آبي أحمد علي .. من "الإرهاب الأحمر" إلى السلام الأخضر

آبي أحمد علي .. من "الإرهاب الأحمر" إلى السلام الأخضر


24/06/2018

بمجرد أن أنهى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي أمس خطاباً أمام الآلاف من أنصاره في العاصمة أديس أبابا، وقع انفجار نُقل إثره على الفور من الموقع، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 165 آخرين، ونقلت وكالة "رويترز" عن شهود عيان قولهم إنّ "الانفجار وقع نتيجة لقنبلة يدوية ألقاها شخص على المنصة حيث كان يلقي رئيس الوزراء خطابه".

لم يلبث أن وجّه آبي أحمد كلمة أذاعها التلفزيون الرسمي أكد فيها أنّ الانفجار أسفر عن "قتلى ومصابين"، واصفاً إياه بأنّه "محاولة فاشلة من القوى التي لا تريد لإثيوبيا أن تتحد"، لتلقي هذه الحادثة الضوء على التحديات التي يواجهها السياسي الشاب (42 عاماً) في بداية مسيرته في سدة الحكم بعد مسيرة عاصفة من التحولات التي شهدتها بلاده، ليكون أول مسلم يتقلد رئاسة الوزراء خلفاً للمستقيل هيلي ميريام ديسالين الذي أطاحت به احتجاجات عارمة.

بين ربوع أروميا

يقولون: "لا بلدة في منطقة (جيما) الواقعة في إقليم (أروميا) الأثيوبي،  تماثل (أغارو) خضرة وبهاءً وثروة وهواءً مُنعشاً"، وهنا تضرب سلالة الشيخ الميسور أحمد علي والمُزارِع الثري، عميقاً جداً. وهنا تزوج الرجل مثنى وثلاث ورباع، وأنجب زهاء سبعة عشر ولداً وبنتاً، لكن الرابعة كانت مختلفة حيث تزوج بامرأة أرومية مسيحية جميلة تدعى "تيزيتا ولدي"، وهذا أمر معتاد في تلك الفجاج من الدنيا.

ألقت محاولة اغتياله الضوء على التحديات التي يواجهها السياسي الشاب في بداية مسيرته في سدة الحكم

كان العام 1967، بُعيد سنتين من سيطرة الضباط الماركسيين على السلطة في إثيوبيا مميزاً بالنسبة لأسر الشيخ أحمد علي؛ إذ أهدته رابعته طفله الثالث عشر  فاتفقا على تسميته "آبيوت" أي (الثورة) باللغة الأرومية، وظل يحمل هذا الاسم خلال طفولته كلها، إلى أن استقر وأسرته على اسمه الراهن (آبي) المُختزل من اسم الطفولة، وكأن والديه كانا يتنبآن ببعض ملامح مستقبله؛ إذ  انضم الرجل في سني مراهقته إلى حركة المقاومة ضد نظام منغستو هايلي ماريام تحت لواء منظمة (الإرهاب الأحمر).

المتمرد الشاب

خاض آبي أحمد مع رفاقه في المنظمة قتالاً شرساً ضد نظام الجنرال منغستو، وعملوا دونما هوادة على إسقاطه وانضموا من أجل ذلك إلى  تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الأثيوبية (الإهودق)، بقيادة جبهة تحرير تيغراي المعروفة بـ (ويَّاني) التي كان يرأسها حينها، رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي، وجبهة تحرير الأمهرا ومنظمات ثورية مقاتلة أخرى من جنوب وغرب إثيوبيا، حيث استطاع التحالف إطاحة الحكومة القائمة حينها (1991)، وتسنم مقاليد السلطة في البلد الأفريقي الكبير.

لاحقًا أسس مع بعض رفاقه المنظمة الديمقراطية لشعوب أروميا، واستقطبوا إليها الكثير من الثوار السابقين والمدنيين الأروميين، لتكون إحدى أذرع حكومة التحالف الجديدة في أديس أبابا.

خاض آبي أحمد مع رفاقه قتالاً شرساً ضد نظام الجنرال منغستو وعملوا دونما هوادة على إسقاطه

رأى آبي أحمد عاصمة بلاده لأول مرة في العام 1991، حين دخلها  (فاتحاً) ضمن الجيش الثوري للتحالف، لكن سرعان ما غادرها إلى منطقة (ولغا الغربية) لتلقي تدريب عسكري مُنظم في قطاع المخابرات والاتصالات، ضمن  كتيبة (أسيفا)، وظل متمركزاً هناك وقتاً ليس بالقصير، وأظهر مهارات فذة في جمع المعلومات واستخدام التقنيات الحديثة في إدارتها وفرزها وتحليلها، ما جعل رؤساءه يبتعثونه مُجدداً إلى العاصمة ليلتحق بجامعتها دون أن يتخلى عن عمله كضابط مخابرات بارز.

نال آبي أحمد  بكالوريوس في هندسة الحاسوب من جامعة أديس أبابا (2001)، ثم حاز على ماجستير الحاسوب من الولايات المتحدة (2005) وماجستير إدارة الأعمال من بريطانيا (2013)، ودكتوراه في دراسات الأمن والسلام موضوعها "النزاعات المحلية في البلاد" من جامعة أديس أبابا 2017، ووصل إلى رتبة كولونيل (عقيد) في المخابرات الأثيوبية.  

ما بين المخابرات والأكاديميا

مسلحاً بخبرات عسكرية وأمنية وأكاديمية وسياسية وروح تواقة للحرية ومؤمنة بإثيوبيا ديمقراطية وعظيمة، مضى آبي أحمد علي مشتغلاً على تطوير قدراته القيادية والخطابية، فتعلم لغة الأقلية الحاكمة (التيغري) من زملائه في الجيش فأجادها إجادة تامة، بجانب لغته الأم الأرومية، ولغته الثانية الأمهرية.

ارتبط الضابط الشاب الطموح بزميلته في المخابرات من قومية (الأمهرا) "زيناش تياتشيو" بعد قصة حب هادئة، فأنجبا ثلاث بنات، وفي تلك الأثناء عين رئيساً للمخابرات الأثيوبية (آي إن إس إيه)، رغم أنه لم يترك العمل السياسي ضمن منظمة أورومو الديمقراطية الشعبية، حيث صعد نجمه إلى أن انتخب عضواً برلمانياً عنها في العام 2010 متخلياً عن وظيفته العسكرية، وفي العام 2016، شغل منصب وزير الاتحاد للعلوم والتكنولوجيا، لكنه سرعان ما تركه مفضلًا العمل الحزبي ليعود إلى مسقط رأسه "أوروميا" رئيساً لمنظمة أورومو الديمقراطية الشعبية.

رأى آبي أحمد عاصمة بلاده لأول مرة العام 1991 حين دخلها  فاتحاً ضمن الجيش الثوري للتحالف

لم تمهل الأحداث العاصفة التي شهدها إقليم أروميا آبي أحمد فسحة ليتنفس هواء موطنه العليل بهدوء؛ حيث وجد نفسه في قلب نزاع عنيف بين أبناء جلدته والحكومة المركزية على خلفية الاستيلاء غير المشروع على أراضي الأورمو الخصبة التي خلّفت آلاف القتلى والجرحى، فعمل جنباً إلى جنب مع الأطراف المتنازعة لوضع حلول ناجعة للأزمة، مستفيداً من خبراته الأكاديمية والعملية الكبيرة في المخابرات، وفض النزاعات التي اكتسبها في الداخل من خلال عمله ودراسته وفي الخارج؛ حيث كان عضواً ضمن بعثة السلام الأممية إلى رواندا العام 1994 في أعقاب المذابح التي اجتاحتها، وفاعلاً أثناء النزاع الحدودي بين بلاده وأريتريا بين عامي 1998- 2000 ، حيث كان رئيساً لفريق المخابرات الموكلة إليه مهمة استطلاع مواقع الجيش الإريتيري في الجبهات الأمامية للقتال، والتخطيط لاقتحام الخنادق والتحصينات، ولربما ذلك ما دعاه فور تسميته رئيساً للوزراء إلى دعوة جارته للتفاوض لحلحلة المشكلات العالقة بينهما ونيته الانسحاب من الأراضي الإرتيرية التي احتلتها بلاده أثناء الحرب.

رجل الليبرالية الهادئة

ليس الأستاذ الجامعي الإثيوبي "سيوم تيشوم" وحده، من وصف آبي أحمد "بأنه يتمتع بمقبولية كبيرة بين أحزاب المعارضة، ويمتلك إرادة قوية وكاريزما ومصداقية عظيمتين"، فالمخابرات الأمريكية "سي آي أيه" قالت أكثر من ذلك، بمجرد اختياره رئيساً للائتلاف الحاكم خلفاً لرئيس الوزراء السابق هايلي ماريام ديسالين وصفته بالليبرالي ذي الخلفية المخابراتية، قائلة: "إنه يتفق مع السياسة الأمريكية في الكثير من الآراء والتوجهات".

ومنذ أدائه اليمين الدستورية في  2 نيسان (أبريل) 2018، أرسل الرجل رسائل إيجابية عديدة إلى الداخل الأثيوبي وإلى جيرانه ومحيطة الأقليمي؛ حيث  زار إقليم "الصومال" (جنوب شرق)، وإقليم "الأرومو" (جنوب)، وإقليمي "تيغراي والأمهرا" (شمال) وخاطب الجماهير بلغاتها المحلية، الأمر الذي ترك أثراً نفسياً إيجابياً عميقاً، ولم يكتف بذلك بل دعا أحزاب المعارضة إلى مأدبة عشاء في القصر الرئاسي، وتحاور معها حول مختلف القضايا مبدياً رغبة حكومته للعمل مع المعارضة لتعزيز مبدأ التعددية الحزبية.

منذ أدائه اليمين الدستورية قبل 3 أشهر بعث الرجل رسائل إيجابية عديدة داخلياً وخارجياً

فيما زار خارجياً، كلاً من جيبوتي ومصر والسودان والسعودية والإمارات والصومال، ونجح في تهدئة التوتر مع جارته إرتيريا عندما أعلن نية بلاده الانسحاب من الأراضي الإرتيرية التي احتلتها إبان حربهما الضروس فحصل  على رد فعل إيجابي من نظام شديد الانغلاق وبطيء في ردود الأفعال، عندما أعلن الرئيس الإريتري الأسبوع الماضي عن عزمه إرسال وفد إلى أديس أبابا للتفاوض بخصوص مبادرة آبي أحمد، فيما أقنع الأخير طرفي النزاع في جنوب السودان الرئيس سلفاكير ونائبه وخصمه اللدود ريك مشار بالتفاوض المباشر في العاصمة أديس أبابا؛ إذ يتوقع أن يقبلا خطته للسلام.

مسابقة الزمن

ثلاثة أشهر فقط، وليس ثلاثين عاماً، منذ تسنمه رئاسة الوزارة في إثيوبيا، بدا فيها آبي أحمد وكأنه يسابق الوقت ليفعل أموراً مفيدة لبلاده والجوار، فقد أقسم أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنّ بلاده لا تنوي الإضرار بمصالح مصر المائية، وتبادلا الضحكات والقفشات أمام كاميرات التلفزة، وعاد إلى بلاده وبرفقته سجناء إثيوبيين أفرجت عنهم السلطات المصرية، وهذا ما حدث لدى عودته من السعودية، فيما دعمته الإمارات بثلاثة مليارات دولار لسد الفجوة المالية في موازنة بلاده، فيما وقع مع السودان والصومال اتفاقيات استحوذت بموجبها أثيوبيا على حصص في موانئ البلدين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية