هل يملك جنرالات النيجر الجددُ حلولاً لردع الحركات المتطرفة؟

هل يملك جنرالات النيجر الجدد حلولاً لردع الحركات المتطرفة؟

هل يملك جنرالات النيجر الجددُ حلولاً لردع الحركات المتطرفة؟


17/08/2023

يحذر خبراء من أنّ أي تصعيد في النيجر، بعد الانقلاب العسكري الأخير، قد يؤدي إلى زيادة زعزعة الاستقرار في النيجر وفي منطقة الساحل في غرب أفريقيا، وهي واحدة من أفقر دول العالم، حيث أدى تمرد الحركات الجهادية المتطرفة المستمر منذ فترة طويلة إلى نزوح الملايين وزيادة أزمة الجوع.

ويرفض المجلس العسكري الجديد في النيجر، منذ استيلائه على السلطة في 26 من الشهر الماضي، المبادرات الدبلوماسية، ويتجاهل الموعد النهائي الذي حددته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في 6 من الشهر الجاري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم.

وكان بازوم بدأ العام الماضي، بسبب تنامي خطر الجهاديين في منطقة الساحل، مناقشات مع عناصر من تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى المسؤول عن هجمات دامية في غرب البلاد.

اليد الممدودة!

الرئيس المخلوع قدم مقاربة جديدة، تحت عنوان "اليد الممدودة" وتستهدف خصوصاً "شباب النيجر المجندين في صفوف تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى"، ولا سيما بين أبناء رعاة يواجهون الفقر والعوز بسبب الجفاف المتكرر والتوسع في الأراضي الزراعية وعمليات سرقة الماشية التي تنفذها جماعات مسلحة.

وفي نهاية شباط (فبراير) العام الماضي أعلن بازوم أنه بدأ "محادثات" مع الجهاديين في إطار "البحث عن السلام". وأفاد أحد مستشاري الرئيس أنه "في الأشهر الثلاثة الماضية" أفرج الرئيس عن "سبعة إرهابيين" معتقلين في النيجر حتى إنه "استقبلهم في القصر الرئاسي".

وإضافة إلى ذلك أرسل بازوم "مبعوثين إلى تسعة قياديين إرهابيين" وأكد أنه يريد اتخاذ أي إجراء "يمكن أن يساعد في تخفيف العبء الذي يرزح تحته العسكريون" الذين يدفعون ثمناً باهظاً في مواجهة الجهاديين.

محمد بازوم

وذكر مقرب من الرئيس لوكالة الأنباء الفرنسية أنّ هؤلاء الموفدين نواب محليون وزعماء نافذون ورجال دين ومقربون من الجهاديين.

وتباينت الآراء حول ذلك، فقد وصف البعض مثل سولي أومارو من منتدى المواطنة المسؤولة، وهي منظمة غير حكومية، إطلاق سراح "إرهابيين" بأنه "خطأ فادح"، في حين أنّ هذه المبادرة وجدت ترحيباً بين أهل المنطقة.

وقال بوبكر ديالو رئيس مجلس مربي المواشي شمال تيلابيري: "لقد أكدنا دائماً أنه يتعين التحاور مع المواطنين المنضوين تحت راية تنظيم "الدولة الإسلامية" في الصحراء الكبرى أو "القاعدة" لنرى أيهم يمكننا إنقاذهم".

خبراء في الجماعات الإسلامية: المناخ الأنسب لنمو التطرف في النيجر يتغذى من طبيعة المجتمع الذي يعاني من نسب عالية في الأمية والجهل والتخلف

وأشاد باكاري سامبي المدير الإقليمي من معهد تمبكتو بمقاربة رئيس النيجر (المخلوع) التي قال إنها "وسيلة لتسوية مسألة الإرهاب التي لا يمكن معالجتها بالوسائل العسكرية". وتابع "باعتماد هذا النهج أراد الرئيس بازوم معالجة الأسباب البنيوية وإطلاق  حوار حقيقي داخلي".

ولطالما دافع الرئيس المخلوع محمد بازوم عن إستراتيجية "اليد الممدودة" عندما كان وزيراً للداخلية.

وفي عام 2016، أدى ذلك إلى استسلام عشرات المقاتلين السابقين من "بوكو حرام" الناشطين في جنوب شرق النيجر والذين اتبعوا لاحقاً برنامجاً لمكافحة التطرف وتلقي التدريب المهني.

وأوضح بيلو أدامو مامادو، الخبير النيجري من مختبر غرب أفريقيا للعلوم الاجتماعية أنّ "هذه المهمة ليست مستحيلة شرط إقناع السكان بالالتزام بالحوار والموافقة على العيش مع جلاديهم السابقين".

ورغم ذلك، من غير الوارد إسقاط الرد العسكري في مواجهة الجهاديين. وأعلن بازوم عن "تصاعد قوة" جيشه الذي تضاعف عديده ثلاث مرات من 11 ألفاً إلى 30 ألفاً منذ عام 2011.

وكشف أنّ قرابة 12 ألف جندي نيجري يقاتلون في إطار نحو 10 عمليات ضد الجهاديين نصفها تقريباً على طول الحدود مع مالي وبوركينا فاسو التي تمتد على أكثر من 1400 كلم.

تاريخ الجماعات الإرهابية في النيجر

يؤكد عدد من الخبراء والباحثين في الجماعات الإسلامية، أنّ المناخ الأنسب لنمو تلك الجماعات وتطورها يتغذى من طبيعة المجتمع المفقر والذي يعاني من نسب عالية في الأمية والجهل والتخلف. وهو ما يحدث في دولة النيجر الواقعة في تقاطع طرق خطير تمر منه الجماعات الجهادية من ليبيا والجزائر إلى مالي ثم تعود، الأمر الذي يضع هذه الدولة تحت مجهر التحليل للاقتراب أكثر من الظروف التي تدفع إلى تنامي قوة المتشددين في المنطقة.

الرئيس المخلوع قدم مقاربة جديدة، تحت عنوان "اليد الممدودة" تستهدف المجندين في صفوف تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى

وتشهد النيجر منذ عدة أعوام موجة متزايدة من أسلمة المجتمع في ظاهرة تراقبها السلطات عن كثب وتثير القلق في منطقة تستبيحها المجموعات الجهادية في الساحل خاصة الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة والمتحالفة مع بوكو حرام الإسلامية النيجيرية المتشددة، وفق تقرير نشرته صحيفة "العرب".

ويتغلغل فكر التنظيمات الإسلامية المسلحة داخل البنية الاجتماعية لهذا البلد والتي تعتبر بنية متخلفة مبنية على النمط القبلي التقليدي.

ومنذ سنوات بعيدة، أصبح الإسلام حاضراً بقوة في الحياة اليومية في هذا البلد الذي يعتبر من بين الدول الأكثر فقراً في العالم. وقد تم بناء الآلاف من المساجد كما تضاعفت أعداد المدارس القرآنية، وهي بنى تحتية تحبذها جماعات الإسلام السياسي المتطرفة والجماعات الإرهابية المسلحة عموماً.

مسجد في كل شارع

وفي الأحياء الشعبية بالعاصمة نيامي، يوجد مسجد في كل شارع تقريباً، ويشارك المئات في أوقات الصلاة وتغص المساجد بالمصلين لدرجة أن يبقى الكثير منهم في الخارج أحياناً، كما أنّ غالبية النساء يرتدين النقاب وألبسة أخرى توحي بالنمط المتطرف والنظرة المتشددة للإسلام.

وتعتنق الغالبية العظمى من السكان الدين الإسلامي ومعظمهم على المذهب المالكي، وهو المذهب الأكثر انتشاراً في غرب أفريقيا وهو تقليدي والأكثر ملاءمة لتلك الدول التي تعاني رغم ذلك من تعشش الجماعات المتطرفة في تفاصيله الشعبية المعقدة التي أرهقها الفقر والتخلف والأمية.

باحث من النيجر: الخطر بالنسبة للنيجر يكمن في الانتقال إلى إسلام آخر، وهذا مسار داخلي سيأتي يوم يطالب فيه البعض بجمهورية إسلامية على الشاكلة الإيرانية

وفي حين يبدي نشطاء ودعاة ارتياحهم لهذه المظاهر الدينية التي تسود المجتمع النيجري، ما يجعل من البلاد "محافظة على التقاليد الإسلامية"، فإنّ خبراء في الجماعات الإسلامية يحذرون من أن تتحول النيجر إلى حديقة خلفية للجهاديين يلجأون إليها عند اشتداد المعارك في أقطار أخرى مجاورة، لعل أهمها ليبيا.

وكان مولاي حسن من معهد أبحاث العلوم الإنسانية في نيامي، عبّر قبل سنوات عن أسفه من تنامي ظواهر التطرف المجتمعي، نتيجة تغلغل الجماعات الإسلامية قائلاً إنّ مظاهر التشدد بدأت تترسخ بشكل رئيسي في المدن. وأضاف أنّ "الجماعات السلفية في الصحراء ليس لها تأثير مباشر، لكنّ الخطر بالنسبة إلى مالي وموريتانيا والنيجر يكمن في الانتقال إلى إسلام آخر، وهذا مسار داخلي سيأتي يوم يطالب فيه البعض بجمهورية إسلامية على الشاكلة الإيرانية، وهنا يكمن الخطر الحقيقي على المستوى الإقليمي".

المسيحيون أول المتضررين

وللتعمق أكثر في نتائج تطرف بعض الشرائح داخل المجتمع النيجري بعد أن تشكلت الخلايا الجهادية وتوسعت فيه، فإنّ أول المتضررين هم المسيحيون الذين يعيشون في البلاد.

ولطالما تعايشت الأقلية المسيحية من دون مشاكل مع المسلمين خلال أزمنة سابقة، وفق تقرير "العرب" لكنّ أعمال الشغب التي استهدفتهم منذ 2015 توحي بظاهرة تفشي عنف ديني لا سابق له في هذا البلد.

أول المتضررين هم المسيحيون الذين يعيشون في البلاد

يقول الباحث مولاي حسن إنّ انطلاقة ظاهرة الأسلمة اكتسبت زخماً إبان تسعينات القرن الماضي. ويرى آخرون أنّ الظاهرة مردها قصور في السياسة العامة المعنية بالتعليم خاصة وتغييب دور المرأة في الشأن العام، والحل يكون بإخراج الشباب من دائرة الفقر إلى دائرة المبادرة وخلق فرص للإنعاش الاقتصادي.

رئيس النيجر المخلوع ظل يعتقد، منذ حملته الانتخابية السابقة، بأنّ الحل النهائي لمشكلة الجماعات المتطرفة لا يمكن أن يأتي إلا من مالي ونيجيريا، حيث نشأت هذه الجماعات. وهو حل يقول الجميع إنه لا يمكن أن يقتصر على الجانب العسكري، فالمنطقة تحتاج إلى تنمية اقتصادية وإلى توفير عمل للشباب للحيلولة دون التحاقهم بالمجموعات المسلحة.

فهل يعد قادة الانقلاب العسكري بتصورات خلاقة تنهي رعب "الجهادية المتطرفة" الذي يحيق بمنطقة الساحل الأفريقي؟

مواضيع ذات صلة:

تصاعد أزمة النيجر وخارطة معقدة لأطراف الصراع

محاكمة رئيس النيجر بـ"الخيانة العظمى".. ماذا يعني ذلك؟

انقلاب النيجر يخدم الجماعات المتطرفة في الساحل الأفريقي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية