مصر.. ضبط الفتاوى الإعلامية بين جدل التأميم والتنظيم

مصر

مصر.. ضبط الفتاوى الإعلامية بين جدل التأميم والتنظيم


21/11/2017

لم ينتهِ بعدُ الجدل في مصر حول القرار الصادر بـ"ضبط الفتاوى الإعلامية" في البلاد عبر تحديد أسماء معينة لتتصدر لهذه المهمة ومنع غيرها، وفي يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بدا وزير الأوقاف المصري عازماً على المضيّ قدماً في تنفيذ القرار، وعدم التراجع عنه، باجتماعه مع أعضاء قائمة الأزهر ودار الإفتاء المصرح لهم بالفتوى، في مقر دار الإفتاء المصرية؛ حيث أسدى الوزير المصري النصح لأعضاء القائمة الذين سيصبحون منبر الإفتاء الوحيد في مصر من الآن فصاعداً، مع فتح الباب لإدراج أسماء جديدة، مؤكداً لهم أنّ الفتوى تقوم على 3 أمور لا بد من توافرها جميعاً، وهي: إدراك النص، وإدراك الواقع، وإدراك النسبة ما بين الواقع والنص، وأوضح أنّ الشريعة مستوعبة لكل تصرفات الناس، وأن الحكم شامل منذ بدايته، لكنه يحتاج إلى عقل رشيد منضبط، سواء عن طريق القياس أو الاستنباط، مؤكداً أنّه في حالة أحكام التقييد التي لا نستطيع فيها أن نسحب الحكم علي غيره، يبقى فيها الحكم في حيزه.

 شدد المركز الإعلامي بالأزهر على أنّ القائمة تحدد فقط من يحق لهم الظهور للإفتاء وليس من يتحدثون فى الشأن الديني بمجمله

وشدّد الوزير على ضرورة أن يستعين المتصدر للفتوى، بالمتخصصين إذا كان الأمر يحتاج إلى معرفة رأي أهل العلم المتخصصين في شؤون الدنيا، وهو الأمر الذي افتقده، في نظر العديد من النقاد، المتصدرون الكثر للفتوى عبر الفضائيات المصرية في الفترات الماضية، فندر - بحسب المراقبين - أن يرد أحد الدعاة على المتصل بأنّه سيستعين باستشارة أحد المتخصصين، وسيرد في الحلقة المقبلة.   

قائمة المصرح لهم بالفتوى الإعلامية شملت 186 عالماً من وزارة الأوقاف والأزهر

وكانت وزارة الأوقاف قد أعلنت يوم الخميس الماضي 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري قائمتين تشملان أسماء 136 عالماً مصرحاً لهم بالإفتاء في وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية، وذلك في أعقاب القائمة التي أصدرها الأزهر ودار الإفتاء بليلة واحدة، والتي شملت 50 اسماً من العلماء التابعين للجهتين، لتكون تلك القائمة مكملة لها، وكان المركز الإعلامي للأزهر قد أعلن أن مشاركة الأزهر في إعداد قائمة العلماء الذين لهم حق الفتوى التي أعلنها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، جاءت في أعقاب طلب تلقاه الأزهر من المجلس، أبدى فيه رغبته في أن يرشح الأزهر بعض علمائه المؤهلين للإفتاء الذين يمكن الاعتماد عليهم في هذا المجال عبر وسائل الإعلام، ممن لديهم الوقت للظهور في البرامج والقنوات، للقضاء على فوضى الفتاوى التي تشكو منها العديد من قطاعات الشعب المصري.

اتهامات بمحاولة "تأميم الخطاب الديني"
كانت من أبرز الانتقادات التي وجهت إلى محاولة ضبط الفتوى الأخيرة، هي أن البعض اعتبرها محاولة لـ"تأميم الخطاب الديني"، كي تتحكم فيه المؤسسة الرسمية فقط وتحتكره، وقد عبر بعض المراقبين عن مخاوفهم من أن الهدف الظاهر من الضبط قد يكون سد منابع التطرف والتشدد في المجتمع، لكنه قد يتضمن أيضاً رغبة من المؤسسة الرسمية في كبح الآراء التي تنشد إعادة التفكير في التراث برؤية تنويرية، بعيداً عن الركائز الفكرية والمنهجية التي ترسمها المؤسسة الرسمية، في ظل أجواء عامة يسودها قضايا التكفير، كان أبرزها العام 2016، عندما تقدم الأزهر ببلاغ إلى النائب العام ضد إسلام بحيري اعتراضاً على ما يبثه من أفكار "شاذة" -بحسب المؤسسة الرسمية- من خلال برنامجه التلفزيوني؛ حيث اتهمه الأزهر بالترويج لأفكار تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن، وكانت نتيجة الدعوى الأزهرية القضائية، الحكم على البحيري بالحبس لمدة عام بتهمة ازدراء الأديان.

 من أبرز الانتقادات التي وجهت إلى محاولة ضبط الفتوى الأخيرة أنّ البعض اعتبرها محاولة لـ"تأميم الخطاب الديني"

من هنا يرى بعض المراقبين أنّ المؤسسة الإسلامية الرسمية في مصر قد لا تكون الأجدر بمحاربة التطرف عبر ضبط الفتوى، بحصرها مهمة الإدلاء بها في بعض أبنائها؛ لأنها، بحسبهم، تستخدم سلاح الضبط بحدّيْه، لكن على الجانب الآخر شدد المركز الإعلامي بالأزهر على "أن القائمة تحدد فقط من يحق لهم الظهور للإفتاء، ولا علاقة بالقائمة بمن يتحدثون فى الشأن الديني بمجمله".

"الأعلى مشاهدةً" خارج القائمة
أكد الأزهر في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) أنّه ينبغي التفريق بين من يتحدث في الشأن الديني بشتى فروعه، وبين من يفتي الناس في شؤون دينهم، مشدداً على أهمية ألا يتصدر لمشهد الفتوى إلا المؤهلون لذلك، وأعرب عن عدم رضاه تجاه من وصفهم بأنهم  ينتقدون فوضى الإفتاء والفتاوى الشاذة دوماً، ثم ينتقدون أيضاً محاولات ضبط الأمر ووضعه فى نصابه الصحيح.

يرى بعض المراقبين أنّ المؤسسة الإسلامية الرسمية في مصر قد لا تكون الأجدر بمحاربة التطرف عبر ضبط الفتوى

وكان من أبرز من خلت منهم قوائم الفتوى: أبو إسحاق الحويني، والدكتورة آمنة نصير، والدكتور أحمد عمر هاشم، والدكتور أسامة العبد، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، والدكتور أحمد كريمة، ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية أسامة الأزهري، وخالد الجندي، والدكتورة سعاد صالح، والدكتور سعد الدين الهلالي، والشيخ رمضان عبد المعز، ومن المفارقة أنّ أغلب من خلت منهم القائمة، هم الأكثر مشاهدة على القنوات الفضائية، بالإضافة إلى أنّ منهم أسماء اقترنت دوماً بالخطاب الإسلامي الرسمي في مصر مثل؛ الدكتور أسامة الأزهري.

 اعتبر أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر د.سعد الدين الهلالي أنّ تحديد من يتكلم في الدين إعلامياً حوّل القضية إلى كهنوت

وكان الشيخ خالد الجندي من أبرز المنتقدين للقائمة حيث قال: "هل من الممكن إقصاء من واجهوا الإخوان ووقفوا بجانب الشعب والجيش والشرطة لصالح من اختبأ في هذا الوقت؟". مستدركاً "أقول هذا عن بعض من ضمتهم القائمة وليس عن كل أسمائها"، وأضاف: "الآن هناك من يحاول قصر الفتوى على نفسه، وهناك بعض الفتاوى التي يجب قصرها على شخص واحد وهو المفتي، وهناك بعض الفتاوى العادية، التي لا يمكن أن نحيلها للـ50 المبشرين بالفتوى"، على حد وصفه.

في تموز (يوليو) 2017 اضطر الأزهر تحت الضغط لإزالة أكشاك الفتوى التي كان قد أقامها بمترو الأنفاق

من جانب آخر، اعتبر أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، في حديثه لـ"حفريات" أنّ تحديد من يتكلم في الدين إعلامياً حوّل القضية إلى "كهنوت؛ لأن الدين رسالة وليس وظيفة كبقية الوظائف"، مؤكداً أنّ الفتوى "حق إنساني للتوضيح وتبيين الرسالة الدينية".
وهذه ليست المحاولة الأولى للأزهر للسيطرة على المجال الديني؛ ففي تموز (يوليو) 2017، اضطر الأزهر تحت الضغط لإزالة أكشاك الفتوى التي كان قد أقامها بمترو الأنفاق، في محاولته للسيطرة على المجال الديني وتقديم الفتاوى "المضبوطة" للمواطنين، وكانت أكشاك الفتوى قد أثارت الكثير من الجدل خاصة بين المحسوبين على التيار الليبرالي في مصر، كونها "تكرس الرموز الدينية في المجال العام"، وكان نائب مجلس النواب، محمد أبو حامد، أحد أبرز المعارضين لتلك الفكرة آنذاك، قال إنّ الجميع كان يتمنى إزالة أكشاك الفتوى منذ اللحظة الأولى ومحاسبة صاحب الفكرة التي وصفها بـ"العبثية".

 


 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية