وكيل المخابرات المصرية الأسبق محمد رشاد: القبض على محمود عزت زلزل الجماعة

وكيل المخابرات المصرية الأسبق محمد رشاد: القبض على محمود عزت زلزل الجماعة


26/10/2020

أجرى الحوار: رامي شفيق

قال اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات المصرية العامة الأسبق، إنّ جماعة الإخوان المسلمين تمثل خطراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها أداة وظيفية تم استخدامها عبر عقود طويلة مضت من جميع أجهزة المخابرات التي عملت في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من تعاون حسن البنا، والمخابرات البريطانية في عشرينيات القرن الماضي، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات" أنّ هذا الدور "استمر مع المخابرات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم التعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية لمواجهة الحضور السوفييتي إبّان الحرب الباردة".

الجماعة أداة في يد الأعداء يتم توظيفها واستثمارها ضد استقرار الدولة المصرية

وأكد رشاد، الذي عمل قنصلاً عاماً باليونان وتركيا، أنّ أنقرة لا تتحرك سوى لتحقيق مصالحها، ولا تعبأ على الإطلاق بأمور الدين ومعتقداته، مستخدمة الإسلام بشكل دعائي فـ "لغة المصالح الاقتصادية، والسعي نحو بسط النفوذ التركي على مسرح أحداث الشرق الأوسط، هو الهدف الأهم في ذهنية أردوغان، ودعم جماعة الإخوان المسلمين يأتي في هذا الإطار".

وهنا نص الحوار:

موقف مصر من المصالحة

أشار الرئيس المصري مؤخراً إلى "استحالة إجراء مصالحة مع من أزهق أرواح الشهداء، وهدد استقرار مؤسسات الدولة"، هل قصد جماعة الإخوان المسلمين، أم داعميهم كقطر؟

تقديري لفهم حديث الرئيس المصري أنّه موجّه لعدة أطراف، ولكنّه يختصّ بجماعة الإخوان المسلمين في الدرجة الأولى، ويتصل مباشرة بقطر التي تدعم الجماعة وترعى أنشطتها، وبالتالي فالرئيس تعمّد أن يأتي بعموم الألفاظ دون تحديد مصدر بعينه، على اعتبار أنّ الجماعة أداة في يد الأعداء، يتم توظيفها واستثمارها ضد استقرار الدولة.

دم الشهداء الذي سال على تراب الوطن يقف حائلاً وسداً منيعاً أمام المصالحة مع الإخوان وداعميهم

وينبغي ألّا نغفل حجم المسؤولية التي تتحملها الجماعة ومن يدعمها إزاء العمليات الإرهابية، خاصة ما يجري في سيناء، وحجم التكلفة التي تتحملها الدولة لمواجهة ذلك الخطر، وهذا ما يدفعني إلى القول إنّ الدولة المصرية ارتأت بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) أن تتعامل مع الجماعة باعتبارها نظاماً، وعلى ذلك تمّ القبض على قيادات الجماعة، وترك الكثير من الأعضاء، بينما كانت رؤيتها حين تم تصفية التنظيم في العام 1965 التعامل مع الجماعة باعتبارها تنظيماً، وتم القبض على الجميع من قادة وقواعد. وتأسيساً على ذلك، أرى أنّ دم الشهداء الذي سال على تراب الوطن يقف حائلاً وسداً منيعاً أمام المصالحة.

وماذا عن جملة الأدوار التي لعبتها قوى دولية وإقليمية من أجل تصعيد الإخوان المسلمين؟

الولايات المتحدة الأمريكية قبل ثورات العام 2011، قدّمت كل سبل الرعاية لمشروع الإسلام السياسي، من خلال الدوحة وكذلك توظيف الدور التركي بتصعيد جماعة الإخوان المسلمين، وكل ذلك لإرساء مشروع سياسي يجمع كل التنظيمات الإسلامية، من خلال الإخوان، الذين انحصر دورهم في تسليم المشروع لواشنطن بعد فلترته من قيم التعصب والتشدد، واستخدام العنف، فضلاً عن موافقتها على كافة الاتفاقيات مع إسرائيل بخلاف ما هو معلن.

بين الأدوار الوظيفية والسقوط السياسي

فتحت الأوراق الخاصة بهيلاري كلينتون شهية الحديث حول دعم واشنطن لجماعات الإسلام السياسي، ما الذي كان مخطّطاً؟

المخابرات المركزية الأمريكية، التي تضع خطط السياسة الأمريكية حول العالم، رصدت الجماعة منذ زمن طويل، وخلال السنوات التي سبقت ثورات العام 2011، بدأت واشنطن في الاتصال ببعض قياداتها، وحدث بينهم تشاور في عدد من القضايا، بيد أنّ الجماعة انشغلت كثيراً بالوصول إلى الحكم، دون الالتفات إلى بقية العناصر الملزمة؛ لإنجاح تجربة الانتقال من العمل الدعوي إلى العمل السياسي.

الإخوان انحصر دورهم في تسليم مشروع الإسلام السياسي لواشنطن بعد فلترته من قيم التعصب والتشدد

فالجماعة برغم نشأتها منذ العام 1928 مرّت بمراحل عديدة مع نظم الحكم المتعاقبة من عهد الملك فاروق، ثم تجربتهم مع الرئيس جمال عبد الناصر، ثم مسيرتهم المعقدة مع الرئيس أنور السادات، فضلاً عن معايشتهم لكافة عناصر الاشتباك والتفاعل مع نظام الرئيس محمد حسني مبارك، من الاعتقال إلى مقاعد البرلمان وحيازة النقابات المهنية، والتحرك بين المواطنين في الشارع، إلا أنّهم لم يبلوروا تجربة سياسية، ولم يستطيعوا القبض بوعي على رؤية لإدارة شؤون البلاد.

وربما ذلك أيضاً ما أشار إليه الرئيس المصري خلال الندوة التثقيفية، وعلى كل حال ما أود أن أؤكد عليه أنّ جماعة الإخوان لم تهتم سوى بالحصول على كرسي حكم مصر، ولم تلتفت إلى كيف الجلوس على هذا الكرسي.

حالياً تعاني جماعة الإخوان من انشقاقات داخلية، وأزمات حادة في عدد من دول العالم، هل نتحدث عن خريف الجماعة؟

لا يمكن أن تغفل أثر الأحداث المتعاقبة التي ضربت الجماعة منذ ثورة 30 حزيران (يونيو) العام 2013، ومدى أثرها العنيف على التنظيم وتماسك قواعده، وترابط لجانه الداخلية.

الجماعة انحازت للوصول إلى الحكم على حساب إنجاح تجربة الانتقال من الدعوي إلى السياسي

ورغم يقيني التام أنّ ما حدث خلال الأعوام الأخيرة، وحتى لحظة القبض على محمود عزت، يُعدّ بمثابة زلزال عنيف، يضرب مستقر الجماعة ومن يدعمها بشكل كبير، غير أنّني لا أستطيع أن أهوّن من خطر الجماعة، باعتبارها أداة وظيفية، لا تمانع البتة بيع أفرادها وأنشطتها ومساحات الحركة الخاصة بها، لتوظيفها ضد مصالح واستقرار مصر، ولهذا، فإنني أدعو الأجهزة المعنية كافة، إلى رفع درجة الاستعداد دوماً ضد نشاط الجماعة المحتمل.

الإدارة الأمريكية وتوظيف الأجندة التركية

من وجهة نظرك، إلى أيّ حد يمكن تفسير الانخراط التركي في جملة الصراعات على مسرح أحداث الشرق الأوسط؟

دعنا نتفق حول قاعدة استراتيجية تقول: إنّ تركيا هي جوكر أمريكا في الشرق الأوسط، وأمريكا توظفها لتنفذ كافة رغباتها وأهدافها، خاصّة ما يتصل بمجابهة المصالح الروسية والصينية، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ينبغي أن أؤكد على نقطة جديرة بالأهمية، وهي أنّ أردوغان لا يعرف سوى لغة المصلحة، ولا يعبأ بمسألة الدين والإسلام بأيّ حال من الأحوال كما يعتقد الكثيرون.

الإخوان لم يبلوروا تجربة سياسية ولم يستطيعوا القبض بوعي على رؤية لإدارة شؤون البلاد

تركيا كل هدفها وكل تحركاتها تنصبّ على مصالحها ورغباتها في فتح أسواق جديدة لبضائعها في أسواق الشرق الأوسط، ولهذا ليس مستغرباً أن تواجه السعودية ذلك الطموح وتلك الرغبات بالتضييق على البضائع التركية، فضلاً عن نفوذها في الشرق الأوسط، والذي يُعدّ سبيلها الأساسي والرئيس للضغط على أوروبا، بعيداً عن مسائل الإسلام ومضامينه العقائدية والإيمانية، وذلك ما يجعلنا نفهم تحركات أردوغان الأخيرة في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.

أردوغان لا يعرف سوى لغة المصلحة ولا يعبأ بمسألة الإسلام بأيّ حال من الأحوال

وعليه، يجب أن ندرك بشكل تام أنّ تركيا لا تتحرك سوى لتحقيق مصالحها، ولا تعبأ على الإطلاق بأمور الدين ومعتقداته، تركيا تستخدم الدين بشكل دعائي، وتتلقف الترسانة الإعلامية هذا الخطاب، وتوظفه من أجل تلميع وجه أردوغان، وتستطيع أن تتعقب ذلك في كافة مواقف أردوغان، وما ارتبط بطريقة ردّه على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فالسياسة لا تعرف شيئاً سوى لغة المصالح، وأردوغان يستخدم كافة الأساليب والآليات التي تحقق له ذلك، خاصة مع غياب الدور العربي.  

في ظلّ تداعيات ثورة 30 حزيران (يونيو) وانهيار مشروع الإسلام السياسي بمصر، هل عدّلت واشنطن من رؤيتها؟ وما أفق مصالحها في الشرق الأوسط استناداً إلى تلك التغيرات؟

ثمّة ضرورة في ذهن الإدارة السياسية في أوروبا والولايات المتحدة لتحقيق التوازن بين الإجراءات التي يجب عليها أن تواجه بها جماعة الإخوان المسلمين، وبين التكتلات الاقتصادية المحسوبة على الجماعة، ولهذا تجد أنّ أغلب الإدارات المتعاقبة تتعامل بحساسية شديدة مع تلك التنظيمات.

ولهذا، فإنّني أدعو الدول العربية، خاصّة التحالف المصري/الإماراتي/السعودي، إلى العمل نحو الضغط على تلك الحكومات، للتحلل من تلك الكيانات، واتخاذ مواقف أكثر حسماً تجاه تنظيمات الإسلام السياسي.  

هل ثمّة هنا تضارب بين إدارة الأهداف ورسم آليات تنفيذها؟

الإدارة الأمريكية تدير الأهداف، لكن من يضع تلك الأهداف ويرسم آلياتها هي المخابرات المركزية الأمريكية، وسيأتي الرئيس القادم لينفذ تلك الأهداف.  

وتأسيساً على ذلك، ينبغي أن أؤكد لك أنّ الولايات المتحدة اعتمدت استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، أطلقت عليها سياسة الإنهاك البطيء، وتعتمد على تحويل البلاد المستقرة إلى دول فاشلة، لا تستطع أن تلبي احتياجات مواطنيها، ومن ثمّ يصبح سقوط الدولة نتيجة لتفاعلات داخلية بين أفراد الشعب من ناحية، وبينهم وبين أجهزة الدولة من ناحية أخرى.

هل تتفق مع من رأى أن ثورات "الربيع العربي" استغلت "شيخوخة" الأنظمة الحاكمة للدول التي جرت فيها؟

ربما يقودنا ذلك إلى العودة إلى العام 2006 تحديداً، مع طرح سيناريو الفوضى الخلاقة، وقد اختارت واشنطن لبنان نموذجاً لتلك الاستراتيجية، لكنّ البيئة لم تكن متاحة، نظراً لطبيعة الأوضاع هناك.

الولايات المتحدة اعتمدت استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط أطلقت عليها سياسة الإنهاك البطيء

لذلك لجأت الإدارة الديمقراطية إلى فكرة استخدام منظمات المجتمع المدني، وزرع وكلاء محليين، ونجحت تلك الخطة، خاصة مع البطء الشديد في تعامل الأنظمة السياسية مع حركة الشارع، الأمر الذي أدى إلى تغير المشهد السياسي، واستبدال الأنظمة القديمة بجماعات الإسلام السياسي، خاصة في التجربة المصرية التي كان يعوّل عليها كثيراً في المنطقة، إلا أنّ تحركات الشارع والجماهير في ثورة 30 حزيران (يونيو) أحبطت المخطط، ما يفسّر العداء التركي للثورة المصرية؛ إذ إنّ رجب طيب أردوغان كان يرى في مشروع الإسلام السياسي سبيلاً نحو تحقيق طموح العثمانية المزعومة، ويفسّر أيضاً عداء إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لها؛ إذ بدّدت الثورة خطط الديمقراطيين ومشروعهم السياسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية