هل يُنتج التعليم الديني في المغرب فرداً "تائهاً"؟

المغرب

هل يُنتج التعليم الديني في المغرب فرداً "تائهاً"؟


04/05/2019

عقب الأحداث الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء، العام 2003، أطلق المغرب مشروعاً لإصلاحِ التعليمِ الديني، ومناهجِ تدريسه، بهدف خلق خطاب ديني معتدل يُواجه تيار الفكر المتشدد.

لكنّ مقتل سائحتين على يد متطرفين بمنطقة إمليل نهاية العام 2018، من ضواحي مراكش جنوب المغرب، أعاد من جديد ملف التعليمِ الديني بالمغرب إلى دائرةِ النقاش.

اقرأ أيضاً: "حوثنة" التعليم العالي في اليمن... فساد وتمويل للمجهود الانقلابي

وطالب بعض الحقوقيين بإغلاقِ دور تحفيظ القرآن الكريم غير التابعة للدولة وغير الخاضعة لإشرافها الرسمي في جميع أرجاء المملكة المغربية، معتبرينَ أنّ هذه الدور غير الرسمية "تساهم في نشر الخطاب المتطرف في صفوفِ أطفال وشباب مغاربة"، وأنّها ورقة في يد الحزب الإسلامي "العدالة والتنمية"، لاستقطابِ أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات.

طالب بعض الحقوقيين بإغلاقِ دور تحفيظ القرآن الكريم غير التابعة للدولة

"سيحكم هو وحزبه"

"إنّ هذه الدار وأمثالها تتشرف بمن يؤمّها من هذه الوجوهِ الكثيرة من الشبابِ والشيوخِ والكهول والأطفال، الذين يوجدون في مدينة يَؤمها الناس من العالم، ليَقضوا في ملاهيها وأرجائِها أوقاتاً من أعمارِهم، يَعصون الله، شبابك -يا سيدي- وهؤلاء الشيوخ المحيطون بك، وهؤلاء الأطفال الزهور الذين ازدان بهم هذا المجلس، تركوا كلّ ذلك خلفهم وتحلقوا في حلقات الذكر والقراءة والحفظ، بهذا تتشرف هذه الدور بهؤلاء الرجال"؛ بهذه العبارات يبارك مصطفى الرميد، القيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ووزير حقوق الإنسان، دور القرآن الكريم التابعة لـ "جمعية الدعوة إلى القرآن والسنّة" بمراكش.

عقب الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء العام 2003 أطلق المغرب مشروعاً لإصلاحِ التعليمِ الديني

وليس الرميد فقط من بارك دور القرآن الكريم التابعة للسلفي عبد الرحمن المغراوي، بل أيضاً الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، بارك أيضاً عودة المغراوي إلى المغرب، ومنحه الدعم لفتح دور القرآن الكريم.

وفي مقابلِ خدمات الحزب الإسلامي للشيخ السلفي، المُثير للجدل، بسبب فتوى أصدرها، تدعو لتزويج الفتيات بعمر 9 أعوام، دعم المغراوي حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية، ووعدهم بالبقاءِ على رأس الحكم، إذا طبقوا الشريعة الدينية، ونشروا الإسلام، قائلاً: "سيحكم هو وحزبه إلى أن يرث الله الأرض وما فيها"، كما جاء على لسانه في لقاء نظمته شبيبة العدالة والتنمية، في قرية إيمنتانوت نواحي مراكش.

استغلال دُور القرآن الكريم

وكانت السلطات المغربية قد أغلقت مؤخراً عدة دور لتعليم القرآن الكريم، تابعة لجمعية "الدعوة إلى القرآن والسنّة" في مراكش، جنوب المغرب.

"ليس المغرب بلداً يُمكن أن يُترك فيه موضوع تعليم القرآن الكريم، دون أصول أو مناهج، ووفق برنامج تربوي رسمي في إطار القانون"؛ هذا ما أكّدته الوزارة التي تتولى مسؤولية تدبير الشأن الديني ومن ضمنه التعليم الديني في إطار التعليم العتيق، في بيان.

وبعد مقتل السائحتين في منطقة إمليل، ضواحي مراكش، على أيدي شابين ينحدران من أحياء هامشية بمراكش، أُعيد النقاش من جديد حول الدور الخاصة بتعليم القرآن الكريم، وهل ساهمت في تغذيةِ الفكر المتطرف لدى هؤلاء الشباب؟ وكيف تحولت بعض الأحياء الهامشيةِ في مراكش إلى بيئة حاضنة للتطرف؟

اقرأ أيضاً: تطوير المناهج التعليمية في مجتمعاتنا.. حصان طروادة

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في علم اجتماع المغربي، عبد الرحيم عنبي إنّ "هناك أحياء هامشية بمراكش من الصعب أن تمشي فيها فتاة بلباس عصري"، مؤكداً في حواره مع "حفريات"، أنّ "دور القرآن الكريم التابعة للمغراوي في مراكش نموذج لنشر الفكر المتطرف".

وأشار الباحث المغربي إلى التحول الذي مسّ التعليم الديني بالمغرب، وانتقالِه من مدارس عتيقة كانت تحصل على الدعم من السلاطين أو المحسنين إلى دور ومؤسسات مرتبطة بجهات خارجية تروّج لفكر يتنافى مع الواقع المغربي.

يرى عنبي؛ أنّ "التعليم الديني العصري اليوم أصبح يخدم أغراضاً سياسيةً، ومرتبطاً بقضايا عالمية لا يرتبط بالمجتمعِ المغربي، ولا يطرح قضاياه الراهنة، معتبراً أنّ "ذلك لن يشكل مشكلاً بالنسبة إلينا في المغرب، في حالة كنا دولة مدنية، لكن حضور الجانب الديني الكبير بالمجتمع المغربي، يفرض على علماء الدين والفقهاء أن يكونوا فاعلين، وأن يتحروا صحة ما يصدرون من فتاوى".

عبد الرحيم عنبي: التعليم الديني بالمغرب برغم من حداثته يساهم في انتشار الفكر المتطرف ‎

بين نادية ياسين وعائشة بلعربي

ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى المفارقة التي يعيشها الشأن الديني بالمغرب، وكيف كان علماء الدين، الذين تخرجوا من المدارس التقليدية بالمغرب، منفتحين على قضايا المجتمع والمرأة، مستحضراً نموذج عائشة بلعربي، الباحثة والكاتبة في علم الاجتماع، ابنة فقيه مغربي ينتمي للمدرسة الدينية التقليدية المغربية، وهي من أبرز المدافعين عن حقوقِ المرأة، وبين نادية ياسين؛ التي تُعرف اليوم بأفكارها المتشددة، ابنة عبد السلام ياسين، زعيم جماعة العدل والإحسان، الذي درس في معاهد حديثة.

اقرأ أيضاً: تعليم اللغة العربية في كندا ثغرة تتسلل منها جماعات الإسلام السياسي

وتظهر هذه المقارنة، كما يقول، المفارقة التي يشهدها التعليم الديني بالمغرب، "فرغم حداثته؛ فهو ينتج أفراداً يتبنون أفكاراً متطرفة، في حين كان علماء الدين والكتّاب والباحثون والقضاة الذين درسُوا في المدرسة التقليدية العتيقة، يتبنون أفكاراً متسامحة ويهدفون إلى تحقيق التوازن بالمجتمع، ولا يتطلعون لتمويلات خارجية".

رغم حداثته؛ فهو ينتج أفراداً يتبنون أفكاراً متطرفة

"فرد مغربي تائه"

يشير عنبي إلى "مساهمة بعض الفقهاء والشيوخ في خلق فرد مغربي تائه، يتنقل بين المحطاتِ التلفزيونية تارة، ويستمع لخطب شيوخ من مشارب شتى وتارة لدعاة التكفير والتطرف"؛ وهذا راجع، بحسب الباحث المغربي؛ إلى "ابتعاد بعض الفاعلين في هذا الشأن عن نبض المجتمع المغربي، وطرح قضاياه والإجابة عن أسئلته، ليجد الفرد المغربي نفسه، بحسب الباحث، يبحث عن أجوبة لأسئلته لدى شيوخ متشددين، يتواجدون في دول أخرى ولهم مرجعية مختلفة عنه".

اقرأ أيضاً: جدلية التعليم .. لماذا يتعثر الإصلاح التربوي؟

ويضيف عنبي: "المغرب من الدول التي كانت فيها مؤسسة التعليم الديني، وكانت تضم جامعة القرويين ومدارس العتيقة، والمسجد الجامع، والزوايا التي تلعب دوراً كبيراً في التعليم الرسمي، الذي كان يخضع لمراقبة صارمة".

ويشدد عنبي على "أهمية السياق التاريخي للتعليم الديني بالمغرب"، موضحاً أنّه يقسَم إلى مرحلتين، وأبرز مرحلة كانت من دخول الإسلام إلى المغرب حتى حدود القرن 15، معتبراً أنّ المغرب الإسلامي، الذي تمثله الأندلس، كان قوياً بسبب الاهتمام بتعليم الفلسفة والفكر، مستحضراً ابن رشد وعدداً كبيراً من الفلاسفة والعلماء، لكنّ انهيار الغرب الإسلامي، بحسب الباحث، "سيجعل التعليم الديني، غالباً، مرتبطاً بالزوايا، ويمنع الفلسفة والاجتهاد، ويمنع المنطق، وغيرها من العلوم التي تخاطب العقل".

حضور الحفظ وغياب النقد

يذكر أن عدد مدارس التعليم العتيق يبلغ 289 مدرسة، يقع أغلبها في الوسط القروي، ويدرس فيها أكثر من 32 ألف طالب.

السلطات المغربية أغلقت عدة دور لتعليم القرآن الكريم تابعة لجمعية "الدعوة إلى القرآن والسنّة" في مراكش

يلج الطلبة في العادة المدارس العتيقة، بعد أن يكونوا حفظوا القرآن الكريم في الكتاتيب القرآنية، وينتشر في المغرب أكثر من 11 ألفاً من الكتاتيب القرآنية (تابعة للمساجد)، يدرس فيها 320 ألف طالب، وأكثر من 2100 مركز مستقل (غير تابع للمساجد)، لتحفيظ القرآن، يدرس فيها 100 ألف طالب.

من جانبه، يرى الباحث المغربي في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي أنّ "التعليم الديني في المغرب، سواء الرسمي أو غير الرسمي، يحتاج إلى تغييراتٍ جذرية"، عازياً ذلك، في حديثه لـ(حفريات)، إلى الطريقة المعتمدة اليوم في تدريس المعارف الدينية، معتبراً أنها طريقة تقليدية قديمة، لا تتوافق ومناهج التدريس المعاصرة.

ويقول رفيقي: إنّ "هذه المدارس لا تساهم في تخريج أناس مختصين في العلوم الدينية، ومنفتحين على قضايا العصر، وعلى الواقع الذي نعيشه اليوم، ويستطيعون التعامل مع القضايا الإشكالية التي يعيشها العالم"، مشيراً إلى أنّ "الطرق المنهجية المستعملة في التعليم الديني، حالها كحال باقي الطرق المستعملة في التعليم غير الديني".

وينتقد رفيقي اعتماد الحفظ والاستظهار دون تنمية مَلَكة النقد والحسّ النقدي، والحسّ التأملي، عند الطالب، معتبراً أنّ ذلك ينتج أجيالاً لا تمتلك القوة على نقد والمبادرة، على حدّ تعبيره.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية