العقوبات الأمريكية على حزب الله وسياسة الضغط القصوى على طهران

العقوبات الأمريكية

العقوبات الأمريكية على حزب الله وسياسة الضغط القصوى على طهران


28/07/2019

تتعدّد أوجه الأزمات التي تطلّ بملامحها الحادّة وتفاصيلها الدقيقة، على المشهد السياسيّ في لبنان؛ إذ تعكس تعقيداته المستمرة صورة مأزومة، على المستوى التاريخي والمجتمعي، الذي تحكمه شروط وولاءات طائفية وعائلوية، جعلت من المجتمع جيوباً مذهبية ومربعات أمنية، تقلّص هيمنة ودور الدولة، ومؤسساتها المدنية، وتهمّش قيم المواطنية أمام مصالح "الطائفة".

اقرأ أيضاً: دويلة "حزب الله"..هل تصدّعها العقوبات؟
وبينما تفرض تلك الحالة المشدودة راهنيّتها، طوال الوقت، فإنّها تجذب معها سيناريو الفوضى والحرب واللااستقرار، الأمر الذي عانى منه اللبنانيون في فترات سياسية وتاريخية عديدة.
 تبعية كاشفة لطهران من جانب حزب الله في سوريا

حزب الله وصناعة الأزمات في لبنان
لم يكن عام 2018 سهلاً على لبنان؛ فقد شهد خلاله عدة أزمات، من بينها: الفراغ البرلماني، وتشكيل الحكومة، وقبلها شغور منصب رئيس الجمهورية لمدة عامين، وجميعها كانت أحداثاً بدا اللاعب الرئيس فيها حزب الله، الذي استخدم عدة أوراق ضغط، بهدف إعادة تموضع نفوذ سوريا "الأسد" ووصايتها، وتحقيق مصالحها في لبنان، ورغبته في تشكيل حكومة، لا تتصدى لدوره المتنامي في الحرب المستعرة بدمشق بين النظام والمعارضة؛ إذ تؤدي ميليشيات حزب الله دوراً ميدانياً وعسكرياً مؤثراً، ضمن ألوية وفيالق الحرس الثوري الإيراني.

العقوبات على حزب الله التي بدأت منذ ٢٠١٢ تعدّ جزءاً من توجهات الإدارات الأمريكية لتقليص نفوذ الحزب في لبنان

شكّل هذا الدور السياسي والعسكري، بما يمثله من تبعية كاشفة لطهران، من جانب حزب الله في سوريا، أزمة سياسية بين عدة أطراف داخل لبنان، تسبَّبت في تذمّر وتململ داخل البيئة الحاضنة للحزب نفسه؛ إثر سقوط قتلى في صراع خارج أرضهم، ولا يمتّ لهم بصلة، وهو ما حاول ممثلو الحزب تعويضه بمزيد من التعبئة الأيديولوجية، وممارسة بعض الضغوط، ورسائل تهديد، غير مباشرة، أحياناً.
وترتّب على ذلك تعرّض حزب الله إلى عقوبات، على مدار سبعة أعوام، بدأت منذ عام 2012، وزادت مع ولاية ترامب، وكان آخرها، العقوبات على نواب من الحزب، مطلع الشهر الجاري، حتى بات 50 عضواً أو كياناً، ممن لهم صلات أو ارتباط به، موضوعين على لائحة العقوبات الأمريكية للإرهاب.
 ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على أفراد أو مؤسّسات تابعة لطهران

حصار الدور الإيراني في الإقليم
إذاً، ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على أفراد أو مؤسّسات تابعة لطهران، وبالأخصّ التنظيمات التي تعمل ضمن ألوية الحرس الثوري.
ومنذ انخراط حزب الله اللبناني في الصراع الدائر في سوريا، عمدت الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إلى فرض عقوبات عليه لمنع تغوله، ومحاولة حصار الدور الإيراني في المنطقة، حتى جاءت العقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية، والتي وصفها مراقبون بأنّها "غير مسبوقة"؛ حيث شملت ثلاثة قيادات في حزب الله؛ بينهم نائبان في البرلمان اللبناني.

اقرأ أيضاً: إيران وفشل التحايل على العقوبات
وبحسب ما ورد في البيان الصادر عن الوزارة الأمريكية، فقد اتهمتهم بـاستغلال النظام السياسي والمالي اللبناني، لتحقيق مصالح الحزب وإيران، باعتبار الأخيرة الدولة الداعمة والراعية لأنشطته السياسية والعسكرية.
وأعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي: أنّ "المسؤولين الثلاثة استغلوا مناصبهم لتهريب سلع محظورة إلى لبنان، والضغط على المؤسسات المالية اللبنانية، بهدف مساعدة حزب الله، وتقويض المؤسسات اللبنانية، وتفادي العقوبات الأمريكية على داعمي وممولي حزب الله".



تعدّ تلك العقوبات التي استهدفت نائبين مهمَّيْن في حزب الله "غير مسبوقة"؛ إذ تقع ضمن دائرة سياسة الضغط حتى الحدود القصوى، التي يتبعها ترامب ضدّ إيران، بخلاف الإدارات الأمريكية السابقة، وتشمل وكلاءهم في المنطقة، مع تعقب أنشطتهم السياسية والاقتصادية، وحظر التعامل معهم، كما أنّها تدخل ضمن حزمة العقوبات التي تراكمها واشنطن على طهران، منذ الانسحاب من الاتفاق النووي؛ إذ تهدف من ورائها خفض واردات إيران المالية، وبالتبعية واردات حلفائها الإقليميين، ممن تصفهم بأنّهم يمولون "كيانات إرهابية".

إنهاء الازدواجية
يضاف إلى ذلك؛ أنّ تلك الخطوة، أو بالأحرى ذلك الفصل الجديد الذي انتزعته الإدارة الأمريكية، يكشف إستراتيجية جديدة تنأى بنفسها عن الازدواجية التي كان يتبناها الاتحاد الأوروبي، عبر الفصل بين جناحي حزب الله، السياسي والعسكري؛ إذ يدرج الأخير فقط على قائمة المنظمات الإرهابية.

اقرأ أيضاً: ضبط ناقلة نفط تنتهك العقوبات على إيران وسوريا.. تفاصيل
لذا، نشرت وزارة الخزانة في بيانها صورة لأحد النواب البرلمانيين ممن وضعتهم في قائمتها السوداء، وإلى جانبه، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، وعقبت على ذلك؛ بأنّه "لا فارق بين النشاطات السياسية والعسكرية لحزب الله".


وإلى ذلك، أشارت وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية، سيغال ماندلكير، إلى أنّ "حزب الله يهدد استقرار لبنان السياسي والاقتصادي واستقرار المنطقة، وكلّ ذلك على حساب الشعب اللبناني".
يرى أمين عامر، الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية؛ أنّ العقوبات على حزب الله، التي بدأت منذ ٢٠١٢، وحتى مطلع الشهر الجاري، تعدّ جزءاً من توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتقليص نفوذ حزب الله فى لبنان، والداخل السوري، وتكشف التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً، أزمة تنامي النفوذ الإيراني/ الذي يعدّ حزب الله أحد أذرعه في المنطقة.

الموظفون في مؤسسات حزب الله الإعلامية والتربوية والطبية والعسكرية يشتكون من تخفيضات حادة في الرواتب والأجور

ويشير عامر لـ "حفريات"؛ إلى أنّ علاقة حزب الله الإستراتيجية مع إيران، تجعل أيّة تطورات متعلقة بالمنطقة، ومنها ما يحدث في مضيق هرمز، مؤخراً، أمراً مأخوذاً على نحو من الأهمية والحساسية الشديدين، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصّة مع إمكانية القيام بأعمال تخريبية قد يشارك فيها عناصر الحزب، موضحاً أنّ أمريكا تنظر لحزب الله باعتباره مصدر قلق أساسي، لتهديد جنودها المتواجدين في سوريا والعراق؛ لذلك فإنّ مسلسل العقوبات جزء من سياسة "تقليم أظافر طهران في المنطقة"، بحسب تعبيره.
"جهاد المال".. دعوة جديدة لحسن نصر الله
ولفت إلى أنّ أيّ توتر مع حزب الله، أو أيّ تصعيد من جانبه، سيخلّف تأثيرات جمّة على لبنان، بصورة سلبية، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن الأوضاع الإقليمية المتأزمة، في ظلّ استخدام إيران أوراق ضغطها على دول الجوار، بهدف توفيق مصالحها ومواءماتها السياسية.


ومن ناحيته، يشير معهد واشنطن، إلى أنّ حزب الله بدأ يعترف بوطأة أزمة العقوبات عليه، فقد خرج الأمين العام للحزب حسن نصر الله في أحد خطاباته، معلقاً على الأزمة التي يشعر بها جراء العقوبات، كما طلب من جماهيره المساندة والاحتضان الشعبي، ودشّن ما أسماه "جهاد المال"، داعياً كلّ من يؤيد المقاومة إلى التبرع لهيئة دعم المقاومة الإسلامية، في حالة تعبئة أيديولوجية ضخمة.

اقرأ أيضاً: برعاية أوروبا.. هل تنجح إيران في تجاوز العقوبات الأمريكية؟
وفي سياق تبعات الأزمة المالية على حزب الله جراء العقوبات الأمريكية، أوضح المعهد الأمريكي؛ أنّه مع انخفاض عدد المعارك في معظم الأراضي السورية، تمّت إعادة العديد من عناصر حزب الله إلى بلادهم، معتمداً على بعض القوات القتالية واللوجستية، الموجودة في دمشق ودير الزور وجنوب سوريا، الأمر الذي يكشف عن تعثر الحزب في دفع رواتبهم، كما بدأ المقاتلون وعائلاتهم يتذمّرون من الرواتب المقتطعة، وهو أمر غير مسبوق.
وكشف تقرير بثه موقع "سكاي نيوز عربية"، أنّ الموظفين في مؤسسات "حزب الله" الإعلامية والتربوية والطبية والعسكرية، يشتكون من تخفيضات حادة في الرواتب والأجور، حتى إنّ بعضهم لم يتقاضوا إلا ستين في المئة من رواتبهم، خلال كانون الثاني (يناير) العام الجاري؛ ولذلك يتوقّع الموظفون تخفيضات إضافية في المستقبل الوشيك.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية