، لتؤول جميع ممتلكات الجمعية المنحلة إلى صندوق دعم الجمعيات التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، وفقًا لأحكام المادة (25) من قانون الجمعيات النافذ.
التحقيقات الجارية خلف الكواليس حول أموال وممتلكات الجمعية كشفت معلومات جديدة تشير إلى وجود أموال لم يُفصح عنها بعد، وهذه المرة بحوزة أفراد، لا مؤسسات.
ويوضح الإنذار الثاني الذي وجهته الحكومة الأردنية خلال أقل من (10) أيام من الإنذار الأول عدة تطورات بالملف، وهي أنّ التحقيقات الجارية خلف الكواليس حول أموال وممتلكات الجمعية، كشفت معلومات جديدة تشير إلى وجود أموال لم يُفصح عنها بعد، وهذه المرة بحوزة أفراد، لا مؤسسات، أمّا التطور الثاني، فهو وصول التحقيقات إلى قناعات حاسمة، مدعومة بقرار سياسي يقضي بإتمام السيطرة على كامل النفوذ المالي للجماعة، بهدف منع عودتها أو تواصلها داخل المجتمع، وفق ما نقلت صحيفة (أخبار 24).
هذا، وتوقع الكاتب الصحفي البارز حسين الرواشدة أنّ قيادات الإخوان لم ولن تفصح عن الأموال والممتلكات المسجلة بأسمائها والعائدة، أصلًا، إلى الجمعية المنحلة، لافتًا إلى أنّه حتى الآن لم يصدر أيّ إعلان عن قيادة الجماعة بقبول قرار الحظر والامتثال له.
وبحسب الرواشدة في مقالة نشرها عبر صحيفة (الدستور)، فإنّه لم يبادر أيّ عضو لإبلاغ لجنة الحل بأيّ ممتلكات للجماعة مسجلة باسمه.
في المقابل، تطوع بعض الأعضاء السابقين بالجماعة وغيرهم لتقديم ما لديهم من معلومات حول الموضوع، وقد تمكنت الجهات الرسمية أيضًا من استقصاء شبكة تمويل وممتلكات مرتبطة بالتنظيم، تبدو -وفق بعض المعلومات- ضخمة وغير متوقعة، كما أنّها وضعت يدها على خيوط التمويلات والتحويلات المالية ومصادرها، وما زال حبل التحقيقات والتحريات حول "من أين لكم هذا؟"، على الجرار.
وأضاف الرواشدة: "إنّ لدى الجماعة، التي هي جزء من التنظيم الدولي، شبكة علاقات ممتدة، واستثمارات داخلية وخارجية، إضافة إلى مموّلين كثيرين، ومعظم ذلك يتم عبر قنوات شخصية لا يمكن ضبطها بسهولة، لكنّ الصحيح، أيضًا الوثائق التي تمّت مصادرتها من مكتب الجماعة حين تم دمغه بالشمع الأحمر (2016)، ثم الأخرى التي جرى ضبطها، خلال الأسابيع الماضية، تشير إلى أنّ "إمبراطورية" المال والأعمال التابعة للجماعة تم تفكيكها، ومن المرجح أن يخضع كل من يتهرب من الإفصاح عمّا لديه من ممتلكات للإجراءات القانونية، كما أعلنت عن ذلك لجنة الحل التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية.
وأكد الكاتب الصحفي الأردني أنّ حظر الجماعة سيتخذ لاحقاً ما يلزم من إجراءات قانونية لاستكماله ماليًا وسياسيًا وأمنيًا.
من جهته، قال عضو مجلس الأعيان الأردني الدكتور غازي الذنيبات: إنّ جميع أموال الجماعة المنحلة، سواء كانت عقارات أو أرصدة بنكية، تُعتبر أموالًا عامة، والاعتداء عليها يُعدّ اعتداءً على المال العام.
وأوضح الذنيبات في حديثه عبر قناة (رؤيا) أنّ إخفاء الأموال بهدف اعتبارها غير مشروعة يحقق أركان جريمة غسل الأموال، وفي حال كان المحتفظ بها محاسبًا أو مديرًا ماليًا، فإنّ الجريمة تُعدّ اختلاسًا، وإذا تمّت السيطرة على الأموال دون علم الجماعة، فإنّها تُعدّ سرقة.
غازي الذنيبات: "جميع أموال الجماعة المنحلة، سواء كانت عقارات أو أرصدة بنكية، تُعتبر أموالًا عامة".
وأكد الذنيبات أنّ العقوبة والوصف القانوني يختلفان بحسب موقع الشخص والفعل الذي ارتكبه، مشددًا على أنّ الحل الأنسب هو تسليم الأموال للجنة حل الجمعية لتحويلها للجمعيات الخيرية.
وأوضح أنّ العقارات التي كانت مؤجرة يمكن للمستأجرين ترتيب أوضاعهم مع اللجنة للاستمرار في التأجير ودفع الإيجار للجنة مباشرة.
بدوره، أشار رئيس اللجنة القانونية النيابية الدكتور مصطفى العماوي إلى وجود قرارات قضائية وإدارية ووثائق رسمية تثبت كيفية دخول الأموال وتملكها، وكذلك الجهات التي بحوزتها تلك الأموال، ممّا يجعل الأمور واضحة قانونيًا.
وأكد أنّ أيّ شخص يستطيع إثبات ملكية خاصة لعقارات بحوزته، فإنّ اللجنة لن تصادرها، داعيًا إلى تطبيق القانون.
وقد حظر الأردن في 23 نيسان (أبريل) الماضي كافة نشاطات "جماعة الإخوان المسلمين"، واعتبرها جمعية غير مشروعة، وأن أيّ نشاط مرتبط بها يُعتبرعملًا مخالفًا لأحكام القانون، وبات الانتساب إلى (جماعة الإخوان) أمرًا محظورًا، وقرّر مصادرة أملاكها، وهذا القرار جاء بعد أن كشفت السلطات خلايا مسلحة تابعة للإخوان كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني، وإثارة الفوضى، وكانت تصنع الأسلحة والصواريخ وطائرات الدرون، وترتب لاستهداف مقرات أمنية في البلاد.