"جن": مسلسل متواضع المستوى أثار زوبعة في فنجان

"جن": مسلسل متواضع المستوى أثار زوبعة في فنجان


17/06/2019

توالت ردّات الفعل المتتالية بمجرد عرض الحلقة الأولى من المسلسل الأردني، بإنتاج أمريكي، على شبكة "نتفلكس"، تحت عنوان "جن"، وكان ظهورها الأبرز عبر وسائل الإعلام التي انجرّت وراء الاصطفافات في مرات ووراء السبق الصحافي من دون تدقيق في أوقات أخرى، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي جنحت فيها المخالفات نحو القدح والذمّ والتحقير.

تحوّلت الانتقادات لـ "جن" لقضية رأي عام، حين أُطلِقت تصريحات على مستوى رسمي شارك فيها المفتي والمدعي العام ومؤسسات الإعلام

توالت ردّات الفعل كما حجارة الدومينو التي يدفع كل منها الآخر؛ إذ سبق عرض المسلسل حملة إعلانية محصورة في نطاق متوسط، تلته حالة من الاستياء والانتقادات بمجرد عرض الحلقة الأولى على "نتفلكس" بذريعة تضمّنها ألفاظاً بذيئة ومشاهد خادشة للحياء ومخالفة قيم المجتمع الأردني، ليعقب هذا مطالبات بمحاسبة القائمين عليه. وصرحت هيئة الإعلام المرئي والمسموع أنّ المسلسل ليس من ضمن صلاحياتها، وقالت الهيئة الملكية للأفلام إنّ دورها يقتصر على تسهيل الدعم اللوجستي للتصوير في الأردن فحسب، فيما أعلنت سلطة منطقة العقبة أنها بصدد اتخاذ إجراءات رادعة بحق القائمين على العمل، وليحسم مدّعي عام عمّان الجدل بإيعاز لوحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية باتخاذ إجراءات فورية لوقف بث المسلسل ونشره، ولتُصرّح "نتفلكس" عقب هذا بأنها لن تتهاون مع الألفاظ الجارحة والاتهامات التي طالت طاقم العمل.
يذكر أنّ المسلسل، من تأليف وإنتاج إيلان وراجيف داساني وإخراج اللبناني مير جان بوشعيا وإخراج الأردني أمين مطالقة.

 

هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وتراشق الاتهامات
في وقت اكتفت فيه معظم وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بتناقل مستجدّات الأمر تباعاً، من تنديدات وتصريحات من دون مناقشة مستفيضة لحيثيات العمل ومن دون إيراد رأي الأطراف كافة عند النقل عن رؤية جهة ما للعمل والقائمين عليه، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي خلقت حالة عالية من التحريض والذم والقدح والاتهامات، ما اقترب بالأمر من حدود خطاب الكراهية، كما أنّ مراقبة للتعليقات لم تجرِ، وكان ثمة جهل ملحوظ لدى كُثر من المعلّقين وناشري التعليقات حول أنّ مساءلة قانونية قد تحدث بسبب ما انطوَت عليه هذه التعليقات من ذم وقدح واتهامات وتحقير.

اقرأ أيضاً: هل تجتمع الإنسانية مع العنف في الثقافة العامة؟.. مسلسل الهيبة نموذجاً
وسائل إعلام عربية وعالمية انشغلت بردّات الفعل حول الفيلم، فيما لم يحظَ الفيلم نفسه كمادة بمناقشة ما، فظهرت عناوين من قبيل "مسلسل جن الذي جنّن الأردنيين" و"مشاهد إباحية تتسبّب في وقف مسلسل جن في الأردن" و" بعد عرضه على نتفليكس.. مسلسل جن يثير جدلاً بالأردن" و"بدء عرض مسلسل جن.. هجوم عاصف عبر تويتر ونتفليكس ترد".
الأمر لم يخلُ من اتهامات لجهات عدّة، منها ما طال هيئة الإعلام المرئي والمسموع، ومنها ما طال الهيئة الملكية للأفلام، واتهامات أخرى طالت هيئة تنشيط السياحة وأخرى تعلّقت بقناة تلفزيونية محلية قيل في معرض الاتهامات إنها أسهمت في ترويج الفيلم من دون التدقيق في محتواه.
وعند العودة لما بُثّ عبر هذه القناة تحديداً يتبيّن التالي:
- الفيديو بُثّ عبر منصة "إنستغرام"، قبل أسابيع، ولم يكن ترويجياً بل أقرب للقيمة الخبرية التي تتحدّث عن تصوير أول مسلسل عربي على "نتفلكس" في الأردن.

- عُرِضَ تقرير في ساعات الصباح الباكر على هذه القناة؛ للحديث عن المسلسل الذي تمّ تصويره في البتراء، وكان التقرير متقضباً ولم تظهر فيه أي مقاطع من العمل.

- عرضت القناة مشاركة لنقيب الفنانين الأردنيين السابق ساري الأسعد، الذي تحدّث عن المسلسل من وجهة نظر أخرى بعيدة عن التسويق.

ويشي ما سبق بحجم الاتهامات التي أُطلِقت جزافاً إلى حد كبير، ومنها ما ذهبَ لتناول سلطة منطقة العقبة، على الرغم من كون الجهة هذه لم تقترب من حدود الفيلم من قريب أو من بعيد.

اقرأ أيضاً: "دفعة القاهرة": مسلسل ممتع لكنه مخيّب للآمال
بدورهما، أصدرت الهيئة الملكية للأفلام وهيئة الإعلام المرئي والمسموع بيانين؛ للتعليق على الاتهامات الموجة إليهما، ليتضمّن بيان الهيئة الملكية للأفلام "لا يوجد في نص القانون أي مهمة رقابية للهيئة على الأعمال المقدمة ولا تتطلع على النص أو السيناريو. اللافت أن ثمة مطالبات بمزيد من الحريات والخيارات الشخصية. لكن عندما نواجه حالات كهذه، ينسى البعض هذه المطالب. ففي نهاية المطاف هذه قضية خيار شخصي لمشاهدة أو عدم مشاهدة عمل قد لا نتفق على محتواه"، فيما جاء في بيان هيئة الإعلام المرئي والمسموع أن مثل هذا الإنتاج (المسلسل) لا يدخل ضمن صلاحياتها، كاطلاع ورقابة على السيناريو، أو جميع الأمور الفنية والتقنية من حيث الإعداد والإنتاج والتمثيل والإخراج، وذلك وفقاً لأحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع النافذ، مكملة أنّ مسؤوليتها الوطنية تتمثل في المتابعة مع الجهات ذات العلاقة "لمنع عرض مثل هذه المشاهد داخل الأردن سواءً مع الهيئة الملكية للأفلام أو مع أي جهة فنية مختصة أخرى".

الاحتجاجات تركزت على العبارات النابية التي وردت في المسلسل

تحويل الأمر لقضية رأي عام
تحوّلت الانتقادات المتوالية لمسلسل "جن" لقضية رأي عام، حين أُطلِقت تصريحات على مستوى رسمي حول الأمر، من بينها ما ذهب إليه مدّعي عام عمّان من إيعاز لوحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية باتخاذ إجراءات فورية لوقف بث المسلسل ونشره، وليُصرّح مفتي المملكة الأردنية الهاشمية محمد الخلايلة أيضاً حول الأمر، بقوله إنّ العمل يُخالف تعاليم الدين الإسلامي، ولتطفو على السطح أنباء تتحدّث عن اجتماع بين مجلس النوّاب والحكومة؛ لبحث الأمر.

اقرأ أيضاً: مسلسل Wild Wild Country: يُسائل الديمقراطية الأمريكية
وفي تعليقه على هذا السجال الإعلامي، يقول الصحافي يحيى شقير، المختصّ بالتشريعات الإعلاميّة، إنّ  "وسائل التواصل الاجتماعي حوّلت قضية مسلسل جنّ  إلى قضية رأي عام، وأصرّ على أنّ وسائل التواصل الاجتماعي وليست وسائل الإعلام من قام بذلك؛ ذلك أنّ الأولى سحبت البساط من تحت الصحف والتلفاز وجميع مظاهر الإعلام التقليدية، وباتت باروميتر لقياس الرأي العام وتشكيله".

شقير: أن يتم بث المسلسل من الخارج سواءً عبر الفضائيات أو عبر الاشتراكات فلا ولاية للقانون الأردني عليه

وينوه شقير إلى أنه "في المعايير الدولية للبث السينمائي والتلفزيوني، يجب التفريق بين طريقتين للبث: الأولى ما يسمى البث الخطي linear وهو ما يتم بثه على التلفزيون الوطني للعامة، وفيه يتم التشدد على جوانب العنف والأخلاق العامة، أما البث غير الخطي non-linear أو البث حسب الطلب on-demand كما في حالة مسلسل جن، فيمكن مشاهدته من قبل مشتركي نتفلكس، حيث يدفع المشاهد بدل هذه المشاهدة، فتكون القيود أكثر ليونة".
يردف شقير أنه "يُشترَط في جميع الحالات وضع تحذير للمشاهد بوجود مشاهد جريئة أو عنف مع المقياس المناسب لأعمار المشاهدين"، مضيفاً "أن يتم بث المسلسل من الخارج سواءً كان هذا عبر الفضائيات أو عبر الاشتراكات فلا ولاية للقانون الأردني عليه، أما في حال الرغبة في عرضه في الأردن سواءً كان هذا في دور السينما أو الفضائيات المحلية، فقانون الإعلام المرئي والمسموع يقوم بالرقابة المسبقة".
توالت ردّات الفعل كما حجارة الدومينو التي يدفع كل منها الآخر

رؤية فنية
ويعلّق أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية في دبي، الدكتور موسى برهومة، على ما سبق، بقوله "أزعم أن الغالبية العظمى من المعترضين على المسلسل لم يشاهدوه، ولا يعرفون ما هي نتفلكس، لكنهم ساروا وراء السائرين بأنّ المسلسل يتصادم مع أخلاق الأردنيين، مع أنّ المسلسل لا صلة له بالأردنيين، وهو عمل فني يشارك فيه ممثلات وممثلون من الأردن، وجرى تصويره وإنتاجه لمصلحة شركة عالمية هي نتفلكس، ولا يزعم المسلسل أنه يعبّر عن الشعب الأردني وقيمه".
يستدرك برهومة، قائلاً "لا أعتقد أنّ هذا المسلسل عمل فني خارق؛ فهو مسلسل متواضع المستوى، وحكايته ساذجة ولا تتضمن أي تسويغ فني للأحداث التي اختارها القائمون على العمل أن تكون فانتازية. الاحتجاجات تركزت على العبارات النابية التي وردت في المسلسل، وحقاً لا ضرورة لها على الإطلاق إلا إذا كان المقصود بها إحداث الصدمة، وقد تحقق هذا الأمر على نحو سلبي لا يخدم المسلسل ولا أفق الدراما في الأردن".

اقرأ أيضاً: جدل في الشارع الأردني بعد عرض مسلسل "جن" عبر "نتفليكس"
ويرى برهومة أنّ "المجتمع الأردني بطبعه محافظ، وهذا أمر لا يعيبه ولا ينتقص منه أبداً، لكن الذي يجري في أعقاب أية قضية تتناول منظومة الأخلاق العامة، أنّ هناك وكلاء جعلوا أنفسهم ناطقين حصريين باسم القيم والأعراف وأداء الشعائر الدينية. وهؤلاء الوكلاء ينشطون كلما أثيرت زوبعة، كما جرى أخيراً حول المسلسل، وهي ليست أكثر من زوبعة في فنجان".
يضيف برهومة أنّ "الغريب حقاً هو أنّ هؤلاء الوكلاء أصحاب صوت عالٍ، ويتبعون مؤسسات تنظيمية ذات أجندة معروفة تتعقب الحالات التي تعتقد أنها ناشزة، من أجل الاصطياد في المياه العكرة، فتثوّر الشارع والناس عبر وسائط السوشال ميديا، وينجرّ خلفها المتابعون كالقطيع".
وأعرب برهومة عن أسفه من "استثمار هذا المسلسل من أجل الإساءة إلى حرية التعبير والرأي والإبداع، ومن أجل المغالاة في محاصرة الفنون بعامة؛ لأنها، في نظر أولئك الوكلاء الحصريين، عدوّة الدين والأخلاق والقيم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية