أردوغان يواصل متاجرته بالدين ويطالب المسلمين بمقاطعة المنتجات الفرنسيّة

أردوغان يواصل متاجرته بالدين ويطالب المسلمين بمقاطعة المنتجات الفرنسيّة


29/10/2020

لطالما أتقن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العزف على أوتار المشاعر الدينية لدى المسلمين حول العالم، حتى صار البعض منهم لا يراه إلّا نبياً جديداً، وفي كلّ معركة سياسية تسمح له بالعزف على هذا الوتر، لكسب التأييد الشعبي، لا يتهاون في ذلك؛ بل يتمادى لدرجة تشكيكه في إيمان من لا يؤيدون قرارته أو يحذون حذوها.

الليرة التركية تهاوت ليصل سعر الدولار الواحد إلى 8 ليرات، وهي كارثة اقتصادية بكلّ ما للكلمة من معنى، بينما ينشغل الرئيس بتدخلاته العسكرية في عدّة دول

وانطلاقاً من هذا النهج المعتاد، طالب أردوغان شعبه، ومسلمي العالم، الإثنين الماضي، بمقاطعة المنتجات الفرنسية، رداً على ما سمّاه أردوغان، إساءات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للنبي محمّد، فهل حقاً انتفض أردوغان لأسباب دينية، أم إنّ ما يحدث ليس سوى استكمال لمناكفات تركية تجري رحاها في المتوسط؟

أردوغان... تاريخ من الغزوات

عام 2005؛ نشرت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية، رسوماً مسيئة للنبي محمد، ما أشعل غضب المسلمين حول العالم، ودفع قادة بعض الدول الإسلامية للإعلان عن رفضهم، استجابة لتظاهرات شعبية في العديد من البلدان الإسلامية، أمّا الرئيس التركي، والذي كان حينها رئيساً للوزراء، فقد تعدّدت تصريحاته في خطابات شعبوية بين الناس، حول رفضه لهذه الرسوم، وحديثه عن حرية الصحافة التي لا يجب أن تصل إلى هذا الحدّ.

كان أردوغان وقتها طامحاً لكرسي الحكم، يحاول بناء رصيد في الداخل الإسلامي، كرجل مؤمن يراعي قيم الإٍسلام، أمّا في الخارج؛ فكان يغازل الاتحاد الأوروبي الطامح في عضويته، والذي أنهى مفاوضات بدأها عام 2004، لاستئناف النقاش حول عضوية تركيا، لكنها آلت إلى الرفض مجدداً، وكان هذا أحد أهم دوافع أردوغان لمناكفة الأوربيين، التي تجدّدت مرّة أخرى، في نيسان (أبريل) عام 2009، حين رفضت تركيا، انتخاب رئيس الوزراء الدنماركي، آندرس فوغ راسموسين، لرئاسة حلف شمال الأطلسي.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد التركي ينهار... هذا مخرج أردوغان الوحيد

برّر أردوغان رفضه، بأنّ راسموسين آخر شخص يمكن أن يجد طريقاً للحوار مع العالم الإسلامي، وأشارت وسائل الإعلام وقتها إلى أنّ هذا استكمالاً لهجومه على الدنمارك، بذريعة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، لكنّ السبب الحقيقي كان الرفض المتواصل لعضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. وفي العام نفسه؛ وجد الرئيس غزوة أخرى يخوضها باسم الإسلام، كانت في هجومه على الصين، وما يعانيه مسلمو الإيغور من تمييز ضدّهم، من قبل السلطات الحاكمة، استهّل أردوغان غزوته ضدّ الصين قائلاً: إنّ "الأحداث في الصين هي ببساطة إبادة جماعية"، وفتح المعابر الحدودية أمام لاجئيهم، وأصبحت تركيا ملاذاً آمناً لهم، وفي عام 2010، تمّ توقيع اتفاقية لتسليم المجرمين بين الصين وتركيا، استطاع أردوغان بمقتضاها، تسليم المئات من لاجئي الإيغور إلى الصين مرة أخرى، حتّى اختفت تصريحات الرئيس التركي عن الانتهاكات، واستُبدلت بالحديث عن الاستثمارات الصينية في تركيا؛ حيث صرّح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، جودت يلماز، مطلع العام الماضي، بعزم بلاده على زيادة حجم التبادل التجاري مع الصين، وذلك في ظلّ ما تواجهه تركيا مؤخراً من توترات سياسية في علاقاتها مع كلّ من الاتّحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل إخراج مرتزقة أردوغان مرهون بنتائج الانتخابات الأمريكية؟

وأعرب يلماز عن طموح بلاده إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين في المرحلة الأولى إلى 50 مليار دولار، مقابل نحو 26 مليار دولار، بزيادة قدرها 92%، ورأى أنّ هذا من محفزات الاقتصاد التركي، الذي يعاني إخفاقاً كبيراً في الآونة الأخيرة، بحسب ما أوردت صحيفة "زمان" التركية.

تاجر دين برداء سياسي

أثبت الرئيس التركي، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ تجارة بالدين يمكنها أن تتّسع للجميع، حتى لو كان حاكماً في القرن الحادي والعشرين.

دشّن أردوغان حملته الانتخابية للرئاسة، عام 2014، بكلمات تضمنّت اسم النبي محمد  باللغة العربية، ما أثار حفيظة الأحزاب التركيّة المعارضة، منددين بهذا الشعار، باعتباره متاجرة بالدين ومحاولة لأسلمة المجتمع التركيّ، ثم صعّد أشكال متاجرته بالدين، حين أعلن عن عملية عسكرية، في الشمال السوري، العام الماضي، تحت اسم "نبع السلام"، وأطلق على جنودها اسم "الجيش المحمّدي"، ما أثار حفيظة المعارضة التركية، وعدة دول إقليمية، لكنها كانت خدعة لتجييش أنصاره ضدّ المعترضين على عملية إبادة عرقية للأكراد؛ حيث كانت نبع السلام العملية الثالثة لتركيا في سوريا، منذ اندلاع النزاع المسلح، الذي جيّش من أجله أردوغان كلّ فصائل الإرهاب، ودعمها بالمال والسلاح.

اقرأ أيضاً: هل يدافع أردوغان عن الإسلام؟

جاءت المحطة قبل الأخيرة لغزوات الرئيس، وذلك بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، منتصف العام الجاري، في خطوة استفزّت العديد من المؤسسات الدولية، والبلدان الأوروبية والعربية، وبحسب الكاتب التركي والمحلل السياسي، تورغوت أوغلو، فإنّ ما فعله أردوغان في آيا صوفيا، كان من أجل شعبيته التي انهارت في الآونة الأخيرة، بحسب استطلاعات رأي تجريها عدّة مراكز بحثيّة، حيث تداعى التأييد الشعبي له، على أعتاب تدخلاته السافرة في سوريا وليبيا، بينما يتهاوى اقتصاد البلاد، وما يزال.

المحلل السياسي تورغوت أوغلو لـ "حفريات": لا يتوانى أردوغان عن استثمار طاقة البلاد في الأزمات بداية من افتعال حروب بالوكالة، وحتى إعلانه مقاطعة المنتجات الفرنسية

يتابع أوغلو، في تصريحه لـ "حفريات": "لا يتوانى أردوغان عن افتعال الأزمات، واستثمار طاقة البلاد، في أزمات داخلية وخارجية، بداية من افتعال حروب بالوكالة، وحتى إعلانه مقاطعة المنتجات الفرنسية، وكلّها دعايات يحاول بها الرئيس صرف أنظار الشعب عن الأزمة الداخلية، الآخذة في التفاقم، دون اتخاذ أية إجراءات جادّة لوقف النزيف الاقتصادي، والانهيار الاجتماعي الذي تعانيه تركيا، فاليوم تهاوت الليرة ليصل سعر الدولار الواحد إلى 8 ليرات، وهي كارثة اقتصادية بكلّ ما للكلمة من معنى، بينما ينشغل الرئيس بتدخلاته العسكرية في عدّة دول، وتنهال تهديدات الاتحاد الأوروبي بعقوبات على البلاد، وكذلك الولايات المتحدة، بينما لا يستطيع ضبط نفسه، لتفادي الدخول بتركيا إلى أزمة أكثر عنفاً". 

المعركة نفطيّة وليست دينيّة

يقف كلّ من الرئيس التركي، والرئيس الفرنسي، على أعتاب انتخابات رئاسية قادمة، أمّا أردوغان، فيواجه أزمة اقتصادية وإقليمية، ورفضاً دولياً، بسبب تعدياته في المتوسط، وحروبه الخارجية، وعن إيمانويل ماكرون؛ فهو يعلم جيداً أنّ قمعه لحركة السترات الصفراء لن يمرّ مرور الكرام؛ إذ يواجه منافسته الشرسة، مارين لوبين، وهي من أكبر رؤوس اليمين المتطرف، الذي يملأ الإعلام الفرنسي، بحديثه عن أسلمة المجتمع، ودور المهاجرين في تفاقم الفقر، والاغتراب الذي يعانيه المواطن في ظلّ خفوت قيم الجمهورية الفرنسية.

 لذلك فإنّ الحديث عن معركة دينية بين الإسلام والعلمانية، لا مجال له، بحسب الباحث السوري سلام الكواكبي، في حديث صحفي مع شبكة "دويتشه فيلله" الألمانية؛ إذ يرى أنّ ماكرون قد اخترق قيَم الجمهورية بحديثه عن الإسلام، فالدستور الفرنسي يجرّم حديثه، ويمنع خلطه الدين بالسياسة، وأردوغان كذلك ينقضّ على قيم العلمانية التركية، بادّعائه الدفاع عن الدين، وحقيقة الأمر أنّ المعركة سياسية بحتة، ينجرّ خلفها المؤمنون دون إدراك الحقائق الكاملة.

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين

منذ بدايات العام الجاري، تتصاعد الأزمة الدبلوماسية، بين فرنسا وتركيا، بسبب تدخلاتها في ليبيا، التي آلت إلى تعدّيات على شرق المتوسط، على الحدود البحرية اليونانية؛ إذ تقف فرنسا إلى جانب اليونان في تلك الأزمة؛ حيث احتدم الصراع بعد أن أعلنت تركيا اعتزام شركاتها البدء في استخدام النفط الليبي، بموجب عقود مبرمة مع حكومة الوفاق الليبية، ومثّل هذا القرار لفرنسا أزمة اقتصادية، خاصة بمصالح شركتها الرئيسة في ليبيا "توتال"، وكانت آخر محطاتها مطالبة الرئيس التركي مواطنيه بمقاطعة المنتجات الفرنسية، غيرة على الدين ونبيّه، دون أن يعلم أنّ هناك من يدرك الحقائق خلف دعاياته الدينية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية