هذه الأسرار الخفية لأساليب الإرهابيين في تجنيد الأنصار

هذه الأسرار الخفية لأساليب الإرهابيين في تجنيد الأنصار


كاتب ومترجم جزائري
13/01/2018

ممّا يؤسفُ له حقاً أنّ الهجمات الإرهابية تغزُو الصحفَ ونشراتِ الأخبار التلفزيونية أكثرَ بكثير ممّا نودّ ونرغب. وبِسبب هذا التكرار تحديداً، وهذا العرض المستمر، وصلنا إلى نقطةٍ مِن عدمِ الحساسية واللامبالاة . فما كان نادراً أصبح معتاداً، والحالُ أنّ ما صار معتاداً يبدو أقلَّ خطورة.

لقد تحوّل هذا التركيب بين نقص المعلومات التي نتلقّاها وصورُ العنف القوية التي نُشاهدها، إلى شيءٍ معتاد للغاية. فما هي العواقب تُرى؟ العواقبُ تضليلٌ في المعلومات وانخفاضٌ حادّ في الاهتمام. بيد أنّ الإرهاب ليس ظاهرةً يُمكن لقواتِ الأمن ووكلاء الدول الكبرى أنْ تحاربها. فالإرهابُ صراعٌ يوميّ يبدأ في علاقاتنا مع جيرانِنا.

الأخطاء التي يَدفعوننا لارتكابِها

الإرهاب ظاهرة قد تبدو، في خطوطِها العريضة ومنشئِها، بعيدةً تماماً عن الغرب، بالنسبة لكثير من الناس. فإذا كان صحيحاً أنّ هناك أشخاصاً عاشوا الإرهابَ عن قربٍ فإن غالبيةَ الذين يمشون يوميّاً في الشوارع الغربية لم يُفكروا قط أنّ الإرهابَ يُمكن أن يطولهم مباشرةً ويهدّدهم، أو يزرعَ الخوفَ فيهم، أبعد من تعاطفهم مع "ضحايا بلدانٍ أخرى".

يختار مُجنِّدُو المنظمات الإرهابية أشخاصاً يلمسون عندهم الرغبةَ في الانضمام إليهم. وهؤلاء عادة ما يمرّون بظرف سيّء

هذا البُعد المفترض، إلى جانب التضليل الإعلامي من قِبل وسائل الإعلام، يُحوِّل الإرهابَ إلى مجرد ظاهرةِ مُهمشين وفقراء ومهاجرين.

ولكنْ، هل هذه هي الحقيقة الواقعة؟

إذا أخذنا أوروبا كمثال نلاحظ أنّ غالبيةَ الإرهابيين ليسوا لا فقراء ولا مُهمّشين اجتماعياً ولا مُهاجرين؛ فهم من الطبقة الوسطى، ويبدو أنهم أشخاصٌ مُندمِجون في المجتمع بشكل جيد، ويحمِلون جنسية البلد الذي يقيمون فيه، ويرتكبون هجماتهم فيه. وهذا أمرٌ يمكن أن يكون مخيفاً: فإذا قمنا بتحليله، من الخارج، سنكتشف أنّ الإرهابي ليس مختلفاً عنا.

وهذه الحقيقة تقودنا إلى مسألةٍ مهمة جداً: كيف يمكن للإرهابيين أنْ ينضمّوا إلى هؤلاء الناس؟ الجوابُ يكمُن في الاستقطاب والتجنيد. فحتى وإن كانت الأخبارُ التي تأتي إلينا في العادة تصِف أشخاصاً يُخطّطون ويرتكبون الهجمات لِحسابهم فإنّ الواقع هو أنّ وراء هؤلاء الناس أشخاصاً آخرين يُحرّكونهم، ويُناورونهم ويُسيطرون عليهم، وعن بُعد في كثير من الأحيان .

أوقات عصيبة

في البداية يختار مُجنِّدُو المنظمات الإرهابية أشخاصاً يلمسون عندهم الرغبةَ في الانضمام إليهم. وهؤلاء عادة ما يمرّون بظرف سيّء: فهم قادمون من السجن، أو هم يصلون إلى بلدٍ جديد، أو هم يعانون من قطيعة أو خيبة عاطفية، أو هم يمرّون بحالةِ كرب (مجموعات اضطرابات نفسية)، ويخافون من عدم القدرة على تلبية توقّعات الأسرة. ففي جميع الحالات ينطق هذا الوصفُ هنا على شخصٍ مُتآلف ومُندمِح عادة في بيئتِه، إلا أنه في الوقت الذي يلوح أمامه التجنيدُ الإرهابي نجِده يعيش في عزلة، بطريقةٍ أو بأخرى، وهو ما يجعله يُلقِي اللومَ والمسؤولية على الظروف.

  وفي النهاية يفتّش المُجنِّدون عن الأشخاص الضعفاء المعطُوبون الذين يُغذّون استياءً شديداً إزاء الظروف التي، في هذا الظرف بالذات، تُغرِقُ حياتهم بالكامل.

وهكذا يتكفل المُجنِّدون في مرحلةٍ أولية بالاقتراب من هؤلاء الأشخاص، ولعِبِ الدور الداعم. ثم سيحفُرون أكثر فأكثر في آلامِ هؤلاء الأشخاص. فالأشخاص الذين يمرّون بأوقاتٍ سيّئة لا يملكون سوى سيطرةٍ قليلة على أنفسهم. والأحداثُ الشديدة تتوالى عليهم من دون أن يكونوا قادرين على فِعل أيّ شيءٍ لتجنُّبِها، ممّا يجعل شعورَهم بعدم وجود سيطرة كافية يزداد ويتفاقم. وهنا سيعزّز المُجنِّدون هذا الإحساس، وفي نهاية المطاف يمنحونهم باباً للخروج من هذه الحالة.

الشعورُ بالتهميش، بالإضافة إلى عدم السيطرة على الذات، سيؤثران على الجهاز المناعي الجسدي والنفسي معاً. دِفاعاتُ هؤلاء الأشخاص ستصبح ضعيفة جداً على كلا المُستويَين، الجسدي والنفسي، ممّا يزيد إحساسهم بالخطر والكرب. فهكذا  يشعر الشخص أنه أصبح ضعيفاً وعاجزاً.

ويُعرَف هذا الوضعُ باسم الإشمئزاز والنفور. فإذا ظل شخصٌ في حالةٍ من النفور لفترة طويلة، فإنه في نهاية المطاف سيُعاني من اضطراباتٍ من نوعٍ عضوي، ومَعرِفيٍّ وعاطفي. وهذا الإطار سيجعلُه في النهاية أكثرَ ضعفاً، وهكذا سيكون من الأسهل عليه أنْ يثِق في مُجنِّديه.

تغيير الهوية

في ظل هذه الظروف، من الطبيعي أنْ يفقد الشخص أيَّ مفهوم للأمن في حد ذاته، حين يرى أنه لم يعد  يستطيع السيطرةَ على الوضع. أمّا النتيجة الثانية فهي فقدان هُويّته الشخصية. فهذا الشخص سيفقد كلَّ اتصال مع الواقع، وسيعزل نفسَه اجتماعياً. لأنه يفتقر إلى الدافعِ لتحقيق أهدافه الشخصية، وبالتالي يصبح من السهل التأثير فيه وإقناعه .

في أثناء هذه العمليات سوف يشعر هذا الشخص أيضاً بانفعالات سلبية "مشحونة بطاقة هائلة" أو استباقية (أي سابقة التأثير)، مثل الكراهية والغضب والشك والنفور. ولكنْ سيشعر أيضاً بمشاعر أكثر "هدوءاً" مثل الإذلال والخوف والإحباط.

وبالتوازي مع هذه العمليات، سوف يُقدّم المُجنِّدون لهؤلاء الأشخاص، أسباباً للعيش. وسوف يمنحونهم هُويةً كأعضاء في مجموعةٍ بعينِها. وسوف يُقدّمون لهم هيبةً ودعماً اجتماعياً، ومعاييرَ بسيطة وصارمة للعيش. وسوف يَطبَعون في نفوسهم أيديولوجيةً قوية تُبرّر العنفَ بشتى أشكالِه ضد كلِّ مَن يُهمّشونهم.

الإرهاب ليس ظاهرةً يُمكن لقواتِ الأمن ووكلاء الدول الكبرى أنْ تحاربها. فالإرهابُ صراعٌ يوميّ يبدأ في علاقاتنا

المشهدُ الذي أمامنا هو مشهدُ شخصِ غيرِ فعال، يُلازمه موقفٌ حياتيٌّ سلبي.  شخصٌ لا يتمحور حول مهامه، شخصٌ مُحبَطٌ، وبالتالي عصبيٌّ وعُدواني. والنتيجة أنّ هذا الشحص يمكن أنْ يبدأ في التفكير بشكل تشنّجيّ بأنّ أمراضَه سببُها البيئة الاجتماعية التي تُحيط به، والأشخاص الذين يُمثلون جزءاً من هذه البيئة. وعلى هذا النحو يستطيع المُجنِّدون أن يجنُوا مردوداً جيداً من هذا الوضع الذي يساعدهم في مهمتهم.

المُجنِّدون والمُضلِّلون يستفيدون من الأوقات والظروف السيئة التي يمكن لأيّ شخص أنْ يمرّ بها. فهم يستغلّون هذا الوضع حتى يتركوا هذا الشخص من دون مواردَ نفسيةٍ واجتماعية. وما إنْ يشعر هذا الشخص أنه لم يعد يملِك وسائل للدفاع عن نفسه حتى يقدّمُ له هؤلاء منفذاً للخروج، فيُتيحون له إمكانيةَ الانتقام من أولئك الذين قاموا بتهميشه، والفرصةَ ليبدأ من جديد. ويغفِرون له كل أخطائه. ولهذا السبب يجب أن تبدأ الوقاية في بيئتنا المباشرة. وكما رأينا، فإنّ القدرة على الاعتماد على الدعم الاجتماعي والموارد النفسية يمكن أنْ تجنبنا أعظم الشرور.

عن مجلة "nospensees"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية