هجوم الأهواز: هل أعاد "داعش" حساباته مع إيران؟

داعش وإيران

هجوم الأهواز: هل أعاد "داعش" حساباته مع إيران؟


30/09/2018

أعلنت حركة النضال العربي لتحرير الأهواز يوم 22 أيلول (سبتمبر) العام 2018، مسؤوليتها عن هجوم على قوات الحرس الثوري الإيراني، أثناء احتفالات بما يسمى "أسبوع الدفاع المقدس" في الذكرى الثلاثين للحرب العراقية الإيرانية، أقيمت في منطقة الأهواز بمحافظة خوزستان غربي البلاد.
وبحسب الرواية الرسمية الإيرانية، فقد كان الهجوم على العرض العسكري من تنفيذ أربعة مسلحين، كانوا يخبئون أسلحتهم في حديقة متاخمة لموقع العرض العسكري، وكانوا متنكرين في زي قوات الحرس الثوري و"قوات التعبئة الشعبية (الباسيج)"، أطلق اثنان منهم النار بشكل عشوائي وهما يستقلان دراجة نارية، فيما هاجم المسلحان الآخران المنصة من جهة الخلف، وحاول المسلحون الفرار بعدها لتتعقبهم قوات الأمن التي نجحت في قتل ثلاثة منهم، فيما تُوفي المسلح الرابع متأثراً بجراحه بعد اعتقاله.

هجوم الأهواز على العرض العسكري نفذه 4 مسلحين كانوا يخبئون أسلحتهم في حديقة متاخمة للموقع

في اليوم نفسه أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الحادث، وقال في بيان نقلته وكالة (أعماق) التابعة للتنظيم، إنّ خلية أمنية تابعة له نفذت العملية.
ظلت هناك تقديرات تشير إلى تضاؤل احتمالية قيام "داعش" بتنفيذ العملية، لأسباب كثيرة أولها تلك القرائن التي تدل على تعاون وثيق بين طهران وأعضاء من التنظيم، والاتفاقات الكثيرة التي جرت بينهما للتوقف عن الهجوم على المدن الشيعية بالعراق مثل كربلاء، لذا لم يدخل مناطق شيعية في ديالى وصلاح الدين، بل تخطاها بأسلوب يثير التساؤل وعمد إلى دخول المناطق السنّية (هذا بالطبع يخالف منهج أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يستهدف مساجد الشيعة في العراق، ويعتبر أن قتالهم هم الأولوية الكبرى)، أو الاتفاقات التي جرت بين حزب الله والتنظيم بسوريا لنقل عناصره إلى مدينة البوكمال يوم 29 آب (أغسطس) العام 2017، وثانيها أنّ التنظيم يمر بمرحلة فارقة لا تساعده على اختراق إيران وهي تشتت عناصر التنظيم، وفقده أماكن النفوذ والقوة.

اقرأ أيضاً: هجوم الأهواز..مجرد تصعيد أمريكي إيراني أم دفع نحو حرب إقليمية؟

صحيفة "النبأ" الأسبوعية التابعة للتنظيم، التي تصدر كل يوم خميس من كل أسبوع أفردت عددها الأخير للحديث عن العملية، والتأكيد على استمرار تلك الأعمال في قلب الدولة الإيرانية، ومناطق نفوذها قائلة في افتتاحيتها: فلا بد لأهل السنة أن يعلموا أنّ الحرب مع الرافضة لا يمكن أن تتوقف، فحربنا مع الرافضة عقدية.

أفردت صحيفة النبأ الصادرة عن تنظيم داعش عددها الأخير للحديث عن هجوم الأهواز

من جهته، قال النائب عن مدينة الأهواز في البرلمان الإيراني، جواد كاظم نسب الباجي، لوكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، إن "الأدلة والوثائق، التي تم ضبطها في منزل كان مقراً للمجموعة المنفذة للهجوم، تشير إلى أنّ المنفذين ينتمون لـ "داعش"، إضافة إلى الخطاب المستخدم من قبل المهاجمين في هذا الفيديو، تشير كلها إلى أن الحادث ليس من عمل جماعات الانفصاليين الأهوازيين".

اقرأ أيضاً: لماذا تصرّ إيران على عدم اتهام داعش بهجوم الأهواز؟

هذا بينما أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية في بيان، أرفقته بصور منفذي الهجوم، أنّ المهاجمين الخمسة هم ثلاثة إخوة من عائلة واحدة، إياد وفؤاد وأحمد منصوري، والرابع هو جواد ساري، أما الخامس فهو حسن درويشي، الذي كان يتحدث الفارسية بلهجة القومية اللورية في شريط "داعش".

داعش وإيران وجدلية العلاقة

إنّ العلاقة بين "داعش" وإيران كانت متأرجحة وجدلية لحد كبير جداً، ولا بد من ربطها بأبو مصعب الزرقاوي، ووجوده في هرات بأفغانستان، ثم انتقاله في العام 2001 منها عبر إيران إلى شمال العراق، وتعرض معسكره وأتباعه للقصف، ما دفعه للفرار إلى جماعة أنصار الإسلام الكردية، وتعاونه معها، ثم تأسيسه تنظيماً لمقاومة الاحتلال الأمريكي، ومجابهته لتعاون جماعات شيعية مع المحتل الأمريكي، في الوقت الذي كان تنظيم القاعدة قد أجرى اتفاقاً مع إيران لعدم تسليم قادته الفارين، وإرساله أبو حمزة المهاجر لضبط تصرفات  الزرقاوي الذي يهاجم أضرحة واحتفالات الشيعة ويقول إنهم الأفعى التي تنفث سماً.

أعلن "داعش" مسؤوليته عن الحادث وقال في بيان له إن خلية أمنية تابعة له نفذت العملية

بعد مقتل الزرقاوي ثم مقتل المهاجر وأبو عمر البغدادي، أصبح داخل "داعش" اتجاهان: الأول؛ هم الزرقاويون الذين يؤمنون أنّ إيران أخطر من إسرائيل، وتصوراتهم بنوها على أساس عقدي، وهؤلاء أغلبهم من السعودية والخليج، والاتجاه الآخر قاده عراقيون ومصريون داخل التنظيم ويقضي بتأجيل المعركة، وحسم الأمر للفريق الثاني منذ تولي أبو بكر البغدادي القيادة، وحتى انهيار التنظيم، وتحوله إلى اللامركزية وحروب الصحراء، ما جعل كل مجموعة وفق الهيكلية الجديدة، وهي تقسيم التنظيم إلى مناطق وولايات، مثل ولاية الشام، وولاية العراق.. أن تتصرف وفق ما تراه صالحاً لها، ما أدى إلى تباين في السياسات والاستراتيجيات.

ووفقاً للتقارير التي تناولت التواجد الإيراني في التنظيم الذي يتخذ من سوريا والعراق قاعدة له، فإنّ عدداً من الإيرانيين انضموا بالفعل إلى صفوف التنظيم منهم على سبيل المثال أبو عائشة الكردي الذي قتل قرب مدينة مخمور في  كردستان العراق العام 2016.

من هنا نفهم كيف يكون دائماً "خلط أوراق" العلاقة وجدلية المستقبل بين إيران وداعش، الذي مرة يهادن، وأخرى يضرب سواء في مناطق النفوذ الإيراني بسوريا والعراق، أو في قلب طهران، كما جرى من قبل.

الحرب العقدية

الأدبيات الدينية للتنظيم المتطرف تدرج المعركة مع إيران (الشيعية) وإسرائيل (اليهود) في الحرب الكبرى، والتي لن تحدث إلى بعد إنهاء الحروب مع (المرتدين) وهم نحن، ثم مع (الصليبيين) وهم الغرب، وبذلك فالتوسع في المنطقة العربية يحتل أولوية بالنسبة لتنظيم داعش أكثر من التوجه نحو إسرائيل وإيران، وإن كانت قريبة منهما جغرافيّاً.

تنبع رؤية الجناح الحاكم لداعش الآن، أن إيران كانت سبباً في إعاقة تقدم التنظيم، والتوقف عن التعامل معها بحجة المصلحة السياسية.

أعلن التنظيم خلال تسجيل تشكيل كتيبة "سلمان الفارسي" لتنفيذ عمليات داخل إيران

ورغم أنّ هناك تفرقة بين السنة والشيعة فـ "داعش" لا يفرق بينهما.. الجميع مستهدف.. ومن المعروف أن خطابات الزرقاوي وممارساته في العراق دفعت "القاعدة" إلى الانتقال من حصر المواجهة مع الاحتلال إلى الصراع الدموي مع الشيعة، وربما ساق معه في هذا التوجه "القاعدة الأم" وجزءاً كبيراً من شبكتها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.

لم يفرق "داعش" مطلقاً بين شيعة إيرانيين أو عرب، ولم يعترف بالاختلافات بين الشيعة، ولم تر أي تصنيف يفرق بين زيدي وإثني عشري، أو شيعي إيراني، أو عربي شيعي، واعتبرتهم كلهم كفرة، وابتدعت ما يسمى بعدم جواز استتابة الشيعي، وكفره حتى لو أعلن توبته، وقتال العدو القريب وهو الشيعة أولى من قتال أمريكا وإسرائيل.

في الوقت ذاته عمدت إيران وخططت للتغيير الفكري، من خلال رجال الدين المحسوبين على ولاية الفقيه، الذين يريدون تغيير الخلفية الذهنية للعراقيين أو اليمنيين أو السوريين واللبنانيين، وإحلال الخلفية الإيرانية الفارسية، كما خططت للتغير الديموغرافي، والاحتلال الاقتصادي، ثم السيطرة الأمنية عبر الميليشيات الموالية، واستغلال تنظيم "داعش" وما يفرضه من الفوضى.

نقل المعركة للداخل الإيراني

في يوم 7‏ أيار (مايو) العام 2017 قام "داعش" بعمل انتحاري استهدف مجلس الشورى الإيراني، ومرقد الخميني، وبعد مرور عام تقريباً أعلن مسؤوليته عن حادث أشد ضراوة أثناء الاحتفالات التي عمت إيران في ذكرى الحرب العراقية الإيرانية.

ورغم تعرض التنظيم لأقسى هزائمه، وتراجع مساحات سيطرته بشكل لافت، قرر القيام بعمليات في إيران، لقد استحدث التنظيم إستراتيجيات جديدة، منها؛ (الإرهاب العادل) لتحريض أتباعه في الغرب بمهاجمة أي شخص باستخدام سكين حاد في أماكن تؤدي للموت، وتكليف عناصره من المهاجرين (عرب الجنسية) بالعودة إلى بلدانهم، وإعلان ولايات وفروع هناك تمهيداً لشن هجمات إرهابية، وإحياء الخلايا النائمة لتكثيف الهجمات، والدعوة للاستمرار بشن هجمات عشوائية.

الهيكلية الجديدة للتنظيم أتاحت لكل "ولاية" التصرف بما تراه مناسباً ما أدى إلى تباين في السياسات والاستراتيجيات

الأمر مع إيران اختلف حيث كان التنظيم توقف عند الخطوط الحمراء التي حددتها وأعلنتها إيران في معارك ديالى (الحدودية مع إيران)، والتزم بعدم التقدم لمسافة تتخطى الـ30 كم عن الحدود الإيرانية – العراقية.
داعش كشف الأسباب بوضوح، في تسجيل صوتي نشرته وسائل الإعلام في أيار (مايو) العام 2016،  للمتحدث السابق باسمه، أبو محمد العدناني، قال فيه: ظلَّت "الدولة الإسلامية" تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه؛ ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء.
أضاف: كظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان امتثالاً لأمر (القاعدة) للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران.
لقد كانت سياسة القاعدة عدم التعرض لإيران مطلقاً، فبعض القيادات تم القبض عليهم هناك، كما البعض الآخر تحت الإقامة الجبرية منذ معركة (تورا بورا)، والتنظيم لا يريد الخسارة، كما أن التنظيم حينما دخل الموصل، وسيطر على منطقة الأنبار، كان بإمكانه استهداف المراقد الشيعية الكبرى، إلا أنه علم أنه لو فعل ذلك لتدخلت إيران وجيشها بشكل مباشر، وهو كان لا يريد ذلك على الأقل خلال هذه الفترة، لكن الأمر تغير الآن.
السبب الثاني في أنّ إيران بقيت في مأمن من ضربات "داعش"، يتجلى في كون الأغلبية الساحقة منها تعتنق المذهب الشيعي، ومن المعروف أن التنظيم ينتسب لـ "الإسلام السني" بالأساس، وينصّب نفسه حامياً للسنة في العراق، وبالتالي فليس لديه عمق سكاني، يمكنه من تجنيد أنصاره هناك لشن هجمات كما يحصل مع بعض الدول الأوروبية.

اقرأ أيضاً: "حزب الله البحريني" والفشل الإيراني

بالإضافة إلى ذلك فإيران ليس بلداً سهلاً بالنسبة للمتطرفين، من ناحية الأمن، والنظام، والعناصر الاستخبارية، التي تعمل في كل مكان من الدولة الكبيرة.

الأمور تغيرت الآن، وأعلن التنظيم خلال تسجيل تشكيل كتيبة "سلمان الفارسي" لتنفيذ عمليات داخل إيران، تخلل ذلك عرض مقاطع لعمليات عسكرية يبدو أنها عمليات سابقة للتنظيم في العراق، ضد أفراد من الجيش العراقي.

ويوم الأربعاء الموافق 27 أيلول (سبتمبر) 2018 حسم "داعش" الأمر، في تسجيل صوتي لمتحدثه الإعلامي أبو الحسن المهاجر، الذي قال: "إن عناصر من التنظيم اخترقوا صرحاً من صروح دولة المجوس إيران، وأعملوا سيف الحق على رقاب أوباشها وحرسها الثوري ساعة محفله، فقتلوا ونكلوا بجنوده، فأذهل أحفاد الصحابة والفاتحين ساسة المجوس حتى أصبحوا أضحوكة يتهكم بهم الشرق والغرب"، وفق بيانه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية