
مع إعلان حركة طالبان شن هجوم واسع على وادي بانشير، آخر منطقة خارجة عن سيطرتها في أفغانستان، أكد قائد "جبهة المقاومة الوطنية" في بانشير، أحمد مسعود، إنه يأمل في إجراء محادثات مع الحركة، لكنه شدد في الوقت ذاته على أنّ قواته "مستعدة لقتال" الحركة الأصولية التي أحكمت سيطرتها على معظم مناطق البلاد بسرعة كبيرة.
وقد انطلقت بالفعل يوم أمس الأحد، قافلة لطالبان باتجاه الوادي الواقع تحت سطوة نجل أحمد شاه مسعود، بطل الحرب الأفغانية السوفياتية في ثمانينيات القرن المنصرم، وأمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني.
ونشر حساب يحمل اسم "الإمارة الإسلامية"، وهو الحساب الرسمي لطالبان، مقطعاً مصوراً أظهر رتلاً من الشاحنات التي تم الاستيلاء عليها وعليها علم طالبان الأبيض، لكنها لا تزال تحمل علامات على أنها حكومية، أثناء تحركها على طريق سريع، وأُرفق بتعليق جاء فيه: "مئات من مجاهدي الإمارة الإسلامية يتوجهون نحو ولاية بانشير للسيطرة عليها، بعد رفض مسؤولي الولاية المحليين تسليمها بشكل سلمي".
مئات من مجاهدي #الإمارة_الإسلامية يتوجهون نحو ولاية #بنجشير للسيطرة عليها، بعد رفض مسئولي الولاية المحليين تسليمها بشكل سلمي. pic.twitter.com/FwAYBZeopq
— الإمارة الإسلامية (@alemara_ar) August 22, 2021
من جانبه، أعرب أحمد مسعود، عن أمله في إجراء محادثات سلمية مع الحركة التي سيطرت على كابل، الأسبوع الماضي، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنّ قواته مستعدة للقتال.
ومن معقله في إقليم وادي بانشير، قال مسعود لوكالة "رويترز"، الأحد: "نريد من طالبان أن تدرك أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو المفاوضات...لا نريد اندلاع حرب".
أحمد مسعود هو نجل أحمد شاه مسعود، أحد القادة الرئيسيين للمقاومة الأفغانية المناهضة للسوفييت في الثمانينيات
وتابع مسعود، إنّ مؤيديه مستعدون للقتال إذا حاولت طالبان غزو إقليمهم، وأوضح: "يريدون أن يدافعوا، يقاتلوا، يريدون أن يقاوموا أي نظام شمولي".
والتقطت وكالة "فرانس برس" صوراً تظهر عشرات المجنّدين يجرون تدريبات اللياقة الروتينية، ومجموعة من عربات الهامفي تشق طريقها عبر الوادي.
فمن هو أحمد مسعود؟
أحمد مسعود (32 عاماً) هو نجل أحمد شاه مسعود، أحد القادة الرئيسيين للمقاومة الأفغانية المناهضة للسوفييت في الثمانينيات.
ولاقى أحمد شاه مسعود حتفه قبل أيام من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001 في الولايات المتحدة، على يد مسلحي تنظيم القاعدة الذين وجدوا ملاذاً في أفغانستان تحت حكم طالبان، لكن اسمه ما يزال له مكانته في أفغانستان وأنحاء العالم.
وقد اعتبر بطلاً قومياً بموجب مرسوم رئاسي في 2019 وإن كانت قوات "أسد بانشير" تركت ذكريات متضاربة لدى سكان كابول الذين علقوا، مطلع تسعينيات القرن الماضي، في القتال بين المجاهدين المتنافسين.
ويقود أحمد مسعود، الذي تخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية المرموقة، حزباً سياسياً اسمه "جبهة المقاومة".
والإثنين الماضي، نشر مقالاً في المجلة الفرنسية "لا ريغل دو جو" التي أسسها الكاتب برنار هنري ليفي، أكد فيه أنه يريد أن يجعل معركة والده "حربه". ودعا الأفغان إلى الانضمام إليه "في معقلنا في بانشير وهي آخر منطقة حرة في بلدنا المحتضر".
مم تتألف قوات مسعود؟
إلى جانب القوات الخاصة الأفغانية وميليشيا محلية، يجمع مسعود في الإقليم متطوعين مدنيين، ووحدات من الجيش النظامي، حيث أشار إلى أن جنود الجيش الأفغاني "الغاضبين من استسلام قادتهم" وكذلك بعض أعضاء القوات الخاصة الأفغانية، انتقلوا إلى بانشير.
ودعا مسعود إلى تشكيل حكومة شاملة ذات قاعدة عريضة في كابول تمثل كل الطوائف العرقية المختلفة في أفغانستان قائلاً إنّ "النظام الشمولي" لا ينبغي أن يعترف به المجتمع الدولي.
ووفق أحد مساعدي مسعود، فإنّ عدد المقاتلين المرابطين في وادي بانشير يزيد على 6 آلاف مقاتل، يحتاجون إلى دعم دولي إذا تعلق الأمر بالقتال، موضحاً أنهم أتوا من جميع أنحاء أفغانستان.
أعرب أحمد مسعود، عن أمله في إجراء محادثات سلمية مع الحركة التي سيطرت على كابول، الأسبوع الماضي، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنّ قواته مستعدة للقتال
وقال مسعود: "هناك كثيرون من أقاليم كثيرة أخرى يسعون للجوء إلى وادي بانشير. إنهم يقفون معنا ولا يريدون القبول بهوية أخرى لأفغانستان".
وصرح المتحدث باسم "جبهة المقاومة الوطنية" على ميسم نظري لـ "فرانس برس" في مقابلة أن الجبهة مستعدة "لصراع طويل الأمد" لكنها ما تزال تسعى للتفاوض مع طالبان حول حكومة شاملة.
وقال نظري إنّ "شرط اتفاق السلام مع طالبان هو اللامركزية وهو نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع".
ما جدوى هذه المقاومة؟
ورغم البوادر الإيجابية التي ظهرت بعد تمكن مقاتلي مسعود من مواجهة مقاتلي طالبان وطردهم من 3 مناطق شمالية، في أول هجوم ضد المتشددين الإسلاميين منذ سيطرتهم على الحكومة، فضلاً عن الرمزية القتالية التي يتمتع بها الوادي المليء بهياكل الدبابات السوفييتية المدمرة، يرى خبراء في شأن المقاومة الأفغانية، أن مقاومة مسعود نتيجتها غير مؤكدة بالمرة، خصوصاً حال عدم حصولها على دعم عسكري جريء من الدول الغربية المناوئة لطالبان.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن قادة محليين مناهضين لطالبان زعمهم، في مقابلات، إنهم قتلوا 30 من مقاتلي الحركة، وأسروا 20 آخرين أثناء الاستيلاء على مناطق في مقاطعة بغلان التي تبعد نحو 170 كم شمال العاصمة.
وعبر الإنترنت تداول مستخدمون صور الاحتفالات، حيث رفع أفغان العلم الوطني الأسود والأحمر والأخضر، بدلاً من علم طالبان الأبيض، فوق المباني الحكومية.
وقال صديق الله شجاع (28 عاماً) وهو جندي أفغاني سابق، شارك في القتال الجمعة: "ما دمنا على قيد الحياة، لن نقبل بحكم طالبان"، وفق ما أورد موقع الحرة.
وفق أحد مساعدي مسعود، فإن عدد المقاتلين المرابطين في وادي بانشير يزيد على 6 آلاف مقاتل، يحتاجون إلى دعم دولي إذا تعلق الأمر بالقتال، موضحاً أنهم أتوا من جميع أنحاء أفغانستان
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الأولى "بانتيون سوربون" جيل دورونسورو المتخصص في أفغانستان والذي صدر له كتاب عام 2021 بعنوان "حكومة أفغانستان العابرة للحدود الوطنية - هزيمة متوقعة"، يرى أنّ "المقاومة لا تزال شفهية في الوقت الحاضر لأن طالبان لم تحاول دخول بانشير".
وشدد الباحث الفرنسي على أنّ مشروع المقاومة "في طريق مسدود" على الصعيد العسكري مضيفاً "كل ما يتحتم على طالبان القيام به هو إحكام الحصار على بانشير ويكون الأمر قد قضي. لا حاجة حتى لدخول الوادي فعلياً".
ولفت عبد السيد الخبير السياسي في جامعة لوند في السويد إلى أنّ طالبان "تحاصر بانشير من كل جانب"، ما يجعلها صاحبة المبادرة في أي معركة قادمة هناك، سيما وأنّ الحركة قد اتخذت من "الحرب الخاطفة" استراتيجية لها خلال سيطرتها على أفغانستان في عدة أيام.
وأوضح دورونسورو أنّ "العلاقات بين أحمد مسعود وأمر الله صالح معقدة بعض الشيء، ثمة عدم تناغم بينهما منذ البداية". ورأى الباحث أنّ "أحمد مسعود ليس له موقع رسمي في النظام، إنه شخص لا يحظى بدعم قوي في أفغانستان خارج بانشير".
مشيراً إلى أنّ "مصالح سكان بانشير يدافع عنها سياسياً حالياً في كابول (رئيس الوزراء السابق) عبد الله عبد الله الذي يتفاوض مع طالبان، وأعمام مسعود الذين يتفاوضون في باكستان".
وتحدث الباحث الفرنسي عن الأهداف التي تسعى المقاومة إلى تحقيقها، متسائلاً "أهي التفاوض مع طالبان أم أننا نتحدث عن مقاومة مسلحة حقيقية؟"، وفق ما أوردت "فرانس برس".
ومن المحتمل أن تكون هذه المقاومة وسيلة لممارسة ضغط على المفاوضات في كابول من أجل الدفاع عن مصالح سكان بانشير، وحتى يصل عبد الله أو العائلة في وقت ما إلى اتفاق جيد مع طالبان.
من المحتمل أن تكون هذه المقاومة وسيلة لممارسة ضغط على المفاوضات في كابول من أجل الدفاع عن مصالح سكان بانشير، وحتى يصل عبد الله أو العائلة في وقت ما إلى اتفاق جيد مع طالبان
في المقابل، اعتبر أنّ صالح يعتمد منطقاً آخر لأنه "عدو شخصي لطالبان". لكن على الرغم من ذلك، لا يستبعد جيل دورونسورو أن يسعى للتفاوض مع النظام الجديد "لأنه يتحدث عن عملية سلام يفترض أن تكون جامعة أكثر".
في المقابل، رأى مقاتل فرنسي سابق، طلب عدم كشف اسمه، ويعرف المنطقة جيداً وقاتل في بانشير إلى جانب القائد أحمد شاه مسعود في أواخر التسعينيات، أن مسعود "لديه شبان وآليات ومروحيات وذخائر، إنه يستعد منذ أشهر"، ولو أنه يشاطر الباحث تحليله فيقول "لديهم الوسائل للحفاظ على المظاهر" والتحصن في الوادي، لكن هذا كل شيء، وفق تصريحات أدلى فيها لـ "فرانس برس".
ويبقى السؤال مطروحاً حول موقف جهات أجنبية قد تجد مصلحة في قيام مقاومة نشطة، سواء من منطلق تأييدهم لأسطورة شاه مسعود أو معارضتهم قيام نظام إسلامي متطرف في المنطقة.