هل تنجح عُمان في إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية؟

هل تنجح عُمان في إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية؟

هل تنجح عُمان في إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية؟


21/06/2023

رغم ما يتم تداوله من معلومات بخصوص وجود مفاوضات "سرية" برعاية عُمان بين إيران والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق نووي وإعادة طهران إلى الحظيرة الدولية، إلا أنّ الثابت، رغم النفي وشح الحقائق، هو "قناعة الأطراف المنخرطة في المفاوضات النووية عدم قدرتها على الحسم النهائي. وبالتالي، فالحاجة تبدو ملحة لاتفاق مؤقت وغير شامل للحد من أنشطة إيران النووية.   

نفي أمريكي وتأكيد إيراني.. ما القصة؟

وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، رفض سائر التقارير التي لمّحت إلى اتفاق "سري" بين واشنطن وطهران، وكذا وجود مقايضة سياسية بين الطرفين لإطراف سراح مواطنين أمريكيين من أصول إيرانية في سجون النظام. وقال بلينكن: "بخصوص إيران، شاهدنا بعض التقارير حول الاتفاق بشأن القضايا النووية أو السجناء، ببساطة، إنّها غير صحيحة".

وتابع: "في ما يخص بالبرنامج النووي الإيراني، نحن مصممون على منع هذا البلد من امتلاك أسلحة نووية، وما زلنا نعتقد أنّ الدبلوماسية هي أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف. لم نحذف أيّ خيار من على الطاولة. وقد شدد الرئيس على هذه المسألة. ما زلنا نعتقد أنّ الدبلوماسية هي الخيار الأفضل. لا يوجد اتفاق حتى الآن والتقارير غير صحيحة في هذا الصدد".

ورداً على سؤال بشأن الإفراج عن مواطنين أمريكيين في سجون الملالي قال بلينكن: "في ما يتصل بالمواطنين الأمريكيين المسجونين في إيران، ليس هناك ما يسعدني أكثر من القول إنّنا توصلنا إلى اتفاق للإفراج عنهم، لكن لا يوجد اتفاق في هذا المجال أيضاً. نحن نعمل عليها بشكل مكثف ومنتظم، وهذه مسألة منفصلة عن الملف النووي. لكنني الآن لست في وضع يسمح لي بالقول إنّ لدينا اتفاقاً".

 هاني سليمان: طهران وواشنطن ذاهبتان إلى عدم التصعيد

المعلومات التي كشفت عنها صحيفة "نيويورك تايمز"، على لسان مسؤولين إيرانيين وأمريكيين وإسرائيليين، تؤشر إلى قبول طهران بعدم تخصيب اليورانيوم في ظل الاتفاق المحتمل بما يتجاوز 60 %، وكذا تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويضاف إلى ذلك، وقف هجمات وكلاء طهران على الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، والامتناع عن بيع الصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية لموسكو.

وصرح مدير قسم إيران بمركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، للصحيفة الأمريكية أنّه "ليس الهدف من أيّ من هذه التفاهمات هو التوصل إلى اتفاق شامل، بل السيطرة على الأنشطة التي تجاوزت الخط الأحمر، وتقريب الوضع المتوتر الحالي من الاستقرار، وخلق المزيد من الوقت للدبلوماسية والاتفاق النووي المستقبلي".

مقاربة أكثر واقعية

إذاً، عودة المفاوضات، مرة أخرى، ما بين الجانب الأمريكي والإيراني، بعد فترة جمود وانقطاع طويلة عقب مفاوضات فيينا التي تسببت في تعقد الأمور والمشهد بين الطرفين، يؤكد على أنّ لدى كل من الجانب الأمريكي والإيراني رؤية ومقاربة جديدة للتفاوض، ومحاولة التوصل لاتفاق يحقق "الحد الأدنى" من الأهداف بين الطرفين التي يسعى كل منهما لتحقيقها، حسبما يوضح مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، الدكتور هاني سليمان.

ويقول سليمان لـ"حفريات" إنّ هذه المفاوضات تؤكد أن كل من طهران وواشنطن بصدد الذهاب إلى "عدم التصعيد، والتوافق حول بعض البنود التي تحقق مصلحة كل طرف، مع قناعة الأطراف التامة بعدم القدرة على الحسم النهائي والتصعيد بشكل استفزازي في ظل المعطيات الدولية الجديدة".

وزير الخارجية الأمريكي رفض التقارير التي لمّحت إلى اتفاق "سري" بين واشنطن وطهران، وكذا وجود مقايضة سياسية بين الطرفين لإطلاق سراح مواطنين أمريكيين من أصول إيرانية

وهناك العديد من التطورات والمتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي، تجعل التعاطي مع الملفات المأزومة بحاجة إلى مرونة ومقاربة جديدة؛ إذ إنّ "عودة المفاوضات، مرة أخرى، تؤكد أنّ ايران نجحت، بشكل نسبي، في تسريب الضغوط الواقعة عليها، والخروج من المأزق الذي وضعت فيه من جانب الولايات المتحدة والغرب. بل استطاعت (طهران) أن تتجاوز هذا المربع الصعب، والانتقال لمرحلة متقدمة نوعاً ما في سبيل مواجهة المتطلبات والضغوط الامريكية"، حسبما يقول سليمان.

ويردف: "كما استطاعت إيران أن تنهي تدريجياً حالة العزلة السياسية والاغتراب الدبلوماسي بعد الانفتاح العربي والخليجي، فضلاً عن التهدئة النسبية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الجانب الآخر، تتطور العلاقات الإيرانية وتمضي قدماً  مع الجانب الروسي، بخاصة مع التعاون العسكري المتزايد، ومد موسكو بالطائرات المسيّرة. وهناك علاقات اقتصادية استراتيجية مع الصين. بالتالي، تمكنت طهران من رسم سياسة خارجية وتحالفات لدعم موقفها السياسي، الإقليمي والدولي، وتخفيف أثر الضغوط الأمريكية".

بيد أنّ الولايات المتحدة تدرك جيداً طبيعة هذه التحولات والتغيرات، وبالتالي، فإنّ إدارة بايدن لا توجد لديها "استراتيجية متكاملة وواضحة" للتعامل مع إيران، وفق مدير المركز العربي للبحوث والدراسات.

المرشد يوافق وإسرائيل تخفف اعتراضاتها

وفي المحصلة، فإنّ المفاوضات بين الجانبين والحديث عن اتفاق جزئي غير رسمي، يعكس إدراك كل طرف أنّ محاولة التوصل إلى اتفاق كامل وشامل "عملية صعبة وباتت غير مقبولة أو بالأحرى غير واقعية، خاصة مع التباينات والاعتراضات المختلفة، سواء كان موقف الكونغرس الذي يصطدم بإدارة بايدن السياسية (الدبلوماسية) للملف النووي، أو اشتراطات طهران بخصوص الحرس الثوري، فضلاً عن الموقف الإسرائيلي المتشدد".

 الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني

إلى ذلك، عقّب الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على التقارير المتعلقة بالمفاوضات السرية بين واشنطن وطهران، في مسقط، بأنّها "أكيدة"، مشيراً إلى أنّها "ليست سرية". وقال: "رحبنا بمقترحات كبار المسؤولين العمانيين التي طرحت قبل عدة أسابيع، بهدف دفع المفاوضات لرفع العقوبات، ويستمر تبادل الرسائل".

ويكاد لا يختلف رأي كنعاني عن ما ذكرته منصة "نور نيوز" الإيرانية، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لكنها قللت من التفاؤل بشأن التوصل لنتيجة حاسمة، وقالت: "لا يمكن التفاؤل بالتوصل السريع لاتفاق حول القضايا المتعلقة بالملف النووي الإيراني، كما تكهنت وسائل الإعلام الأمريكية". وتابعت: "لكن التعبير عن هذه القضية من قبل اثنتين من وسائل الإعلام الأمريكية الموثوقة، والمعروفتين بعلاقتهما بالأجهزة السياسية والأمنية الأمريكية، يظهر أنّ البيت الأبيض يسعى إلى نقل بوادر إيجابية لتغيير مسار الأشهر القليلة الماضية والعودة إلى طاولة المفاوضات".

مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان لـ"حفريات": المفاوضات تؤكد أن طهران وواشنطن بصدد الذهاب إلى عدم التصعيد، والتوافق حول بعض البنود التي تحقق مصلحة كل طرف

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح المحلل السياسي والمعارض الإيراني، مهيم سرخوس، أنّ الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة "يحتاج منذ وقت طويل إلى هذه المقاربة التي تبدو كحل وسط في ظل التعقيدات المتزايدة"، الأمر الذي بات "محل إحراج لإدارة بايدن كما للنظام في طهران".

بالتالي، فالعقوبات والعزلة الدبلوماسية من جانب أمريكا، فضلاً عن التعصيد الإيراني من خلال الحرس الثوري في الإقليم، وتهديد الملاحة الدولية، بواسطة الحوثي، ثم تطوير المشروع النووي ورفع نسب تخصيب اليورانيوم، يؤكد من الناحيتين على أنّ "التصعيد والمواجهة الخشنة لا تعكس أي حلول نهائية ومفيدة، بل تبدو مقاربة غير واقعية"، وفق سرخوس.

يبدو أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي يؤيد هذا الاتجاه الجديد لحل أزمة المشروع النووي الإيراني، بما قد يجعل النتائج إيجابية ومقبولة، حيث قال خامنئي: "قد يرغبون في الاتفاق على بعض المجالات، فلا حرج في الاتفاق، لكن لا ينبغي المساس بالبنية التحتية للصناعة النووية".

وفي غضون ذلك، فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في اجتماعه الأسبوعي مع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، لمّح إلى إمكانية قبول إسرائيل للاتفاق المحتمل والجزئي بين طهران وواشنطن، وتنحية الاعتراضات السابقة. وعليه، يبدو أنّ فرص نجاح الاتفاق قائمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية