هل دخل لبنان موجة الهجرة الجماعية الثالثة؟

هل دخل لبنان موجة الهجرة الجماعية الثالثة؟


08/09/2021

يغادر آلاف اللبنانيين بلادهم على وقع الأزمة التي تعصف بالبلد، والتي يقدر مواطنون أنّ لا خلاص قريباً لها. بل إنّ متشائمين يعتبرون أنّ الأمور تتدحرج "من سيء إلى أسوأ".

ويشهد لبنان أزمة سياسية عميقة، وأخرى اقتصادية حادة منذ نحو عامين صنّفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850. ويعجز اللبنانيون عن سحب أموالهم من المصارف بسبب قيود ناتجة عن شحّ السيولة، وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية بنسبة تفوق التسعين بالمئة، وفقد كثيرون وظائفهم. في الوقت نفسه، ينقطع التيار الكهربائي معظم ساعات النهار والليل، ولا يوجد وقود في السوق لتشغيل المولدات الكهربائية. وينعكس ذلك على كل جوانب الحياة. كما يشهد البلد أزمات أدوية وخبز ومواد أخرى أساسية.

هروب رأس المال البشري

ويقول خبراء إنّ الطفرة الحالية في هجرة الأدمغة سيكون لها تأثير دائم في بلد يعاني أزمات لا تعد ولا تحصى، وسيؤدي هروب رأس المال البشري إلى تفاقم انهيار الاقتصاد المنهك بالفعل ويعيق انتعاشه.

يشهد لبنان أزمة سياسية اقتصادية عميقة

وغرد النائب اللبناني، عضو اللقاء الديمقراطي، بلال عبد الله عبر حسابه على "تويتر": "مقلقة جداً أرقام هجرة اللبنانيين إلى الخارج، وبخاصة الشباب، وأصحاب الكفايات والأكاديميين. لم يقتنعوا بالشعارات المرتبطة بوجود الطوائف وصلاحيات الرئاسات. أحبطهم انهيار الدولة والمجتمع، وبقاء لبنان رهينة الصراعات الإقليمية وضحية التسويات الدولية. لا يعنيهم من سيفاوض صندوق النقد".

وبحسب تقرير حديث نشرته وكالة الصحافة الفرنسية، فإنّ كثيراً من اللبنانيين يختارون التوجه إلى قبرص للإقامة فيها، متخذين منها كما قال التقرير "بلدهم الثاني"، لافتة إلى أنّ بعض هؤلاء يدخلون قبرص بجوازات سفر غير لبنانية.

مجلة "فورين بوليسي": المغادرة من عدمها، هي السؤال الذي يطرحه المهنيون اللبنانيون، لأنّ معظمهم يجدون صعوبة في العيش من رواتبهم المتناقصة

ونبهت دراسة صادرة عن "مرصد الأزمة" في الجامعة الأمريكية ببيروت، أواخر الشهر الماضي، إلى أنّ الأزمة اللبنانية المتداخلة، وتداعياتها اليومية على كل جوانب العيش، تنذر بعواقب طويلة الأمد من خلال الهجرة الكثيفة المتوقعة، حتى إنّ مؤشراتها بدأت في الظهور.

وأشار التقرير، الذي أشرف عليه الباحث ناصر ياسين، وعرضت له "سكاي نيوز عربية" إلى أنّ" لبنان يشهد منذ أشهر ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الهجرة والساعين إليها، مما يجعلنا ندخل في بداية موجة هجرة جماعية (Exodus) هي الثالثة بعد الموجة الكبيرة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، امتداداً حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 - 1916)".

وأورد التقرير أنّ 330 ألف شخص هاجروا من جبل لبنان آنذاك، والموجة الكبيرة الثانية كانت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، حيث يقدر الباحث بول طبر أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.

فورين بوليسي: زيادة في عدد اللبنانيين الساعين إلى التوطين في أوروبا

وبحسب مرصد الأزمة، فإنّ هناك 3 مؤشرات مقلقة فيما يتعلق بالدخول في موجة هجرة جماعية، والتي من المتوقع أن تمتد لسنوات.

وعزا المرصد الأسباب إلى ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني، حيث قال 77 في المئة منهم إنهم يفكرون في الهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية، حسب تقرير "استطلاع رأي الشباب العربي" الصادر العام الماضي.

اقرأ أيضاً: الأردن يرسل طائرة مساعدات جديدة إلى لبنان

وأورد التقرير أنّ "السعي للهجرة عند الأكثرية الساحقة من الشباب اللبناني يشكل نتيجة طبيعية لانحسار فرص العمل الكريم"، حيث يقدر البنك الدولي أنّ شخصاً من كل 5 في البلاد فقد وظيفته منذ خريف 2019، كما أنّ 61 في المئة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 في المئة".

وذكر التقرير وجود مؤشرات الهجرة الكثيفة للمتخصصين والمهنيين، خاصة من العاملين والعاملات في القطاع الصحي كأطباء وممرضين، وفي القطاع التعليمي من أساتذة جامعيين ومدرسين، بحثاً عن ظروف عمل ودخل أفضل.

اقرأ أيضاً: إيران تعرض على ماكرون تسليم لبنان رسمياً لـ"حزب الله"!

وبحسب المصدر، فقد "أشارت نقابة الممرضات والممرضين إلى هجرة 1600 ممرض وممرضة منذ 2019، وكذلك أفراد الجسم التعليمي الذين هاجر المئات منهم إلى دول الخليج وشمال أمريكا.

ففي الجامعة الأمريكية في بيروت وحدها، سُجل خلال عام رحيل 190 أستاذاً يشكلون حوالي 15 في المئة من الجسم التعليمي.

لماذا يختار اللبنانيون قبرص؟

تقول السفيرة اللبنانية في قبرص كلود الحجل، لوكالة فرانس برس، إنه منذ أكتوبر 2019 مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان ضد الطبقة السياسية، "لاحظنا زيادة كبيرة في عدد الملفات العائلية التي فُتحت في السفارة وسجلنا الزيادة الأكبر بعد انفجار أغسطس" في مرفأ بيروت الذي أسفر عن أكثر من مئتي قتيل وستة آلاف جريح ودمّر أجزاء من العاصمة.

السفيرة اللبنانية في قبرص كلود الحجل

وليست المرة الأولى التي يلجأ فيها اللبنانيون بكثافة الى قبرص. فخلال الحرب الأهلية (1975-1990)، انتقل عدد كبير منهم إلى الجزيرة، وعاد قسم كبير منهم إلى البلد بعد انتهاء الحرب. وقالت الحجل "في الثمانينات، كان هناك مئة ألف ملف عائلي مسجّل في السفارة".

وخلال حرب تموز (يوليو) 2006 بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، شكلت قبرص قاعدةً خلفية للبنان. ففي ظل إقفال مطار بيروت الذي تعرض لقصف إسرائيلي، انطلقت سفن إجلاء من بيروت ونقلت الرعايا الأجانب إلى الجزيرة ليغادروا بعدها إلى بلدانهم، كما نقلت لبنانيين عاشوا في قبرص لفترة مؤقتة، في انتظار انتهاء الأعمال العسكرية.

ولفتت السفيرة اللبنانية إلى أنّ "قبرص تساعد اللبنانيين كثيراً"، مضيفةً أنه، بموجب آلية المسار السريع لمعاملات تأسيس الشركات، "أصبح الأمر يستغرق 10 إلى 15 يوماً بدلاً من شهرين أو ثلاثة، كما كانت الحال في الماضي".

قال 77 في المئة من الشباب اللبناني إنهم يفكرون في الهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية

وشهد قطاع العقارات في الجزيرة المتوسطية الهادئة من جهته ارتفاعاً في الطلب على شراء الشقق من جانب لبنانيين.

وقال رجل الأعمال اللبناني جورج شهوان، وهو صاحب عشرات المشاريع العقارية في قبرص، "شركتنا باعت 400 شقة لعائلات لبنانية بين 2016 و2021.. مئة من بينها خلال الأشهر الستة الأخيرة".

وأشار إلى أنّ اللبنانيين يختارون الجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي للاستثمار والاستقرار، لأنها تقدّم لهم حوافز عدة، فهي "تمنح الإقامة مدى الحياة لكل شخص يمتلك فيها عقاراً جديداً، كما أنّ المصارف القبرصية تسهّل معاملات الحصول على قروض للبنانيين الذين لديهم مدخول بالدولار".

وقال شهوان: "منذ العام 1975، شكلت قبرص ملاذاً آمناً للبنانيين"، مضيفاً "إنها قريبة وتتمتع بالأمن والاستقرار..  يشعرون فيها بأنهم في بلدهم الثاني".

التوطين في أوروبا

هجرة اللبنانيين لا تقتصر على قبرص، فقد قالت مصادر دبلوماسية في بعثتين أوروبيتين بلبنان، لمجلة "فورين بوليسي"، إنها شهدت زيادة في عدد طلبات التأشيرة من اللبنانيين الساعين إلى التوطين في أوروبا، وأوضح مصدر دبلوماسي ألماني أنّ "لبنانيين من الطبقة الوسطى يتواصلون معنا بأعداد كبيرة لمعرفة كيفية الحصول على عمل، وتأشيرة عمل، وبشكل عام كيفية الانتقال بشكل قانوني"، متابعاً "معظمهم من المهندسين".

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنّ المغادرة من عدمها، هي السؤال الذي يطرحه المهنيون اللبنانيون، لأنّ معظمهم يجدون صعوبة في العيش من رواتبهم المتناقصة. في هذه الأثناء، يجب أن يكون القلق الأكبر لبقية العالم بكون الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع اللبناني ستلجأ في نهاية المطاف إلى توظيف المهربين لركوب القوارب إلى اليونان. وهذا ما حصل فعلاً العام الماضي، حين حاول قارب مليء بالعشرات من اللبنانيين والسوريين الوصول إلى قبرص، قبل أن تتقطّع بهم السبل. ومات بسبب ذلك، طفل صغير بين ذراعيّ والدته بعد أيام من عدم تناولهم الطعام أو شربهم الماء.

وبينما يعيش أكثر من نصف سكان لبنان، راهناً، تحت خط الفقر، يدرك المجتمع الدولي، حسب المجلة، تمام الإدراك التداعيات التي قد يرتبها هذا الوضع على أوروبا. مؤخراً، ساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جمع 370 مليون دولار كمساعدات إنسانية في مؤتمر دولي لمساعدة الأفراد الأكثر احتياجاً في لبنان، وذلك جزئياً لتجنب الاضطرابات الاجتماعية في البلاد، ولضمان عدم تحول اللبنانيين إلى لاجئين يشكلون تحدياً جديداً للاتحاد الأوروبي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية