كيف أفسد أردوغان العلاقات العربية التركية؟

كيف أفسد أردوغان العلاقات العربية التركية؟


05/01/2020

منذ قدوم حزب "العدالة والتنمية"، ذي المرجعية الإسلامية، للحكم في تركيا، والمنطقة العربية تشتعل فيها الصراعات، وتتمدّد فيها المشاريع الانفصالية، فتدخلات تركيا في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية فاقت كلّ حدّ، ربما يعود هذا لطبيعة أردوغان نفسه، الذي تتلبسه روح المنقذ للإسلام، والخليفة القادم الذي على يديه ستعود الخلافة.

اقرأ أيضاً: حماسة أردوغان للإخوان تظهره كقائد جديد للجماعة
جاء أردوغان، ومعه مشروع للسيطرة على الشرق الأوسط، لم يفصح عنه في حينه، لكنّه نفذ أجندته بدقة واحترافية، لم يفوّت أردوغان أية فرصة ليروّج في أوساط العرب والمسلمين أنّه أمل البسطاء، وأنّ تحقيق الحلم العربي والإسلامي والتنموي سيكون على يديه، ساعده في هذا تنظيم الإخوان المسلمين، الممتد في كثير من البلدان العربية والمسلمة؛ فالإخوان يتميزون بالقدرة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس والتأثير فيهم، لاستخدامهم وسيلة الحديث المباشر واللعب على سوء الأحوال الاقتصادية؛ لهذا تمكنوا من الترويج المزيف له، وجعلوه النصير الأوحد للقضية الفلسطينية، وأوّل قائد عربي يقف ضدّ الإسرائيليين.

منذ قدوم حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا والمنطقة العربية تشتعل فيها الصراعات

ولأسباب متعددة، ليست منها أيديولوجيته الإسلاموية (مع التحفظ)، فكاتب المقال لا يرى الإسلاموية أيديولوجية أساساً، هذه الأسباب جعلت أردوغان يسعى لتكوين محور إقليمي، يكون هو على رأسه، وتسانده الدول العربية، ليكون رأساً في الشرق بدلاً من أن يكون ذيلاً في الغرب؛ لهذا ساعد في تغيير الأنظمة الموجودة، وهي متهالكة بالفعل وتحتاج إلى إزالة لا شكّ، لكنّه حرص على أن تحلّ محلها أنظمة تابعة له، ولم يجد أفضل من الأنظمة التي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
قبل تغيير الأنظمة؛ حاول أردوغان إبراز دور تركيا إقليمياً، وتحسين صورتها في أذهان شعوب المنطقة، ومطاردة المشروع الإيراني، الذي أراد أن يتوغل كذلك في المنطقة، فبدأ بالقوى الناعمة لتقديم مشروعه، مثل: جمعيات رجال الأعمال، والتسهيلات الاقتصادية للسوق العربي، وأيضاً لا ننسى المسلسلات التركية (الاجتماعية)، لكن القوى الناعمة للمسلسلات الإيرانية (الدينية)، كانت الأكثر مشاهدة ومتابعة، فعمد إلى المسلسلات التاريخية، معتمداً في ذلك على التراث الحضاري والثقافي للدولة العثمانية، المتوغلة في أذهان شعوب المنطقة، ويلاحظ حرصهم على أن تكون هذه المسلسلات مدبلجة الصوت، وليست مترجمة، واختاروا اللهجة السورية لتكون معبرهم لقلب المواطن العربي البسيط، لتعزز التواصل الاجتماعي مع الأتراك، إضافة إلى تقديم التجربة الإقتصادية التركية مع حزب العدالة والتنمية، على أنّها نموذج تتطلع شعوب المنطقة لتحقيقه في بلدانها، ونتيجة لهذه الدعاية؛ صرّح أكثر من مرشح رئاسي في انتخابات دولة في حجم مصر أنه (أردوغان العرب).

اقرأ أيضاً: 3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة
اندلعت ثورات الربيع العربي، في أواخر عام 2010، وكانت البداية من تونس، ثم مصر، وامتدت إلى العديد من البلدان العربية، الأمر الذي فرض واقعاً جديداً على النظام الإقليمي والعالمي، وأعاد رسم العلاقات بين دول المنطقة، ورأت تركيا في ثورات الربيع العربي فرصة كبيرة لتمكين الفصيل التابع لها في الحكم؛ لذلك اتخذت مواقف إيجابية بشكل كبير من الثورات ودعمها، ودعم أيّ تنظيم يدين بالولاء لتركيا (أردوغان) للوصول إلى الحكم، فساعد الإخوان في الوصول للحكم في مصر وتونس وليبيا.

اقرأ أيضاً: "الأردوغانية" بدأت في إسطنبول فهل تنتهي فيها؟
ولعلنا نتذكر أنّه بعد نجاح الثورة المصرية، حاولت تركيا بناء علاقة إستراتيجية مع دولة ذات أهمية كبيرة مثل مصر، وكانت زيارة الرئيس التركي، عبد الله غول، هي أول زيارة لرئيس دولة إلى مصر ما بعد الثورة، في 3 آذار (مارس) 2011، كان الهدف هو تقديم تركيا نفسها باعتبارها راعية 25 يناير، ونصيرة الثوريين، فعندما التقى غول بقائد المجلس العسكري، المشير حسين طنطاوي، كانت محاور اللقاء طلبه من المشير طنطاوي الأخذ بعين الاعتبار مطالب الشباب الثوري، وطبعاً مفهوم أنّ المقصود هو السماح للإخوان بتولي الحكم.

قبل تغيير الأنظمة حاول أردوغان إبراز دور تركيا إقليمياً وتحسين صورتها في أذهان شعوب المنطقة

وكرّس جهوداً شديدة لإسقاط النظام في سوريا، ودعم الميليشيات العسكرية هناك، واستضاف قادة الإخوان المسلمين السوريين في تركيا، على أمل أن تتولى الجماعة الحكم بعد بشار الأسد، يعلم أردوغان أنّ الجيوش النظامية الوطنية هي العقبة الأكبر تجاه إقامة المشروع التركي الإقليمي.
بهذا عمل على هدم الجيوش الوطنية، عبر دعمه المباشر أو غير المباشر للميليشيات التي تحارب تلك الجيوش، كما في مصر وليبيا وسوريا، وللأسف نجح في تفكيك جزئي للجيش العربي السوري، وساهم في تفكيك جزئي للجيش اليمني، وساهم في تفكيك كلي للجيش الليبي، وغياب هذه الجيوش عن الساحة كان له الأثر السلبي على وحدة واستقلال تلك الأوطان العزيزة على قلوبنا، لم يكتفِ بهذا؛ بل دعا الإخوان في الدول التي لم يتمكن من هدم جيوشها إلى أن يقوموا بتشكيل تنظيم مسلّح موازٍ، يكون هدفه حماية الجماعة ضدّ أيّ انقلاب. 
كانت صدمة أردوغان عندما لم يتمكن من تحقيق حلمه باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، فقد فوجئ بفشل الإخوان في إدارة الحكم بمصر، وفشلهم في الحفاظ عليه، وفي الحفاظ على التنظيم، وأذهلته موجة الغضب الكبرى ضدّ الإسلاموية وضدّ الإخوان، هذه الثورات وضعت تركيا في خطر المواجهة تجاه الأنظمة الجديدة التي تولت الحكم بعد الإخوان، خصوصاً موقف تركيا من الثورة المصرية، في 30 حزيران (يونيو) 2013، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى توتر العلاقات بين مصر وتركيا، وإصرار تركيا على عدم الاعتراف بالثورة المصرية، وبالنظام الحاكم، ووسمه بالانقلاب في كلّ الأحاديث الرسمية.

كانت صدمة أردوغان عندما لم يتمكن من تحقيق حلمه باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية

نكاية في مصر؛ استقبلت تركيا (أردوغان) كلّ المطاردين من الإخوان المسلمين، وجعلت من نفسها منصة للتهكم والهجوم على الدولة المصرية والجيش الوطني المصري والشرطة المصرية؛ بل وعلى الشعب المؤيد للنظام المصري.
لم يكتفِ أردوغان بالتدخل الناعم في سياسيات البلدان العربية؛ بل أصبح عليه عبء إعادة رسم الخريطة السياسية، ولو بالقوة الخشنة، فقدم الدعم لكافة الميليشيات التي تحارب في الأرض السورية والأرض العراقية، وقدم العتاد اللازم للميليشيات المسلحة الموجودة في ليبيا.
كانت سياسات أردوغان، التي أنفق عليها المليارات، سبباً في عزلة تركيا عن الرافد الأقوى لها، وهي الدول العربية، لم تشهد تركيا حالة انحسار وحصار ومشاعر كراهية، كالتي تشهدها الآن، وفي نهايات عصر أردوغان.
فالعلاقة بين تركيا والعرب ظلت هادئة، ولم تصل إلى العداء أبداً، رغم مرور العلاقات المصرية التركية بالعديد من المراحل والتقلبات خلال العقود السابقة، إلا أنّ الحقبة الحالية تعدّ الأسوأ على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للمقاطعة أن توقف تدخلات أردوغان في الوطن العربي؟
فمع بداية تأسيس الجمهورية التركية، على يد مصطفى كمال أتاتورك، كانت العلاقة مع مصر فاترة، لكنها لم تكن متضاربة، ولم تصل للعداء، ومع انضمام تركيا لحلف الناتو (1952)، وحلف بغداد (1956)، أثّر هذا على طبيعة العلاقات التركية المصرية، وعندما اتخذت تركيا اختيارها بالتحالف مع المعسكر الغربي، كان من الطبيعي أن تتوتر العلاقة مع مصر (عبد الناصر)؛ الذي اختار أن يتحالف مع معسكر الاشتراكيين، لكنّ الأمور لم تصل إلى أن تتحول تركيا إلى عدو، أو إلى منصة عداء لمصر ولشعوب العرب، حتى عندما اختارت تركيا التحالف مع إسرائيل، وإقامة تعاون عسكري واقتصادي قائم إلى الآن، لم يرها العرب عدواً، لكن، للأسف الشديد، تحولت تركيا مع الإسلامويين إلى دولة تعادي وتحارب العرب، شركاءها في التاريخ، وتعادي وتحارب مناصريها القدامى، إنّ تركيا أردوغان خطر على العرب وعلى المسلمين وعلى الأتراك أنفسهم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية