رمضان وتهذيب النفوس

رمضان وتهذيب النفوس

رمضان وتهذيب النفوس


16/03/2025

محمد عبدالرحمن الضويني

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه، وبعد،

فإن التربية الإسلامية تربية علمية عملية ذات أسس أخلاقية وحضارية، تعمل على تهذيب النفوس، وزرع الفضائل ومكارم الأخلاق فى أفراد المجتمع.

وإنه سهل على الإنسان أن يتعرف ما هى الفضيلة معرفة نظرية، وإنما العسر فى أخذ النفس بها، والسير فى معاملة الناس على قانونها، وهذ يرجع إلى أمراض النفس من الغل والحقد والحسد والعجب والرياء والكبر وحب الأذى، التى قد تطغى فتطمس على البصائر، وتحول وجهتها إلى طريق الرذائل والانحراف الأخلاقي، والمرء الذى يصاب بهذه الأمراض لا يمكث أن ينحط فى الإثم، وينبذ الأدب الحميد والعمل الرشيد وراء ظهره.

وإن صيام رمضان فرصة عظيمة لتهذيب النفس وكبح شهواتها،وتربيتهاعلى الفضائل،وتطهيرهامن مفاسدها وزيغها وأدرانها، وتحريرها من قيد المنافع المادية والأغراض الشخصية، والترقِّى بها فى طموحات أرحب وأعلى.

وإن المسلم المجاهد فى إصلاح نفسه، الحريص على تقويم سلوكه، والراغب فى رضا ربه، ليجد فى  صيام هذا الشهر الكريم بغيته، وفى مقاصده متعته؛حيث يساعده على التغلُّب على نفسه الأمَّارة بالسوء،التى دائمًا تدعوه لانتهاك المحرَّمات، والإقبال على الشهوات، يكسر حدة شهوته،ويضعف مجارى الشيطان وتسلطه عليه.

إن الصوم يسمو بالنفس الإنسانيّة من الناحية الخُلُقيّة؛لينال صاحبها مرتبة الصائم القائم، قال النبيّ ﷺ: (إنَّ المؤمنَ ليُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصَّائمِ القائمِ)[ أخرجه أبو داود]، كما يعمل على تقوية إرادة المسلم، إذ يُعلّمه القدرة على ضبط نفسه، ومقاومة رغباتها،خاصة والنفوس فى هذا الشهر الكريم تترفع عن الشهوات وفعل المنكرات، وهذا من آثار التقوى التى هى المقصد الأسمى من الصوم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقر: 183].وقال الإمام الغزالي-رحمه الله- عن الصوم الذى تتحقق فيه التقوى- الثمرة المرجوة من الصوم- إنه كف الجوارح عن الآثام، وتمامُه بستة أمور:غض البصر وكفه عن الاتساع فى النظر إلى كل ما يُذم ويُكره، وحفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفُحش والجفاء والخصومة والمِراء، وكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه..، وكف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار، وأن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه، وأن يكون قلبُه بعد الإفطار معلقًا مضطربًا بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدرى أيُقبل صومُه فهو من المقربين، أو يُرد عليه فهو من الممقوتين).

إن من الواجب علينا أن نبحث عن أمراض وعلل نفوسنا؛ حتى نعرف طريق علاجها، فنخفف مرضًا أو سلوكًا سيئًا لو خلينا سبيله لسرى إلى المجتمع، وعاق تقدمنا وسمونا الروحى والأخلاقى.

إن الصوم يُهذّب النفس الإنسانيّة، ويمنعها من البطر، ويصدها عن الطغيان، ويكفها عن الشهوات، وله أثرٌ واضحٌ فى وقاية المسلم من الوقوع فى الشهوات،أو اقتراف المحرمات؛ إذ يمتنع العبد عن الوقوع فيما يُغضب الله تعالى،ويلزم الطاعات والأعمال الصالحة.

وختامًا: فإن الصوم مدرسة إيمانية عملية تزكى النفس وتمدها بطاقة روحية كبيرة، تقوى صلة الصائم بربه، وتصفى قلبه بشكل يجعله طَيِّعًا للخيرـ،مُبتعدًا عن الشر، وهو فرصة لتربية النفس، وتقويم مواضع الاعوجاج فيها،وفرصة لكل منا أن يبدأ فى البحث عن خطة عملية، يتصارح فيه مع نفسه،يحدد أمراضها، ويبحث عن العلاج الحاسم لها؛ خاصة وشهر رمضان يفرغ على كثير منا صبغة الإنابة والرجوع إلى الله تعالى،ويجعل المسلم يُقبل بنفس واعية على تلمس أسباب الخير المفضية إلى رضا الله تعالى.

اليوم السابع




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية