إخوان ليبيا يتحسسون مصيرهم المشؤوم

إخوان ليبيا يتحسسون مصيرهم المشؤوم


30/01/2019

ميلاد عمر المزوغي

الإخوان المسلمون تنظيم عالمي يدير شؤونه بامتياز لم يكل او يمل على مدى الثمانين عاما، سعى جاهدا لاعتلاء السلطة لكنه لم يفلح حيث طورد من قبل انظمة الحكم انذاك وقبع بعض قادته في السجون لفترات مختلفة. اعتبر من التنظيمات غير الشرعية في العديد من الدول وعمل تحت الارض الى ان اتت الفرصة المناسبة رياح التغيير التي تضرب البلاد العربية فركبوا الموجة واعتلوها وتعاطفت الجماهير معهم فحصدوا بعض المقاعد البرلمانية وان لم يستحوذوا على الاغلبية ليبدءوا مرحلة جديدة من العمل السياسي.

لنتحدث عن "اخوان" ليبيا. فمنذ سقوط النظام ودخول البلد مرحلة العنف وعدم الاستقرار ظهر الاخوان بأجندتهم وكأنهم المنقذون لما تعانيه البلد من ازمات اقتصادية واجتماعية وما يخص شؤون الحكم. الجماهير الليبية بطبيعتها مسلمة مسالمة تتوجس التشدد والمغالاة في كل شيء بما فيها الامور الدينية. لم تكن الجماهير ميالة لما يطرحه الاخوان. ايقن الاخوان عدم تقبل الشارع الليبي لهم فعمدوا الى ترشيح بعض من اعضائهم على انهم مستقلون او هكذا ارادوا ايهام الجماهير لعلهم يتحصلون على بعض الاصوات التي تقذف بهم الى اعلى الهرم "البرلمان"، او ما اطلق عليه زورا وبهتانا "المؤتمر الوطني".

تفاجأ الاخوان بنتائج الانتخابات حيث لم يحصدوا من الاصوات كما حصد اخوانهم في مصر وتونس. فلم تؤهلهم المقاعد التي تحصلوا عليها على الفوز بتشكيل الحكومة. استمالوا بعض النواب الاخرين، لكنهم لم يتحصلوا على مبتغاهم فكان لزاما عليهم التوافق مع عدوهم اللدود بل يرونهم ملحدين على اقتسام مراكز القرار بالبلد فولدت الحكومة مشلولة يتجاذبها الطرفان كل الى حيث يريد. فكانت النتيجة شللا تاما يعم البلد في كافة المجالات. شكّل "الاخوان" ميليشيات مسلحة لحماية مصالحهم الذاتية ومحاولة فرض الامر الواقع وعدم التفريط بأي من "المكتسبات" التي تحصلوا عليها. حاولوا اخونة المؤسسات كما فعل اخوانهم المصريون. عاثت ميليشياتهم في العاصمة فسادا وكانت هناك مجزرة غرغور التي راح ضحيتها العديد من الابرياء العزل وذنبهم انهم طالبوا الميليشيات بالرحيل عن العاصمة، فحلت عليهم لعنة الجماهير ونزلوا الى الدرك الاسفل وسقطوا من عيون الناس، وسجلت المجزرة في يوميات الشعب الليبي.

في سبيل تعزيز دورهم السياسي وإبعاد عدوهم التقليدي - الليبراليين - ابتدعوا فكرة العزل السياسي على غرار تحصين الثورة في تونس واجتثاث البعث في العراق، فصدر عن المؤتمر العام قانون العزل السياسي بفعل قوة السلاح التي حاصرت كافة مرافق الدولة، فتم استبعاد كل من تولى مناصب عليا على مدى الاربعة عقود الماضية. إنها محاكمة وظيفة وليس محاكمة سلوك، خلت لهم الطريق وأصبحوا الناطقين باسم الشعب، ويقوّمون اعوجاجه ان ابدى استياء مما يقومون به، يتحمل الاخوان الجزء الاكبر من الفساد الذي يضرب اطنابه في كافة مؤسسات الدولة.

في7 فبراير 2014 انتهت صلاحية المؤتمر، خرجت الجماهير بكافة مناطق ليبيا مطالبة بحل المؤتمر. خرج علينا بعض الاخوان من يقول بأن من خرج يمثلون جزءا يسيرا من الشعب، ووعد بخروج اعداد هائلة مؤيدة للتمديد للمؤتمر. ان الاخوان لا يتكئون على مطالب الجماهير بل على ميليشياتهم التي يعتقدون انها ستبقيهم في السلطة. لعل الشيء الوحيد الذي انتجته الاحداث الدامية في ما يعرف ببلدان الربيع العربي هو ان الجماهير لم تعد تخاف الحكام الجدد وكل من يحاول التسلط على حسابها، فحالات الاغتيالات والخطف والسلب والنهب لم تتوقف يوما ولا تزال في ذاكرتها (الجماهير) التي لن تمحى بتصريح من هذا او ذاك. لقد وضعت الدول الغربية والإقليمية التي تدور في فلكها، ملصق (ستيكرsticker) على مُعلّبْ الاخوان (المغشوش) بتمديد صلاحيته لخمسة أعوام بالتمام والكمال تحت "لافتة" مجلس الدولة، التي بفعل هيمنتهم على المؤسسات لم تعد دولة.

منذ يومين اعلن رئيس مجلس الدولة خالد المشري انسحابه من تنظيم الإخوان لكنه مستمر في عمله الحزبي والسياسي! داعيا الى تماسك المجتمع الليبي والاندماج في العمل الوطني. تبعه عضو مؤسس بالجناح السياسي لتنظيم الاخوان (حزب العدالة والبناء) عن مدينة مرزق السنوسي محمود باعلان انسحابه ويتقدم بالاعتذار لكل من كان سببا في انضمامه للحزب، ولكل عضو حرية التصرف فيما يراه مناسبا. نتوقع ان يبادر آخرون بالاستقالة. ندرك ان هذه الاستقالات من التنظيم لم تأتِ نتيجة صحوة ضمير او التكفير عن الذنوب التي ارتكبها المعنيون بل ليقينهم التام بان مستقبلهم السياسي وربما الوجودي اصبح في خطر (خاصة في ظل تنامي موجة الكراهية محليا واحتمال فرض حظر على التنظيم دوليا)، وبالتالي السعي بكل الوسائل الى تغيير جلودهم كالحرباء. وما أخالهم بقادرين على التخفي، فقد بلغت جرائمهم حد لا يطاق بحيث يمكن التغاضي عنهم. 

ان اخوان ليبيا يعيشون خارج الزمان والمكان، سيجدون انفسهم يوما خارج التغطية وسيندمون على ما يفعلون ولكن حيث لا ينفع الندم. فالجماهير هي مصدر التشريع الوضعي وهي التي تذل من تشاء وتعز من تشاء وتجعل من تشاء (بفعل تصرفاته) صعلوكا متشردا بين الدول، او هباء تذروه الرياح فتلقي به في الوهاد "مزبلة التاريخ" والشواهد على ذلك كثيرة. لقد سنحت لهم الظروف لتولي زمام الأمور وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لكنهم وللأسف افسدوا الحرث والنسل وشوهوا الإسلام بتصرفاتهم الرعناء. انهم يتحسسون مصيرهم المشئوم.

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية