هل يمكن لطالبان الاستغناء فعلاً عن تجارة المخدرات؟ وما هي بدائلها؟

هل يمكن لطالبان الاستغناء فعلاً عن تجارة المخدرات؟ وما هي بدائلها؟


19/08/2021

مع إعلان المتحدث باسم "حركة طالبان" الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، في أول مؤتمر صحافي بعد السيطرة على البلاد، أنّ أحداً لن يعمل في تهريب المخدرات من الآن فصاعداً، أثيرت التساؤلات حول قدرة التنظيم المتشدد على التخلي عن هذه التجارة التي اعتاد عليها في تمويل عملياته، وحول البدائل التي يمكن الاعتماد عليها حال تخليه عنها فعلاً.

وقال المتحدث باسم الحركة في مؤتمر بالعاصمة كابول إنّ أفغانستان تريد علاقات طيبة مع الجميع لإنعاش الاقتصاد وتحقيق الرخاء للخروج من هذه الأزمة.

 وأضاف أنّ طالبان ستحاول القضاء على المخدرات، مطالباً المجتمع الدولي بمساعدة ودعم المزارعين الأفغان لحثهم على الاستغناء عن زراعة الخشخاش، وهو نبات يشتق منه مخدر الأفيون والحشيش ومواد مخدرة أخرى.

 لكن الخبراء يشككون في نية طالبان محاربة هذه الظاهرة، ذلك أنها تعتمد تاريخياً على هذه التجارة لتمويل عملياتها، فضلاً عن المشاكل والتمردات التي قد تحصل من قبل الأفغان حال أقدمت الحركة بالفعل على محاربتها في ظل توقف المساعدات الخارجية التي تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية في أفغانستان، والتي ستتفاقم مع سيطرة التنظيم المتشدد على البلاد.

 طالبان والمخدرات.. علاقة وطيدة

 وبحسب موقع "صوت أمريكا" تحصل حركة طالبان على جزء من أموالها عبر جمع التبرعات، والأنشطة الإجرامية مثل إنتاج الأفيون وتهريب المخدرات والابتزاز والخطف للحصول على فدية، إلى جانب دعم من روسيا ومن إيران بدرجة أقل.

 ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في حزيران (يونيو) 2021 استناداً إلى معلومات استخباراتية للدول الأعضاء، فإنّ تهريب المخدرات وحده ربما يكسب طالبان ما يزيد عن 460 مليون دولار سنوياً.

 كما وذكر التقرير أنّ قادة طالبان حصلوا على نحو  464 مليون دولار العام الماضي من عمليات التعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

 ويضيف التقرير، في حين أنه من المستحيل إجراء قياس دقيق لمقدار الأموال التي تمكنت طالبان من جمعها بدقة، لكنها تترواح بين 300 مليون دولار و1.6 مليار دولار سنوياً.

 

يشكك الخبراء في نية طالبان التخلي عن تجارة المخدرات ذلك أنها تعتمد تاريخياً على هذه التجارة لتمويل عملياتها، فضلاً عن التمردات التي قد تحصل من قبل المزارعين الأفغان

 

 وتتنافس الجماعات المختلفة داخل البلاد، بل حتى الفصائل داخل الجماعة المسلحة الواحدة، على أرباح المخدرات الطائلة، مما يجعل هذه الزراعة عاملاً إضافياً لتغذية عدم الاستقرار في البلاد.

 ويشعر بعض مسؤولي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالقلق من أن انزلاق أفغانستان إلى الفوضى يخلق ظروفاً لزيادة إنتاج الأفيون غير المشروع، وهي "نعمة" بالنسبة لطالبان.

 وفي الحقيقة، تؤثر الأوضاع في أفغانستان بشكل كبير على سوق المخدرات العالمية، حيث إن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم يقدر حصة البلاد بأكثر من 80 بالمائة من إمدادات الأفيون والهيروين العالمية، وفق ما أورد موقع "الحرة".

 وقال سيزار جودس رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في كابول لـ "رويترز"، إن "طالبان تعتمد على تجارة الأفيون كأحد مصادر دخلها الرئيسية".

 ويخلق هذا مشكلة للعالم حيث إنّ "مزيداً من الإنتاج، يعني سعراً أرخص وجاذبية أكبر للمشتري، وبالتالي سيسهل الوصول إلى المخدرات على نطاق واسع"، يضيف جودس، مؤكداً أنه "مع دخول المسلحين إلى كابول، فإن هذه هي اللحظات التي تميل فيها هذه الجماعات إلى التمركز وتوسيع أعمالها الإجرامية".

 ويشير موقع "صوت أوف أمريكا" إلى أنّ طالبان يبدو أنها جمعت ما يكفي من الأموال للسيطرة على أفغانستان بالقوة، لكن هناك شكوك حول امتلاكها التمويل الكافي لحكم البلاد بنفسها، ما يعزز نظرية استمرار التنظيم المتشدد في الحفاظ على تجارة المخدرات وتنميتها مستقبلاً، سيما وأنّ المساعدات الدولية التي كانت تحظى بها الحكومة الأفغانية ستتوقف.

 ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي، أنفقت الحكومة الأفغانية 11 مليار دولار في عام 2018، جاء 80 بالمئة منها من المساعدات الخارجية، وهي المساعدات التي ستتوقف مع صعود التنظيم الأصولي المُتشدد.

 طالبان تنوي إغراق الغرب بالمخدرات

 وفي هذا الصدد، يقول نائب محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة "التلغراف"، تيم واليس في تقرير بعنوان: "طالبان تفكر في إغراق الغرب بالهيروين لدعم الاقتصاد الأفغاني"، يقول "إنه وعلى الرغم من نجاح طالبان في الاستيلاء على البلاد، فإنهم يواجهون أزمة اقتصادية تلوح في الأفق وخطر الوقف المفاجئ للمساعدات التي دعمت البلاد لسنوات".

 ويشير التقرير إلى أنّ حقول الأفيون، التي لطالما كانت مصدراً مهماً للنقد لطالبان، يمكن أن تصبح بديلاً حيوياً لتلك الأموال الدولية - ما يؤدي إلى وفرة في الهيروين في شتى أنحاء الغرب.

 وقال جوناثان غودهاند، الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، للتلغراف إنّ حكم طالبان يمكن الآن أن يعزز التجارة غير المشروعة بشكل أكبر.

 ويضيف: "إذا كان هناك قدر من الاستقرار، فهناك احتمال للعودة إلى الوضع الذي رأيناه في منتصف التسعينيات عندما استولت طالبان على السلطة في المرة الأخيرة - لقد تم دعمهم من قبل المافيا التجارية الأفغانية التي كانت قلقة من تأثير أمراء الحرب على التجارة".

 

تتنافس الجماعات المختلفة داخل البلاد، بل حتى الفصائل داخل الجماعة المسلحة الواحدة، على أرباح المخدرات الطائلة، مما يجعل هذه الزراعة عاملاً إضافياً لتغذية عدم الاستقرار في البلاد

 

 وكانت فاندا براون، أخبرت مجلس اللوردات البريطاني العام الماضي أنّ "ما بين 20 بالمئة و40 بالمئة من تمويل طالبان يأتي من الأفيون"، وفق "بي بي سي".

 وقالت إنه ومع عودة طالبان إلى السلطة، يجب على الجماعة أن تحافظ على توازن بين إبقاء المؤيدين سعداء من خلال السماح لهم بزراعة الخشخاش وإرضاء المانحين الدوليين بأنها سوف تتخذ إجراءات صارمة ضد الهيروين.

 وأضافت أنه "في المرة الأخيرة التي أجريت فيها محادثات مع كبار قادة طالبان، قبل عدة أشهر، ألمحوا إلى نواياهم لحظر اقتصاد الأفيون. لست متأكدة من إمكانية تصديق ذلك، لأن خشخاش الأفيون سيكون مصدر دخل بالغ الأهمية".

 وينهي واليس تقريره قائلاً إنه "بينما يتأقلم العالم مع عودة طالبان، فإنّ معركة منع تدفق الهيروين إلى الشوارع الغربية قد بدأت للتو".

 هل تستطيع الحركة محاربة المخدرات فعلاً؟

 في العام 2000، ووجهت جهود طالبان نفسها لحظر زراعة الخشخاش بالتمرد العنيف، وذلك قبل عام من طردها من السلطة.

 ويقال إن طالبان كانت تبحث وقتها عن اعتراف دولي، لكن ردة الفعل التي تلقتها من المزارعين جعلتها تغير موقفها، وفق ما أورد موقع "الحرة".

 وقال مسؤول أمريكي مطلع على تجارة المخدرات في أفغانستان لـ"رويترز": "لقد وقفنا مكتوفي الأيدي، ولسوء الحظ، سمحنا لطالبان بأن تصبح على الأرجح أكبر منظمة إرهابية ممولة، وغير محددة في العالم".

 

قال جوناثان غودهاند، الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، للتلغراف إن حكم طالبان يمكن الآن أن يعزز التجارة غير المشروعة بشكل أكبر

 

 ويتابع المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته قائلاً: إنّ "الولايات المتحدة والشركاء الدوليين واصلوا الانسحاب ولم يعالجوا زراعة الخشخاش"، مضيفاً "ما سوف تجده هو أن هذا النشاط قد ازداد لدرجة الانفجار".

 ورداً على طلب للتعليق على هذه القضية، قالت وزارة الخارجية الأمريكية لـ"رويترز"، إنّ "الولايات المتحدة ستواصل دعم الشعب الأفغاني، بما في ذلك جهودنا المستمرة لمكافحة المخدرات"، لكن الرد لم يذكر الطريقة التي ستتمكن فيها الولايات المتحدة من المساعدة في هذا الملف بعد سيطرة طالبان على البلاد.

 وتؤكد فاندا فيلباب براون، من معهد بروكينغز، أنه وفي حال بدأت طالبان في فرض حظر على الخشخاش، فسيكون لذلك رد فعل سلبي كبير عليهم "بما في ذلك في المناطق الحيوية مثل هلمند وقندهار"، إذ إنّ المساومة الدولية ستكون مقيدة بردود الفعل المحلية.

 هل يمكن أن يكون الليثيوم بديلاً للأفيون؟

 وبعد إعلان الحركة عن نيتها الجديدة، أثيرت التساؤلات حول إمكانية انفتاح الحركة اقتصادياً على العالم، وطبيعة النظام الاقتصادي الذي ستتبعه حال استغنائها فعلاً عن هذه التجارة.

 ويوضح خبراء ومحللون سياسيون أفغان أنّ هناك خيارات اقتصادية مطروحة بالفعل على الحركة، أبرزها الاعتماد على قطاع التعدين، خصوصاً معدن الليثيوم الذي يمثل أحد أدوات القوة بيد من يحكم البلاد، وبوابة لفتح آفاق اقتصادية جديدة للاندماج في العالم.

 ويعتبر معدن الليثيوم، أحد أهم مصادر دعم صناعة الطاقة البديلة، وتستحوذ أفغانستان على كمية هائلة كشفتها المسوحات السوفيتية القرن الماضي، فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن أفغانستان بها ما يقرب من تريليون دولار من المعادن غير المستغلة.

 ويرى الباحث الاقتصادي عبد الرحمن أياس، أن استخدام طالبان المحتمل للمعادن النادرة، من بينها الليثيوم، ستحدده الشروط الدولية، وتوجهات الدول المتنافسة حول النفوذ هناك.

 ولفت أياس في حديث لموقع "سكاي نيوز"، إلى أنّ خيارات طالبان الاقتصادية هي التي ستحدد درجة اندماجها في الاقتصاد العالمي، وهل ستقدم أوراق اعتمادها بالثروة المعدنية التي تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، أم ستواصل الاعتماد على تجارة الأفيون.

 ومن المرجح أن تلجأ طالبان بعد توليها الحكم إلى استخراج الليثيوم وتصديره للخارج، غير أن هذه الخطوة تتطلب استثمارات لا تملكها الحركة أو أفغانستان حالياً، فضلاً عن ضرورة وجود اعتراف دولي بشرعيتها وهو ما لم يحدث بعد، وربما لن يحدث بسهولة.

 ويضيف الباحث الأفغاني: "لا أظن أنّ الغرب سيمد كابول في ظل حكم طالبان بتلك الاستثمارات، ويبقى الاعتماد على الاستثمارات الصينية؛ بحكم العلاقة القائمة بين بكين وطالبان، رغم انتقاد الحركة لقمع الصين لمسلمي الإيغور، لكن لا يمكن الجزم في هذه المرحلة بالسيناريو المقبل، وننتظر تبلور الأمور، وفهم السياسة الدولية التي ستتبعها الحركة".

 

في العام 2000، ووجهت جهود طالبان نفسها لحظر زراعة الخشخاش بالتمرد العنيف، وذلك قبل عام من طردها من السلطة

 

 الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من 8 مليارات دولار خلال الأعوام الـ 15 الأخيرة ضمن الجهود لحرمان تنظيم طالبان من أرباح تجارة الأفيون الأفغاني وتجار الهيروين.

 ووفق تقرير لـ"رويترز": "فعلت الولايات المتحدة كل شيء، من حرق مزارع الأفيون إلى الغارات بالطائرات على المختبرات المشتبه به"، يقول تقرير، لكن "الإستراتيجية فشلت".

 ونقلت الوكالة عن مسؤولين وخبراء حاليين وسابقين من الولايات المتحدة والأمم المتحدة قولهم إنه "في الوقت الذي تنهي فيه الولايات المتحدة أطول حروبها، تظل أفغانستان أكبر مورد غير مشروع للمواد الأفيونية في العالم، ويبدو أنها ستبقى كذلك".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية