هل تضيق الولايات المتحدة الخناق على تركيا شرق المتوسط؟

هل تضيق الولايات المتحدة الخناق على تركيا شرق المتوسط؟


13/09/2020

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط المواجهة في شرق المتوسط، بعد فرنسا التي سبقتها بتعزيز تواجدها في المنطقة، إثر توتر تركي ـ يوناني، لصالح الأخيرة، وفيما يبدو الموقف الفرنسي منطقياً في ظلّ التوتر بين باريس وأنقرة في عدة ملفات أبرزها ليبيا، فإنّ موقف واشنطن يُعدّ طعنة لأنقرة التي تتلاقى في مواقفها معها في طرابلس.

وقد وقّع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مذكرة تفاهم أمس مع قبرص لإنشاء مركز تدريب أمني في نيقوسيا، للحدّ من المخاطر "التي تشكلها الجهات الفاعلة الإقليمية الخبيثة والمنظمات المتطرفة العنيفة"، بحسب ما أورده موقع الحرّة.

اقرأ أيضاً: رسالة مصرية ـ فرنسية لتركيا: أمن شرق المتوسط أولوية

وبحسب الخارجية الأمريكية، فإنّ هذا المركز سيسمح للولايات المتحدة وشركائها بتقديم المساعدة الفنية في المزيد من المجالات المتعلقة بالأمن والسلامة، بما في ذلك مراقبة الجمارك والصادرات، وأمن الموانئ والأمن البحري، والأمن السيبراني.

وسيشمل المركز عدداً من منصات التدريب العملي المختلفة، بما في ذلك معبر حدودي برّي، ومنطقة فحص للركاب، ومختبر تدريب على الأمن السيبراني المتنقل، وسيدعم المركز الجهود الأمريكية والقبرصية للحدّ من المخاطر "التي تشكلها الجهات الفاعلة الإقليمية الخبيثة والمنظمات المتطرفة العنيفة"، حسبما ذكرت الخارجية.

يأتي ذلك في الوقت الذي ترتفع فيه التهديدات التركية في شرق المتوسط، عبر إصرار أنقرة على التنقيب عن الغاز في منطقة متنازع عليها مع اليونان، بالإضافة إلى توالي الاعتداءات التركية على مناطق تابعة لقبرص. 

وقّع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مذكرة تفاهم أمس مع قبرص لإنشاء مركز تدريب أمني في نيقوسيا 

ولا يحمل الموقف الأمريكي الأخير تبدلاً، حيث تقف واشنطن منذ البداية مع قبرص واليونان، في ظلّ مصالح أمريكية في تلك المنطقة، سواء اقتصادية أو أمنية، ومن ثم فإنّ الموقف الأمريكي الداعم لتركيا في ليبيا بهدف تقويض النفوذ الروسي فيها، لن يتكرّر في شرق المتوسط.

وفي الوقت نفسه، تحمل مذكرة التفاهم تطوراً، حيث سيجلب مركز التدريب ذاك تواجداً أمريكياً مباشراً في المتوسط، في مواجهة تركيا، وبذلك تقف تركيا وحيدة شرق المتوسط، بتهديدات عنجهية، فيما يطول الصف المواجه لها.

وبذلك، فإنّ مصر واليونان وقبرص وفرنسا والولايات المتحدة تقف جميعها في الخندق ذاته في مواجهة تهديدات تركيا، بدرجات مختلفة في المواجهة، ما يفقد التهوّر العسكري التركي، المستبعد بالأساس، أيّ فرص. 

اقرأ أيضاً: أردوغان.. لامحالة من غرقه في المتوسط

وقد فسّر مراقبون التصعيد التركي وإطلاق التهديدات شرق المتوسط بمحاولة لإيهام الأطراف المختلفة بإقبال تركيا على الفعل، فيما تعي ألّا أمل في الحصول على مكاسب سوى بالحوار، أي أنّ تهديداتها محض "ضجيج بلا طحين". 

وتطرأ تغيرات في الموقف التركي بمحاولة استمالة القاهرة للدخول في حوار مع أنقرة. وتُعدّ القاهرة رمّانة الميزان شرق المتوسط، باكتشافات هي الأكبر، واتفاقات وعلاقات مع قبرص واليونان. 

وقد شدّد مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية، على ضرورة أنّ يكون هناك تواصل بين مصر وتركيا، بغضّ النظر عن أيّ خلافات سياسية قائمة. مشدّداً على أنّ تركيا لا ترغب في مواجهة مصر، وواصفاً الجيش المصري بـ"الأشقاء". 

اقرأ أيضاً: فرنسا تستضيف اجتماعاً لمجموعة المتوسط الأوروبية... ما أهدافه؟

ولا يبدو أنّ مصر تتخذ الموقف ذاته، في ظلّ ملفات عالقة تتمثل في دعم أنقرة للإرهاب، وإيوائها مطلوبين لديها من عناصر جماعة الإخوان، وتدخلاتها في المنطقة، فضلاً عن موقفها في ليبيا، الذي تعتبره القاهرة أمناً قومياً لا يمكن التهاون فيه.

تطرأ تغيرات في الموقف التركي بمحاولة استمالة القاهرة للدخول في حوار مع أنقرة

وقد هاجم وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية على مستوى الوزراء في 9 أيلول (سبتمبر) 2020، تركيا قائلاً: إنّ أنقرة تقوم بزعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا وفي المنطقة بأكملها، وتريد استنساخ التجربة السورية في ليبيا، والقاهرة لن تقف مكتوفة اليدين في وجه الأطماع التركية. 

وفيما ينتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة شرق المتوسط، خصوصاً بعدما هدأت الأوضاع في ليبيا بجولة حوار موفقة في الرباط، فإنّ بوصلة الصراع تتجه نحو ثروات المتوسط وتقاسمها، ويظلّ التساؤل حول طبيعة العلاقات الأمريكيةـ التركية، وما ستسفر عنه؟

تُعدّ التوافقات الأمريكيةـ التركية توافقات هشّة للغاية، لا تستند سوى إلى البراغماتية اللحظية، قابلة للتقاطع في ملفات طالما التقت المصالح، دون أن يمنع ذلك تواجهها على جبهات أخرى في الأوقات نفسها. 

وربّما ساهم في ذلك شخصيتا الرئيسين: الأمريكي دونالد ترامب، والتركي رجب طيب أردوغان، فكلاهما يبدي إعجاباً بالآخر، وتفهماً لما يمكن أن تحققه كلّ دولة من الأخرى، ما يضع أعباء إضافية على أنقرة المطالبة دائماً بتقديم أوراق للولايات المتحدة، لكي تتجنب مواقف مضادة أو تنتظر لحظات مواتية تتلاقى فيها المصالح. 

لماذا تدعم أمريكا اليونان؟ 

ويحدد المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية، طارق دياب، دوافع أمريكا في دعم اليونان في طبيعة العلاقات الأمريكية التركية على مرّ الأعوام الماضية، وما أصابها من جمود وتوتر على وقع العديد من الملفات البينية، كالموقف الأمريكي من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والموقف من الأزمة السورية، وفي القلب منها المشكلة الكردية، والتقارب التركي مع روسيا، رغم كون تركيا دولة عضواً في حلف الناتو، والدخول معها في شراكات استراتيجية اقتصادية، وشراء منظومة الصواريخ الدفاعية إس 400، وهو التطور الذي يراه الناتو خرقاً استراتيجياً أمنياً للحلف.

باحث: الموقف الأمريكي الداعم للجانب اليوناني ليس موقفاً حاسماً ونهائياً، وهو ما تدركه تركيا 

ولفت الباحث، في تصريح لـ"حفريات" إلى أنّ هناك تبايناً في التعامل مع أردوغان بين البيت الأبيض بقيادة ترامب وبقية المؤسسات الأمريكية الراسخة كالبنتاغون والكونجرس والاستخبارات، حيث يميل ترامب إلى التعاون مع أردوغان وهناك علاقة شخصية جيدة تجمع الطرفين، في حين أنّ المؤسّسات الأمريكية تتعاطي مع أردوغان بقدر من الريبة والشك.

وفسّر أسباب ريبة المؤسسات الأمريكية من أردوغان في تعاظم قوة الأخير في الداخل التركي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وقدرته على استغلالها في إحكام السيطرة على بنية الجيش من ناحية، وبعد تغيير الدستور، وتحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي من ناحية أخرى. 

وقال دياب: هذان المتغيّران أعطيا أردوغان حرّية ومرونة أكبر في التحرك خارجياً وتنفيذ توجهاته الخارجية، وهو ما ظهر في تزايد الاعتماد على الأداة العسكرية وبناء القواعد العسكرية، وهذا ما أقلق المؤسسات الأمريكية، وهي متغيرات لا تمثل شاغلاً كبيراً لترامب، لجهله أو لعدم اقتناعه بتلك المتغيرات الجيواستراتيجية.

وفي غضون ذلك، يشير الباحث إلى أنّ الموقف الأمريكي أقرب إلى الجانب اليوناني منه إلى تركيا، دعماً لمشروع إيست ميد الذي ينقل الغاز من إسرائيل مروراً بقبرص واليونان ومنها إلى إيطاليا، وهو المشروع الذي يقلل من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، ومن ثمّ فهو مطلب جيواستراتيجي، وليس مجرّد مطلب اقتصادي.

اقرأ أيضاً: كيف تصدت فرنسا لطموح أردوغان في المتوسط؟

في المقابل، ثمّة محددات تحجم أمريكا عن التصعيد بشكل مطلق مع تركيا وتدفعها نحو عدم خسارتها، تتمثل في أنّ الولايات المتحدة مثل تركيا ليست عضواً في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهو ما يحجم الولايات المتحدة عن الاعتراض على السردية القانونية التركية لترسيم الحدود في شرق المتوسط. 

كما تُعدّ تركيا برغم التوتر والجفاء حليفاً مهمّاً لحلف الناتو، بحسب الباحث، وذلك بسبب موقع الحليف التركي الجيواستراتيجي وقوته العسكرية، ومؤخراً بدوره الإقليمي، الذي يتشابك مع روسيا في عدد من الملفات من القوقاز إلى المشرق العربي، وأخيراً إلى المغرب العربي، حيث ليبيا، وهو ما يجعل القادة الأمريكيين يحجمون عن التصعيد بشكل مطلق، إضافة إلى أنها تظلّ مهمّة في عدة فضاءات جوسياسية كالبلقان والقوقاز والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

إلى جانب القلق من انهيار الروابط التركية مع حلف الناتو بشكل مطلق، بما ينعكس في شكل تحالف استراتيجي مع روسيا، وهو ما لن تسمح به أمريكا. 

وتابع دياب: بناءً على ما سبق، فإنّ الموقف الأمريكي الداعم للجانب اليوناني ليس موقفاً حاسماً ونهائياً، وهو ما تدركه تركيا، وتحاول الضغط لأجل تحييد الولايات المتحدة عن هذا الصراع، مستغلة وجود شخص كترامب وعلاقته الجيدة بأردوغان.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية