يوسف المساتي: شيوخ الموت يوظّفون الجنس لإقناع الشباب بالانتحار

يوسف المساتي: شيوخ الموت يوظّفون الجنس لإقناع الشباب بالانتحار

يوسف المساتي: شيوخ الموت يوظّفون الجنس لإقناع الشباب بالانتحار


30/11/2019

أجرت الحوار: إلهام الطالبي


قال الباحث في تاريخ الإسلام، يوسف المساتي، إنّ إيمانه بضرورة تحرير الفرد، وتسلّحه بعقل نقدي، جعل منه قادراً على تفكيك خطابات الجماعات المتشددة، حيث تحوّل من شاب سلفي إلى مهاجم للفكر المتطرف، غير مكتفٍ بالكتابة؛ بل يُتابع عن كثب الشباب في ورشات للمسرح والفنون بالأحياء الهامشية للتقرّب منهم والاستماع إليهم.

اقرأ أيضاً: كيف كشفت مواجهة التطرف عيوب جبهة الاعتدال؟
في حواره مع "حفريات" كشف تحوّله من مدافع عن الفكر المتطرف إلى مُدافع عن حرية الفرد ومهاجم لشيوخ الفكر السلفي، وما الذي يجعل من بعض الشباب أكثر قابلية واستجابة للفكر المتشدد؟ وكيف يُوظّف شيوخ الفكر المتطرف ثنائية "الجنس والخطيئة" في إغواء الشباب واستقطابهم؟
وهنا نص الحوار:
لا بدّ من وجود مشروع مجتمعي وفكري يُعيد الاعتبار للعقل النقدي

هل يُمكنك أن تقرّبنا أكثر من تجربتك مع الفكر السلفي؟
في الواقع؛ إنّ تجربتي متعددة الأوجه مع الفكر السلفي، لا أنفي أنّني في مرحلة عمرية معينة كُنت أعتقد أنّ سبب تأخّرنا راجع إلى عدم تطبيقنا لتعاليم الدين الإسلامي، كما تقدمها الأدبيات السلفية، وأنّ هذه القراءة هي الصحيحة والوحيدة للدين، من أجل النهضة والتقدم، وأننا ضحية حرب كبرى لا بدّ من أن نردّ فيها على الأعادي.

كيف انتقلت من مرحلة المتلقي إلى المدافع عن الفكر المتطرف؟

خطورة الفكر السلفي؛ أنّه يمزج بين المرحلتين، ذلك أنّك إذا تلقيته من دون قدرات ومعرفة نقدية، فإنّك في الآن نفسه تصبح مدافعاً عنه، وتتعدّد أشكال الدفاع بتقدمك في الإيمان بمعتقدات الفكر المتطرف، لكنّ الخطير هو حينما تتجاوز مرحلة الدفاع المعنوي أو اللفظي لتصل إلى مرحلة الهجوم على المختلف.
هل عشت صراعاً نفسياً عندما كنت تتبنّى الفكر المتشدّد؟
بالتأكيد، فأنا ابن أسرة مغربية تنتمي لذلك المغرب الجميل البعيد عن التطرف، أسرة عاشت جنباً إلى جنب جوار اليهود والنصارى والمسلمين، ملتزمين وغير ملتزمين، واللادينيين، ولم يكن الالتزام أو الانتماء الديني معياراً، أسرة يخرج بعض أفرادها لتأدية صلاة الجمعة، ويجتمعون لمشاهدة سهرة السبت في التلفاز، في هذا الوسط كانت الأسئلة تغمرني، لأعيش نوعاً من التمزّق الداخلي.

ما الذي ساهم في تحوّلك الفكري وانتقالك من سلفي مدافع عن الفكر المتطرف إلى مدافع عن حرية الفرد ومهاجم لخطاب الجماعات المتطرفة؟

إجمالاً يُمكن استحضار ثلاثة عناصر:

من يمارس الفنون والآداب والعمل المدني لا يمكن أن يظلّ معتنقاً للفكر المتطرف

- الوسط الأسري: وجودي ضمن أسرة بسيطة تمثل الوجه الجميل لتديّن المغاربة، البعيد عن كلّ مظاهر التطرف، والذي يعدّ العيش مشتركاً سمة متأصلة فيه.
- الفنون: في تلك الفترة التي بدأت فيها بالإيمان بالفكر المتطرف، كان من حظّي أنّ إحدى دور الشباب فتحت أبوابها حينها، فمارست المسرح والعمل الجمعوي، وكان لهما دور بارز في تغيير عدد من أفكاري، أنا وعدد كبير من أصدقائي، تغيرت قناعاتنا، فمن يمارس الفنون والآداب والعمل المدني، لا يمكن أن يظلّ معتنقاً للفكر المتطرف الذي يحمل منظومة قيمية معاكسة لكلّ هذا.
- التاريخ: في هذه المرحلة أيضاً بدأت بقراءة بعض مؤلفات الجابري وأركون، وإن كنت أبدي مقاومة في البداية لهما، لكن، وبحكم تخصصي فيما بعد في التاريخ واشتغالي على التاريخ الإسلامي، اكتشفت الفجوة الشاسعة بين ما يروَّج لنا والواقع، ووقفت على عمق التناقضات، شيئاً فشيئاً اتخذت مساراً مخالفاً.

كيف تنظر الآن إلى تلك المرحلة المتطرفة من حياتك؟

الآن، بعد كلّ هذه الأعوام (حوالي 16 عاماً)، أعتقد أنّها كانت مرحلة مهمة؛ لأنّها أتاحت لي فرصة مهمة لفهم كيف يفكر الآخر، ولفهم إستراتيجياتهم.
ما العوامل التي تساهم في تبنّي الشاب للفكر المتطرف؟
ليس من السهل تحديد عوامل التحوّل إلى التطرف، ولكن على العموم يُمكن القول إنّها مسألة يلعب فيها العامل النفسي دوراً مهماً، عادة ما يرتبط الأمر بعدد من الاحتقانات الداخلية، سواء المرتبطة بالفرد أو بالجماعة، والتي يستحيل تفريغها داخلياً. فمثلاً: "الوضعية العامة للمجتمعات الإسلامية المتسمة بالتقهقر والانحطاط؛ حيث أصبحت عالة على البشرية، غير منتجة، وتشرذم الكيانات الوطنية إثر الانهيارات المتتابعة، وسقوط الأحلام الكبرى حيث انهارت دولة الخلافة، تبعها انهيار مشروع الدولة القومية، ثم فشل مشروع الدولة الوطنية، يُضاف لهذا الانهيار الثقافي والقيمي الذي نعيشه، وغياب مشاريع فكرية ومجتمعية حقيقية، وغياب رؤية واضحة للمستقبل الفردي أو الجماعي، وأيضاً الفراغ الوجداني في ظلّ غياب تعليم الفنون وتشجيع المبادرة والإبداع، وتغييب أو قتل العقل النقدي".

اقرأ أيضاً: هل مواجهة التطرف تعني الانحياز إلى المعتدلين؟
في ظلّ هذه الأوضاع تأتي الحركات المتطرفة فتروج لحلم استعادة الماضي المجيد، وتخلق تصورات مثالية لهذا التاريخ وتتم أسطرته ليُصبح نموذجاً لمستقبل منشود، وتروج للعنف كأداة للتعبير عن الوجود، بل وتغييره، أو بتعبير هذه التيارات؛ إحقاق "الحقّ" و"الشرعية".
إنّ التحوّل صوب التطرف هو في عمقه محاولة تحويل مرارات الواقع وانتكاساته إلى أمل منشود.

كيف يُقنع شيوخ الفكر المتطرف الشاب بقتل نفسه وقتل الأبرياء؟

تختلف الأساليب التي يلجأ لها الشيوخ، باختلاف الدوافع والحالات، فهناك من يعتنقون الفكر المتطرف، لكنّهم لا يقدرون على الانتحار، وهناك من لا يجد صعوبة في الأمر، فالمسألة مرتبطة في شقّ منها بدوافع الفرد وإحباطاته وانتكاساته، ووجود قابلية عنده لتنفيذ هذا الفعل الإجرامي، فمن يُمارس أو يتبع الفنون والآداب، أو لديه عقل نقدي يصعب أن يقتل نفسه وآخرين معه، إلا في حالات خاصة.
لكنّ هذا لا يمنع من أنّ الشيوخ طوروا كثيراً من الإستراتيجيات العامة، على رأسها الجنس، قد يبدو هذا الكلام مفاجئاً للكثيرين.
كيف ذلك؟
تنطلق هذه الإستراتيجية من الترويج لخطاب أساسه التحريم والكبت، أو ما سماه الراحل فرج فوده "فقه النكد"، وهو ما يسمح لنا بفهم الحرب الشعواء التي يشنها الفقهاء المتطرفون على الحريات الفردية والفنون؛ لأنّها أداة هدم لما يشيدونه من كبت وقمع للذوات الفردية، وتحويل الإنسان إلى خاضع يحسّ بعقدة الذنب و"الخطيئة".

يقوم الخطاب الفقهي بتحويل المشاكل البيولوجية للشباب من الأرض إلى السماء لتصبح الجنة فضاء لتلبية الإنسان لحاجياته

يخلق هذا الأمر مشاكل عميقة عند الشباب على مستوى تواصلهم مع جسدهم وحاجياتهم البيولوجية والعاطفية، ليقوم الخطاب الفقهي بتحويل الاستيهامات والمشاكل البيولوجية للشباب من الأرض إلى السماء، من الواقع إلى المتعالي، هكذا تصبح الجنة فضاء لتلبية الإنسان لحاجياته، حيث أنهار الخمر واللبن والنساء، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
هكذا يقوم المتطرف، الانتحاري المفترض، بإسقاط لا شعوري للصور الإيروتيكية التي يحفل بها على الجنان ونعيمه، ويمكن أن نُلاحظ في هذا السياق كيف يطنب شيوخ الموت في وصف الحور العين والاستمتاع بهن، ورسم الخيالات التي يصبح الطريق للوصول إليها هو الانتحار وقتل الناس لغنيمة الشهادة.

ما الذي يجعل بعض الشباب بالمغرب فرائس سهلة للفكر المتطرف؟

غياب منافذ التعبير؛ فالشباب يحتاج إلى أن يُعبّر عن نفسه وعن احتياجاته، وإلى الإحساس بأنّه فاعل وليس مجرد مفعول به، وعندما لا يجد ذلك، وفي ظلّ سيادة ثقافة تقليدية، وقتل العقل النقدي، قتل الحس الجمالي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وما سلف ذكره، فإنّه يصبح فريسة سهلة للفكر المتطرف.
هل بعد نهاية "داعش" سينتهي الفكر المتطرف أم نحن في حاجة ماسة إلى استئصاله من منابعه؟
سأكون متشائماً قليلاً بهذا الخصوص، وأقول إنّ "داعش" ليس النهاية، وإنّ القادم قد يكون أسوأ بكثير، طالما لم نجفّف المنابع الفكرية للفكر المتطرف، فإذا ما تتبعنا مسار الحركات المتطرفة نجد أنّها كانت تتطور بشكل تصاعدي من الجماعات الجهادية التي غزت مصر خلال ثمانينيات القرن الماضي، وصولاً للقاعدة، وأخيراً داعش والتنظيمات المتطرفة بسوريا والعراق، كانت الوحشية ترتفع، والتقنيات الموظفة تتطور، وبالتالي فالمعركة ضدّ التطرف هي معركة فكرية.
من خلال تجربتك؛ كيف يمكن أن ننقذ الشباب من الفكر المتشدّد؟
لا بدّ من وجود مشروع مجتمعي وفكري، يُعيد الاعتبار للعقل النقدي ويفتح الإنسان على الآفاق الإنسانية الرحبة، ويدعم الاجتهادات الفكرية والمشاريع الإبداعية، وهو أمر لا يُمكن أن يتم دون تعليم مبدع يشجع الفرد على البروز ويطور قدراته المعرفية.
وكي نبلور هذا المشروع المجتمعي؛ لا بدّ من نقاش مفتوح وصريح وجريء أيضاً خارج التمثلات المسبقة بين كلّ الأطراف المكونة للمجتمع، من أجل مجتمعات تخلق الحياة ولا تشجع ثقافة الموت.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية