المنطقة العربية "مغارة الدم" .. والبروكسي التركي والإيراني

المنطقة العربية "مغارة الدم" .. والبروكسي التركي والإيراني


13/10/2019

منطقتنا العربية التي يمكن وصفها بأنّها "مغارة الدم"، منها بدأ الإنسان الأول، ومنها بدأت أول التجمعات البشرية، ومنها ولدت الفكرة الأولى المنشئة للحضارة، وفيها فعلاً لا وصفاً "مغارة الدم"، تلك التي شهدت أول دم أريق في تاريخ البشرية حين قتل قابيل أخاه هابيل، وربما ليست مصادفة أن نتحدث عن شمال سوريا والحرب الدائرة فيه، وأن تكون سوريا موطن "مغارة الدم" في جبل قاسيون شمالي دمشق.

اقرأ أيضاً: كيف تمّ التمهيد للهجوم التركي على أكراد سوريا؟
ولهذه المنطقة العربية المشبعة بالأزمات والمشكلات على مدار عقود طويلة منذ أزمنة الخلافة ما بعد الراشدين، ومنذ أزمة ما قبل الاستعمار، وما بعد الاستعمار إلى يومنا هذا، أوجاع  اقتصادية، وأمراض سياسية مزمنة، وأوهام ثقافية، وأوهام نخبوية، ووعي مجتمعي مصاب بالتشوه والعطب بفعل فاعلين أساسيين من النخب السياسية وغير السياسية.

توجه تركيا لمنع إقامة أي كيان للأكراد لا يمكن أن يبرر انتهاك سيادة سوريا

منطقة مازالت تتوهم أنّها تعيش ثقافة المعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة، والحقيقة أنّها تعيش حالة من الارتباك المفاهيمي واستغلاق القيم، وفوق ذلك التوترات المتصاعدة، والاستقطابات الحادة لجهة لا تخدم مصالحها ولا تحقق مشروعها المهزوم دوماً، ولا تنهض بأي أهداف أو غايات تغييرية وإصلاحية، لكي تبقى رهينة دوائر الصراعات ومحاور الشر المصنوعة سلفاً.
في سوريا وفي العراق نموذج واضح للفعل البروكستي، نسبة إلى "بروكست" الأسطوري الخارج على القانون، الرافض للتعاليم، والمستغرق في شهوة الاختطاف والقتل وقطع الطريق، الذي كان يتقن في "تمطيط" جسد ضحاياه ليأتي على مقاس سريره.
في العراق، إيران تفعل أفاعيلها في بتر جسد العراق وتمطيطه، وفي سوريا أيضاً، إيران الحاضرة بقوة مشروعها، وتركيا الحاضرة بسلطتها، وادعاء شرعيتها التاريخية التي تتوهم أنّها ربما تستطيع أن توظفها لتسويق مشروع الحلم السلطاني القديم في المنطقة.

اقرأ أيضاً: العراق "فاترينة" عرض .. 6 أسلحة يستخدمها أردوغان ضد الأكراد
إنّ إيران وتركيا ليستا سوى - بشكل أو بآخر - "بروكسي" بالمعنى الذي يمكن أن نقترضه أو نستلفه من علوم الحاسوب، بما يعنيه أنّ هذا البروكسي عبارة عن خادم يعمل كوسيط للطلبات بين العميل الذي يطلب مصادر من خوادم أخرى؛ إذ لا يمكن أن نتصور إطلاق يد إيران وتركيا في المنطقة دون إذن أو تنسيق أو اتفاق متعدد الأطراف بينهما وبين القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تحدثت عنه تركيا تماماً حين بدأت عملية "نبع السلام" في شمال شرق سوريا بضوء أخضر أمريكي، حتى وإن أنكرت أمريكا ذلك عبر تصريح وزير خارجيتها "مايك بومبو" بأنّ بلاده لم تمنح تركيا الضوء الأخضر لغزو تركيا ومهاجمة القوات التركية.

حتى متى يجب أن تعتاد منطقتنا على مقابلة كل هذه الأزمات والأوجاع بكتم غيظها؟

بين تركيا والأكراد ما لم يصنعه الحداد أيضاً، ورغبة تركيا وسياستها تجاه منع إقامة أي كيان للأكراد في شمال سوريا أو العراق، لا يمكن أن يكون حجة لدخول قواتها لسوريا واختراقها للحدود والسيادة والأعراف الدولية، وهو ما كانت تركيا تنتقد فيه إيران في العراق، حتماً مع اختلاف شكل وموضوع وقوة الوجود التركي في سوريا عن الوجود التركي في سوريا، لكن كل ذلك لا يصنع حجة لتركيا في شمال سوريا.
هكذا تبدو قراءة نماذج من مشاهد المنطقة العربية، عدا عن نماذج ومشاهد أخرى في ليبيا وتونس ومصر واليمن والتغول الحوثي الإيراني فيها.
أصبحت المنطقة، بأزماتها وأوضاعها السياسية المأزومة، على مقاس المصالح، وحروب حسب مستوى الأطماع، وصراعات تبقي الباب موارباً لدخول مزيد من التشظي والانقسام والتجزيء، ولبؤر ساخنة مهيأة لصناعة مستقبل مرتبك، كل ذلك من شأنه أن يعطي طاقة قصوى لتزويد مشغلات الصراع الأطول عالمياً في العصر الحديث.

اقرأ أيضاً: احتجاجات العراق.. والدور الإيراني

اعتادت المنطقة كلها على هذه الأزمات والصراعات والأوجاع، وهي مطالبة أن تعتاد على كتم غيظها، ولجم صراخها، وكبح جماح ذاك النزق الذي ينزّ من أزقتها وحاراتها، لكي تبقى على قيد الحياة، على أقل تقدير، وثمة سؤال: هل كان يطلب بروكست من ضحاياه أن يكتموا أوجاعهم، وهو يمطط أجسادهم أو يبتر أقدامهم ليكونوا على مقاس سريره؟.

اعتداء تركيا لا يمكن أن يكون دون إذن أو تنسيق مع القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة

قدرنا في المنطقة المصابة بلعنة التاريخ ربما، أن نبقى داخل إطار التفكير الأمريكي ذي الاتجاهين؛ الاتجاه الأول اخترعه (روزفلت) الذي لا يرى مصلحة لأمريكا إلا أن تكون القوة العالمية الضاربة، ولا توازن عالمياً بدونها، ولا فاعلية لقانون أو مجتمع دولي بدون رؤيتها له وتحكمها بتمريره أو وقفه، والاتجاه الثاني اخترعه (ويلسون) واخترع معه عصبة الأمم المتحدة، مانحاً حدوداً قصوى للأخلاقيات والمبادئ بدلاً من توازن القوى، وسباقات التسلح، ولكن حتى هذه الأخلاقيات، فهي موضوعة سلفاً داخل الإطار الأمريكي، فلا مبادئ إلا ما تقرره كمبادئ ولا أخلاق إلا ما تراه أخلاقاً. وذلك هي حالة متقدمة من تزييف الوعي بالفضيلة والأخلاق والقيم والمبادئ والقانون.
السؤال الأخير.. هل باتت عملية تزييف الوعي بالأخلاق والمبادئ والأعراف الدولية معدية حتى باتت بعض الدول تحمل مشاريعها وطموحاتها إلى منطقتنا، لتسويقها بلا أي غطاء ولا أية شرعية سوى شرعية وهم الإمبراطوية الفارسية القديمة.. ووهم العثمانية الجديدة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية