هل نجحت عقوبات ترامب في هز بازار طهران؟

هل نجحت عقوبات ترامب في هز بازار طهران؟


28/06/2018

علي هاشم

في الثقافة الإيرانية، ثلاثة أضلاع تحمي الاستقرار في كل الأزمان، السلطة والحوزة الدينية والبازار. يكفي أن يتحالف إثنان مع بعضهما البعض ليصنعا معا تفوقا يسمح بتغيير المعادلات.

هكذا كان الحال في ثورة التبغ أواخر القرن التاسع عشر عندما أصدر زعيم الحوزة الشيعية ميرزا محمد حسن الشيرازي قرارا بتحريم التبغ بعد بيع الشاه ناصر الدين قاجار حقوق استثمار التبغ لبريطانيا وفرضوا عليه لاحقا التراجع عن قراره. تكرر الأمر في الثورة الدستورية عام 1906 من خلال تحالف البازار مع الحوزة لفرض تأسيس مجلس شورى على السلطة بناء على دستور كان هو الأول في تاريخ البلاد والدول المجاورة لها.

وتكرر المشهد في مناسبات عديدة، وعند الافتراق بين الأضلاع الثلاثة كانت البلاد تدخل في مراحل من الجمود وعدم القدرة على الحسم. ربما يعبّر عن هذا المشهد بقوة التزامن المكاني بين المسجد والبازار وقصر الشاه في العاصمة السابقة لإيران في الزمن الصفوي، أصفهان، حيث مسجد لطف الله الميسي والبازار وقصر الباب العالي أو ما يسمى في إيران بـ "عالي قابو". إنه مشهد يتكرر في طهران التي أسسها القاجار وبنوا قصر الشاه المسمى بغلستان (حديقة الورود) إلى جانب البازار الكبير الذي بداخله حوزة دينية ومسجد اً جامعاً ومقام لأحد أبناء أحفاد النبي محمد.

وعندما يغضب البازار، فذلك مؤشر إلى أن أمرا جللا حدث او يكاد يحدث في إيران، كما هو الحال منذ صباح الإثنين 25 يونيو/حزيران عندما أعلن آلاف التجار الإضراب والنزول إلى الشارع إحتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية. عصب الطبقة الوسطى يدق الإنذار بعدما طال ترنح العملة الوطنية أمام الدولار وما يترتب عليه ذلك من اهتزازات تصيب قلب الاقتصاد الإيراني ومحدد استقراره.

يدرك الرئيس حسن روحاني أن المشهد لم يعد ممكناً حصره بالتجاذبات السياسية، وإن كان للتجاذب حضور هنا، فاليوم الموضوع أكثر حساسية من السابق، إذ أنه يضم أصوات الشارع والبازار إلى بعضهما البعض. مستشار روحاني، حسام الدين إشنا، كتب على تويتر انه بات ضروريا الإستماع لصوت "الشارع" و "المراكز التجارية" و "البازار"، لكنه حذّر من التفريق بين الصوت الأول وهو صوت الناس، وبين الثاني والثالث كي لا يتم الخلط بين أصوت التجار وأصوات السذج الذين يتم استغلالهم، لكن من يقصد بهؤلاء؟

الاتهامات من الحكومة توّجه حاليا إلى أطراف مرتبطة بالخارج يعملون على زعزعة الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الطلب على الدولار للضغط على العملة المحلية هؤلاء وصفهم الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلامه الثلاثاء في مؤتمر السلطة القضائية بأنهم عدد قليل من الأشخاص يسيطرون على السوق.

لكن الدولة ستقوم بتوفير الحاجات للمواطن بالسعر الحكومي للدولار، أي بنحو ٤٢٥٠ تومان للدولار بدل التسعيرة المعتمدة في السوق السوداء والتي تخطت قبل يومين التسعة آلاف تومان لتعود وتنخفض حتى ٧٨٠٠ تومان خلال الساعات الأخيرة من يوم الثلاثاء.

روحاني رمى الكرة خارج الحدود باتهام الأعداء بأنهم يقفون خلف ما يحصل في البلاد قائلا إن "اعداءنا ليسوا قادرين على إركاعنا وأمريكا غير قادرة على هزيمتنا، فنحن الى جانب شعبنا بعزيمة عالية سنتجاوز المشكلات وعلينا ان نعزز من أولوياتنا."

يغمز روحاني هنا من زاوية العقوبات الدولية التي يتوقع أن تُفرض من جديد على إيران بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في ٨ مايو/أيار الماضي، وهذا العامل تحديدا زعزع ثقة المستهلك الإيراني بالمرحلة المقبلة وجعله يهرع لشراء الدولار للحفاظ على مدخراته أو بالحد الأدنى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن هذا ليس العامل الوحيد الذي فاقم من الأزمة فرئيس لجنة الاقتصاد في مجلس الشورى الإيراني محمد رضا بورإبراهيمي كشف في مايو/أيار الماضي عن هروب ما يزيد عن 30مليار دولار من الاستثمارات إلى خارج إيران، كما أن الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية للبلاد والهوة الواسعة بين الأداء الاقتصادي للحكومة وبين طرح المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لنظرية الاقتصاد المقاوم كرؤية إقتصادية للبلاد منذ سنوات، إلى جانب دور طهران الإقليمي وأكلافه المادية والتي يُنظر إليها من قبل البعض في الداخل على كونه أيضا من الأسباب الموجبة، تقدم كلها معا عوامل صلبة للبناء عليها في تشخيص أس المشكلة.

وقد تكون عوامل الأزمة في الاقتصاد الإيراني أكثر بكثير من عوامل الاستقرار فيه، وهذا يعود أصلا إلى حال المواجهة المستمر مع الغرب والذي ما أن تخفت قليلا حتى تعود وتتجدد، وهذا الأمر كان قد أدى سابقا إلى أزمة العملة في العام ٢٠١٢ وهو العام الأخير من عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. حينها تعرضت إيران كذلك لموجة من العقوبات بالتزامن مع انتشار حالة من الترقب من التوتر الناجم عن انهيار المفاوضات النووية والتخوف من المجهول.

سياسيا، صراع الأجنحة الداخلي تسبب في بداية العام في إشعال إحتجاجات بدأت من مدينة مشهد شمالي شرق البلاد وقادها حينها أعضاء في التيار الأصولي عملوا على الضغط على حكومة حسن روحاني من خلال الشارع.

لكن بدا الشارع وقتها وكأنه يخرج عن السيطرة وامتدت الاحتجاجات في مناطق عديدة وخرجت الاحتجاجات عن سياقها الاقتصادي الاجتماعي لترفع فيها شعارات وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام. لم تنجح تلك الموجة في جذب أبناء الطبقة الوسطى وخلال أسبوعين ضمرت وتراجعت حتى انتهت. اختلفت حينها خلفيات التظاهر في كل منطقة عن الأخرى، في مشهد كان المحفز الرئيسي لضياع أموال عائلات وافراد في صناديق استثمارية بعضها أفلس وبعضها الآخر اختفى أصحابها من البلاد.

في كرمنشاه، نزل المحتجون بسبب شعورهم بالغضب تجاه طريقة التعاطي الحكومي مع تداعيات الزلزال الذي وقع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 ، والذي ترك عشرات الآلاف في العراء،وفي خوزستان الجفاف والسياسات الحكومية المتعاقبة تجاه المنطقة دفعت البعض للاحتجاج. وبالعودة إلى الصراع السياسي، فإن تجدد الاحتجاجات في يونيو/حزيران، لا يمكن فصله عما حدث بداية العام، لا على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي ولا على الصعيد السياسي.

فوضع تيار الاعتدال الذي يمثله الرئيس روحاني وفريقه الحاكم أصبح أكثر سوءا مما كان عليه قبل خروج واشنطن من الاتفاق النووي، والبناء على الشعور الشعبي بخيبة الأمل وصل إلى حد مطالبة بعض الجهات السياسية بإستقالة الرئيس روحاني وهو ما عبّر عنه قبل أيام المفاوض النووي السابق حسين موسويان في مقابلة مع صحيفة "همشهري" الإيرانية الواسعة الانتشار والتي اقترح في نهايتها على الرئيس إما القيام بحفلة تنظيف داخلية أو حتى استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، المثير للدهشة في التصريح هو صدوره عن شخصية ينظر إليها كقريبة من التيار الإصلاحي المتحالف مع روحاني.

بالتوازي مع تصريحات موسويان طالب النائب الأصولي في حسين نقوي حسيني في موقع صحيفة جوان المقربة من الحرس الثوري بمحاسبة رئيس الجمهورية ومساءلة حكومته أمام مجلس الشورى حتى وإن وصل الأمر إلى إقالته.

لم يطل الأمر كثيرا حتى رد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على طروحات استقالة روحاني بالتشكيك في نجاح الأصوليين في حل مشاكل البلاد محذرا "أيا كانت توجهاتكم، أصوليون او إصلاحيون أو مستقلون، مع الجمهورية الإسلامية أو ضدها، هدف الأعداء ليس حكومة روحاني بل ايران."

استنفر وزير آخر في حكومة روحاني في مواجهة الاحتجاجات ناشرا ما وصفها بوثائق تدين التجار المتلاعبين بالدولار، لا سيما في مجال تجارة الهواتف المحمولة، وكشف وزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، عن قيام الدولة بتأمين الدولار بالسعر الرسمي وهو 42000 تومان للدولار الواحد لعدد من التجار الذين حصلوا على ما يقارب الـ 220 مليون يورو لشراء البضائع، بينما لم يستخدموا من هذه المبالغ سوى 72 مليون يورو في عملية شراء الهواتف، والمبلغ الباقي استخدموه لبيع الدولار في السوق السوداء.

الأزمة المركبة تزيد من تعقيد المشهد الإيراني، إذ تتداخل في العامل المحلي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما يتقاطع المحلي مع الاقليمي والدولي، وهو ما يجعل من حصر الأسباب بالجانب الداخلي واستبعاد العوامل الخارجية التي قد تستفيد من الأزمة في تصفية حسابات مع طهران، أمراً صعبا، كذلك فإن اتهام الجهات الخارجية بالمسؤولية عن الأزمة بشكل كامل، تبسيط وهروب من واقع داخلي صعب ومتداخل.

عن"بي بي سي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية