الانتخابات اللبنانية ترسم الخريطة الجديدة لبلاد الأرز

لبنان

الانتخابات اللبنانية ترسم الخريطة الجديدة لبلاد الأرز


07/05/2018

توالى فرز النتائج النهائية للانتخابات التشريعية اللبنانية، منذ إغلاق الصناديق عصر أمس الأحد 6/5/2018، حيث أظهرت النتائج تحقيق تقدم من قبل الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل)، والقوات اللبنانية، مقابل تراجع تيار المستقبل، وتمكن التيار الوطني الحر من تحقيق تقدم طفيف، في حين لم يتمكن المجتمع المدني من تحقيق أي اختراقات مهمة.

تقدم الثنائي الشيعي وتراجع تيار المستقبل

أظهرت النتائج النهائية، غير الرسمية، تحقيق الثنائي الشيعي تقدماً؛ فحصد حزب الله ما مجموعه 14 مقعداً، في حين حصدت حركة أمل 16 مقعداً، كما أظهرت النتائج تحقيق حزب "القوات اللبنانية"، بقيادة سمير جعجع، تقدماً مهماً، وذلك بحصده 15 مقعداً، في حين تراجع تيار المستقبل، بقيادة سعد الحريري، ليتمكن من تحقيق 21 مقعداً، أما تكتل التغيير والإصلاح الممثل لـ "التيار الوطني الحر"، بقيادة جبران باسيل، فقد تمكن من تحقيق تقدم طفيف، حاصداً 27 مقعداً. وأما عن المجتمع المدني و"التحالف المدني" الذي شارك في الانتخابات بـ 9 لوائح انتخابية، والذي اعتبرت مشاركته بمثابة ظاهرة جديدة من نوعها في المشهد الانتخابي اللبناني، راهن عليها كثيرون، ورأوا فيها تعبيراً عن "رغبة الشباب بالتغيير"، فلم يتمكن هذا التحالف من تحقيق اختراقات مهمة، وكانت المفاجأة في تمكنه من تحقيق مقعدين في دائرة "بيروت الأولى".

أظهرت النتائج تحقيق تقدم من قبل الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل)

تراجع في نسبة المشاركة

وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات قد سجلت تراجعاً؛ حيث وصلت النسبة النهائية إلى 49.2%، ووصل عدد المقترعين نحو 1.8 مليون من أصل 3.7 مليون لبناني يحق لهم التصويت، لتتراجع بذلك عما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة عام 2009، حين وصلت النسبة إلى 54%، وتفاوتت نسب الانتخاب بين الدوائر الانتخابية المختلفة، فسجلت دائرة "بيروت الأولى" النسبة الأقل بنسبة مشاركة وصلت إلى 33%، في حين سجلت "الشمال الثانية"، النسبة الأعلى، بنسبة تصويت تجاوزت الـ 63%.

حصد حزب الله  14 مقعداً وحركة أمل 16 مقعداً وحزب "القوات اللبنانية" 15 مقعداً وتيار المستقبل 21 مقعداً

وعُزيَ تراجع نسبة الاقتراع إلى القانون الانتخابي الجديد الذي تم اعتماده، والذي يعتمد نظام القوائم النسبي، مع الصوت التفضيلي؛ حيث تم تشكيل 77 لائحة انتخابية، توزعت على 15 دائرة انتخابية. وجرت العادة أن يساهم قانون الانتخاب النسبي برفع نسبة الاقتراع، وهو ما كانت المفاجأة عدم حدوثه في الانتخابات اللبنانية الحالية. ويؤشر تراجع نسبة المشاركة على "عدم ثقة" جانب كبير من المواطنين اللبنانين بقدرة الانتخابات على إحداث تغيير حقيقي، إضافة إلى "ضعف الثقة" بالقيادات والطبقة السياسية الحاكمة.

القانون الانتخابي الجديد والتحالفات الهجينة

يقوم القانون الانتخابي الجديد على التصويت للائحة بأكملها دون اختيار مرشح بعينه منها، وهو ما ساهم في تراجع نسبة المشاركة بالانتخابات؛ خصوصاً أنّ معظم التحالفات التي تم تشكيلها كانت هجينة؛ لم يتم تشكيلها على أساس أيديولوجي أو برامجي، وإنما على أساس المصلحة، وبما يسمح لكل تيار أن يحقق أكبر عدد من المقاعد داخل الدائرة الانتخابية الواحدة، وهو ما أدى إلى إنتاج تحالفات انتخابية هجينة، لم تقنع الناخب؛ حيث يتحالف التياران مع بعضهما في دائرة، وضد بعضهما في دائرة أخرى.

وكان المجلس التشريعي السابق قد تم التجديد له ثلاث مرات منذ انتخابه العام 2009، إلى أن توافقت القوى السياسية اللبنانية على إعداد وصياغة القانون الإنتخابي الجديد، الذي هلّلت له في حينها، وهو ما يبدو الآن أن النتائج المرجوة له لم تتحقق.

تقدم الثنائي الشيعي

وأما عن أسباب تقدم حزب الله وحركة أمل، فقد رأى الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب بأنّ ذلك يعود إلى أنّ التحالفات والقوى السنية قد أكلت من أصوات بعضها البعض، وهو ما لم يحدث عند الجانب الشيعي، إضافة إلى أنّ نسبة الإقبال المتدنية على الاقتراع في المناطق المختلطة، سمحت للقوى الشيعية بالصعود وتحقيق تقدم في هذه المناطق.

 تراجع سعد الحريري باعتباره الزعيم السني الأوحد والأبرز

تراجع نموذج الزعيم السني

ومن أبرز النتائج التي حملتها وأظهرتها الانتخابات الحالية، تراجع سعد الحريري، باعتباره الزعيم الأوحد والأبرز، الذي يتمركز حوله الولاء السني، وذلك في ظلّ صعود شخصيات سنية أخرى، كان أبرزها نجيب ميقاتي، الذي شكل لائحة خاصة به في طرابلس.

تحالفات سياسية جديدة

كما كان المشهد الأبرز في الانتخابات الحالية هو الاختلاف التام لخريطة التحالفات عمّا كانت عليه في انتخابات العام 2009، حين كان الانقسام العمودي، المبني على أساس الاستقطاب بين قوى الـ 8 والـ 14 من آذار، هو المسيطر على المشهد، وهي المعادلة التي حكمت السياسة اللبنانية طوال 13 عاماً منذ حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري العام 2005.

سيطرت تحالفات جديدة في الانتخابات الحالية، قامت على أساس التعامل مع كل دائرة انتخابية باعتبارها جزيرة معزولة

ولكن هذا الاستقطاب بدأ بالتراجع منذ خروج وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار، قبل أن يتزعزع تماماً مع تبنّي سعد الحريري ترشيح غريمه التاريخي ميشال عون للرئاسة في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2016، إضافة إلى تصاعد الخلافات داخل قوى الثامن من آذار، مع وقوع التنافس بين ميشال عون وسليمان فرنجية على الرئاسة، فضلاً عن الخلافات بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، يضاف إلى ذلك التحالف بين سعد الحريري وجبران باسيل.

وقد سيطرت تحالفات جديدة في الانتخابات الحالية، قامت على أساس التعامل مع كل دائرة انتخابية باعتبارها جزيرة معزولة، لها تحالفاتها و معطياتها وظروفها الخاصة.

الاستقطاب بدأ بالتراجع منذ خروج وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار

ملامح المرحلة المقبلة

وأما عن ملامح المرحلة المقبلة ما بعد الانتخابات، فلا يتوقع أن تحصل تغييرات جذرية على المشهد السياسي؛ فالتوازنات في لبنان لا تسمح بسيطرة فئة على فئة، أو طائفة على أخرى، وستبقى المحاصصات القائمة وفق معادلة الطائف هي الحاكمة (الرئيس مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس البرلمان مسلم شيعي)، وسيكلف ميشال عون بتشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات؛ حيث سيبدأ جولة من المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية، ويتوقع أنّ التحالفات البرلمانية بعد الانتخابات ستكون شبيهة بالتحالفات الانتخابية الحاصلة اليوم، بمعنى أنّها ليس لها طابع أيديولوجي محدد بقدر ما هي قائمة على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية