تُعدّ قضية تخلَّف شباب محافظة السويداء عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش السوري النظامي من أكثر القضايا التي كانت مصدر استفزاز للنظام السوري خلال سنوات الحرب في سوريا، فعقب اندلاع الثورة السورية، عام 2011، ومشاركة الشباب في المظاهرات والاحتجاجات السلمية في الأشهر الستة الأولى، كان من ضمنهم شباب السويداء، لكن ما إن اتّجهت الاحتجاجات السلمية إلى التسلّح، وظهور فصائل مسلحة متطرفة، مثل جبهة النصرة وداعش، حتى قرّر أهالي السويداء ووجهاؤها أخذ موقف محايد من الصراع الدائر، وهذا الموقف شمل امتناع شباب السويداء من الالتحاق بالخدمة العسكرية.
روسيا ترغب في أن تظهر بصورة سلمية، وفجأة تبدأ باستقطاب الشباب في السويداء ليكونوا مرتزقة يقومون بحماية حقول النفط والغاز في ليبيا
ورغم أنّ النظام السوري أصدر أكثر من عفو رئاسي على مدار السنوات السابقة لإسقاط العقوبات عن المتخلّفين والفارّين من الخدمة، إلا أنّ أغلب الشباب من محافظة السويداء لم يلتحقوا بالخدمة لأسباب كثيرة، من أبرزها؛ محاولة النأي عن الانخراط بصراع طائفيّ ودينيّ قد يحاول أحد أطراف الصراع في سوريا استقطابهم له.
في الأيام القليلة الماضية عاد الجدل حول هذه القضية، لكن هذه المرة عن طريق روسيا، التي أرسلت وفداً لها إلى محافظة السويداء للاتفاق على "تسوية" لحلّ قضية الفارّين والمتخلّفين عن الخدمة العسكرية.
زيارتان للوفد الروسي
وكان الوفد الروسي قد زار محافظة السويداء مرتين خلال شهر كانون الأول (ديسمبر) الحالي، وأفاد موقع "السويداء 24"؛ بأنّ "وفداً من القوات الروسية، على رأسه الجنرال الذي زار "دار عرى" قبل أيام، عاد اليوم إلى محافظة السويداء وزار مشايخ الهيئات الدينية في محافظة السويداء، بغية الاستماع إلى اقتراحاتهم ومطالبهم، وإبلاغهم بأنّ روسيا تعمل على إعداد تسوية لأبناء المحافظة".
حول هذه الزيارة، قال الشاب أسامة (اسم مستعار) من مدينة السويداء، لـ "حفريات": "روسيا لا تدفع باتجاه تجنيد حقيقي، أو انتماء للجيش النظامي، ولا لشيء يشبه مثلاً "الفيلق الخامس"، وفي المناطق التي كانت تعمل فيها سابقاً مثل "اللواء الثامن" التابع لها، بقيادة أحمد عودة في ريف درعا الشرقي، ولا تدفع أيضاً باتجاه قطعة (منطقة عسكرية نظامية) مثل الفيلق الأول، أو الفرقة الرابعة، أو الفرقة 15، بل هي تدفع باتجاه إنشاء فصائل تأخذ أوامرها من الجيش النظامي، لكنّها تحت سيطرة روسية كاملة، هذا ما تخطّط له روسيا في محافظة السويداء".
إلى ماذا تهدف روسيا؟
وأضاف: "هدف روسيا من هذه "التسوية" مرتبط بتفاهمات روسية – إسرائيلية فيما يخصّ التواجد الإيراني الذي بدأ يظهر بشكل واضح في محافظة السويداء، وفي أكثر من مكان، خاصة بعد المشاكل الأخيرة في منطقة "صلخد"، منتصف هذا العام، والتي برزت فيها شخصيات مدعومة من إيران، أحدثت مشكلات كثيرة في "صلخد"، منها إعادة خط تهريب المخدرات الدولي، والذي كان بالأساس يعمل لصالح إيران وحزب الله".
اقرأ أيضاً: الاحتجاجات في السويداء: من "بدنا نعيش" إلى "إسقاط النظام"
ويرى أسامة؛ أنّ ما تفعله روسيا في السويداء لا يمكن تسميته بـ "التفاهمات"، بل هو بمثابة "شراء ولاءات"، بحسب تعبيره.
يقول أسامة: "اليوم هناك عروض وإغراءات لإعطاء رواتب شهرية بحدود 300 دولار أمريكي، ويحدث ذلك من خلال عملية تنسيق بين فرع أمن الدولة في السويداء، إضافة لمجموعة من الفصائل التي يعدّ ولاؤها للنظام السوري بالأساس".
اقرأ أيضاً: كيف تطوّرت حالات اختطاف المدنيين في السويداء؟
وتابع أسامة حديثه: "روسيا سحبت مجموعة من شباب السويداء ليقاتلوا في ليبيا وفنزويلا، وكانت تستقدم بعض الشخصيات البارزة لتقنع تجنيد هؤلاء الشباب بمقابل مادي، وحتى هذه الشخصيات كانت تأخذ مقابلاً مادياً على كلّ شاب يلتحق، أو سيلتحق، ضمن هذه المجموعات".
وأردف أسامة: "اليوم نحن أمام ثلاث فئات من الشباب في السويداء؛ فئة متخلفة عن الخدمة العسكرية وتتبع لفصائل مسلحة ومدعومة أمنياً، وفئة ثانية متخلفة عن الخدمة العسكرية أيضاً، لكن ليس لها علاقة بأيّ جهة (أغلبهم يعيشون حياة مدنية عادية)، وغير منتسبين لأيّ تشكيل عسكري، وفئة ثالثة متخلفة عن الخدمة وتتبع لحركة "رجال الكرامة"، وكلّ شخص من هؤلاء يفكر بطريقة مختلفة عن الآخر، بناء على شبكة العلاقات والمعارف فيما يخصّ هذه القضية".
اقرأ أيضاً: حين عضّ الجوعُ السوريين في السويداء فهتفوا "بدنا نعيش"
ومن وجهة نظر أسامة؛ فإنّ الشباب الذي يعملون مع حركة رجال الكرامة، لديهم موقف واضح وصريح، وهو رفضهم للالتحاق بأيّ تشكيل عسكري خارج أو داخل محافظة السويداء لقتال السوريين، بحسب تعبيره.
مصدر لـ"حفريات": الشباب في السويداء ثلاث فئات: متخلفة عن الخدمة العسكرية وتتبع فصائل مسلحة، وفئة ثانية لا علاقة بأيّ جهة، وثالثة تتبع "رجال الكرامة"
يقول أسامة: "رجال الكرامة عبّروا عن رفضهم لهذا الموضوع في الاجتماع مع الوفد الروسيّ، الذي جرى بدار الإمارة في قرية عرى، وقالوا إنّه "تمّ الغدر بهم" بدعوتهم لهذا الاجتماع، ولم يوافقوا عليه، وعبروا عن ذلك بشكل صريح وعلني".
واستدرك: "أما فيما يتعلق بالشباب الذين يتبعون لفصائل مسلحة تابعة لجهات حكومية، أو يتبعون لجهات العصابات والخطف والتجارة غير الشرعية في محافظة السويداء، هؤلاء غالباً ما سيكونون ميَّالين للربح المادي، لأنّهم كانوا بشكل شبه دائم يمثلّون وجه " المرتزقة" من المدينة، الوجه الذي "يباع ويشترى بالمصاري"، والذي يقف مع أيّ طرف من أطراف الصراع في حال كان يدفع له مبالغ مالية، وقادر على دعمه مادياً وعسكرياً".
الشباب في السويداء
وفيما يخص الشباب الذين لم ينخرطوا بأيّ صراع، وهم فقط متخلفون عن الخدمة العسكرية منذ عام 2011 حتى الآن، فقال: "هؤلاء نسبتهم كبيرة في السويداء، كانت هناك أكثر من طريقة لإعادة ضمهم للجيش واستقطابهم من خلال مراسيم عفو، ومن خلال محاولة تجنيدهم في حزب الله، أو الحرس الثوري الإيراني، أو كتائب البعث، ولكن بشكل دائم كان شباب وأهالي السويداء يرفضون كلّ هذه الإغراءات، ويقولون: "نحن لا نريد الذهاب للجيش أو الالتحاق بفصائل مسلحة".
ويعتقد أسامة أنّ "الضامن في هذا الموضوع هو حركة رجال الكرامة، التي هي عملياً لا تعادي الروسيين ولا تبني تحالفاً معهم في الوقت نفسه، من الممكن أن تبني تفاهماً ما، لكن لا يمكن تسميته تحالفاً، وهذا التفصيل مهم في هذه القضية.
من الممكن أن ينسّقوا مع الروس في فيما يخصّ بعض التفاصيل، لكنّهم لا يعملون معهم، ولا ينصاعون لأوامرهم، ومن هنا قد نفهم إلى أيّ مدى موقف الأهالي والشباب في مدينة السويداء قويّ وثابت في هذه القضية".
اقرأ أيضاً: هل تحول الاحتجاجات في السويداء مجرى الأحداث في سوريا؟
أما الشاب ممدوح (اسم مستعار) من مدينة السويداء أيضاً، فقال لـ "حفريات": "في الحقيقة؛ روسيا لديها نوايا خفية في محافظة السويداء والجنوب السوري عموماً. روسيا، كقوة عسكرية، تقوم اليوم بتقديم مساعدات إنسانية، وهذا الشيء متناقض تماماً، وإن دلَّ على شيء، فهو يدلّ على أنّ هناك شيئاً ما ممنهجاً يتعلّق بمحافظة السويداء، فبعد سياسة التجويع التي مارسها النظام على المحافظة، تأتي روسيا، التي ليس لها أيّ ظهور عسكري في السويداء، كقوات منتشرة أو نقاط ثابتة، ونتفاجأ بأنّها تقوم بمساعدات إنسانية في قرى حدودية أو مفصلية في المحافظة، كالمنطقة الشمالية والشرقية والغربية".
اقرأ أيضاً: تموز الأسود يغمر السويداء بالليل والدم مرة أخرى
وأضاف: "إذاً روسيا ترغب في أن تظهر بصورة سلمية، ولا تريد خلق أيّة حالة نزاع ضدّها، وفجأة بعد فترة وجيزة تبدأ باستقطاب الشباب في السويداء ليكونوا مرتزقة يقومون بحماية حقول النفط والغاز في ليبيا، وبالطبع هناك عدد قليل وافق على الذهاب إلى ليبيا، لكن حين أصبح الموضوع قضية رأي عام، تنازلت روسيا عن 500 مقاتل وأعادتهم للمحافظة، تمّ تجميعهم في مطار حميميم في اللاذقية، والعرض الثاني الذي قدّمته روسيا لشباب السويداء هو الذهاب إلى فنزويلا، لحماية مناجم الذهب وآبار النفط هناك، واتّبعوا الآلية نفسها، ومن خلال أشخاص كانوا يعملون على هذا الموضوع بالمحافظة".
المفارقة!
وتابع ممدوح: "المفارقة هنا؛ أنّه تمّ تجميع 75 شاباً من محافظة السويداء في مطار حميميم، وتدريبهم، ومكثوا هناك ما يقارب الـ 25 يوماً، ثم أعيدوا مرة أخرى إلى محافظة السويداء، وبعد إعادتهم، تحركت روسيا بموضوع ما تسمى "تسوية"، ولم يكن هذا التحرك مفاجئاً، إذ تمّ الإعلان من قبل الخارجية الأمريكية أنّه تمّت الموافقة على تشكيل قوة منفصلة بالجنوب السوري، لطرد إيران من الجنوب، من دون الإعلان عن أيّة تفاصيل تخصّ هذا الموضوع؛ لذلك أعيد الشباب من مطار حميميم بعد تدريبهم على يد الروس، وكانوا قد تقاضوا رواتب مالية خلال فترة تدريبهم لإغرائهم ثم أعيدوا إلى السويداء، وبإمكاننا اعتبار أنّ هذه الحركة لعبة لـ "تسويق" روسيا باعتبارها (حليفاً جيداً)".
اقرأ أيضاً: قصة امرأة من السويداء وقفت في وجه داعش وهي مصابة!
وفيما يخصّ اجتماع الروس بوجهاء المدينة، يرى ممدوح أنّه تمّ خداع الوجهاء بدعوتهم إلى الاجتماع دون الإفصاح عن ماهية الاجتماع، ومن هم الأشخاص الحاضرين فيه، يقول: "الاجتماع حضره الوجهاء، هذا صحيح، لكن أيضاً كان من بين الحاضرين أشخاص متزعمون لعصابات، وقادة فصائل، وبعض الشخصيات الأمنية، وطُرحت فكرة التسوية ولاقت الرفضن والاجتماع لم يأتِ بأيّة نتيجة، وأعيد مرة أخرى في مضافة الأمير لؤي الأطرش في قرية عرى، بحضور عدد قليل من الأشخاص".
وكان ممدوح قد حصل مع على معلومات غير مؤكدة من أحد الأشخاص الذين حضروا الاجتماع، بأنّهم اتفقوا أنّ الأشخاص الذين هم حالياً في الخدمة العسكرية من محافظة السويداء، وتجاوزوا مدة التسريح منها سيتم تسريحهم، ومن استوفى عمرياً شرط الالتحاق بالخدمة العسكرية عليه أن يلتحق بها في مناطق آمنة، ومقابل كلّ شخص سيلتحق بالخدمة سيتم تسريح شخص ممن انتهت مدة خدمته، إضافة إلى الشباب المعيلين لأسرهم الذين سيقضون خدمتهم داخل محافظة السويداء، وستكون خدمتهم بمثابة وظيفة بدوام رسمي، من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة الرابعة مساء".
ورأى ممدوح أنّ هذا الكلام لا يستند على مصداقية ما، حتى من الروس أنفسهم، كما يرى أنهّ ليس لدى الروس القدرة على تغطية العدد الهائل من الشباب المتخلّفين عن الخدمة، ولن يكونوا أوفياء بالوعود المتعلقة بالتفاصيل التي جرى تناقلها عن الاجتماع الذي جرى.
ويعتقد ممدوح أنّ هدف روسيا "العلني" تشكيل فصيل عسكري تابع لها بمحافظة السويداء، لمحاربة ما يسمى "داعش" في شرق محافظة السويداء، لكن في الحقيقة ستكون مهمة هذا الفصيل محاربة حزب الله وإيران في الجنوب، وبشكل خاص في السويداء، على غرار الفيلق الخامس في درعا، بقيادة أحمد العودة، التابع للتشكيلات الروسية، الذي أيضاً مهمّته محاربة إيران وحزب الله في المنطقة.