
نجحت حركة حماس بشكل خاص، وجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، في ترويج انتصاراتها الوهمية على إسرائيل وأمريكا والغرب، دون الاكتراث لشعب أصبح جله تحت خط الفقر، وأصبح دون مأوى أو معيل، أو الاحتكام إلى معايير النصر الحقيقية على أرض الواقع الكارثي.
وعمدت حركة حماس لاستعراض قوتها وإظهار مقاتليها بكامل عتادهم العسكري ـ كما تروج عبر وسائل إعلامها - عند تسليم (3) أسيرات إسرائيليات، لإظهار أنّ الحركة ما زالت قوية وقادرة على حكم غزة، بالرغم من الدمار الشامل الذي حلّ بالقطاع.
واعتبرت حماس اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل "إنجازاً" جاء نتيجة "الصمود الأسطوري" للشعب الفلسطيني، وتعامل محسوبون على تنظيمات الإسلام السياسي مع الاتفاق على أنّه انتصار يمنحهم المزيد من التواجد السياسي، والاستفادة من الصورة التي تسعى حماس لرسمها لمقاومين خاضوا القتال لفترة طويلة ضد إسرائيل، بما يعكس قدرات خارقة.
تتجاهل تنظيمات الإسلام السياسي، وحركة حماس خاصة، الكوارث التي ارتكبتها في غزة، وتتبنّى رؤى تعزف فيها على وتر الدين ودغدغة المشاعر الروحية.
وتسوّق حماس لانتصارها من منطلق أنّها أرغمت إسرائيل على التوصل إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن الأسرى لديها، وعمدت إلى نشر عناصر أمنية من أتباعها والتقاط صور ونشرها بشكل واسع على المنصات لتوحي بأنّها قادرة على لعب الدور الأبرز في القطاع مستقبلاً، بينما يشير الواقع إلى أنّ الحركة فقدت جزءا كبيراً من قدراتها العسكرية والكثير من كوادرها وقياداتها.
ولم تنقل وسائل إعلام حماس والإخوان الذي تغنوا بالانتصار تصريحات الفلسطينيين الساخطة وغضبهم لما آلت اليه الأمور، والفاجعة التي ألمت بهم عند عودتهم إلى مناطقهم ومنازلهم المدمرة، بفعل خطأ فادح سُمّي بعملية طوفان الأقصى، وهذا ما بدا جليّاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي عجت بالمئات من الغزيين الذين خرجوا ليعبّروا عن سخطهم على الحركة، وعلى الحرب التي دمرت البشر والحجر دون أيّ انتصارات تُذكر، لافتين إلى أنّ الأسرى الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم تستطيع إسرائيل بيوم وليلة إعادة اعتقالهم، دون حسيب أو رقيب.
وبدورها تتجاهل تنظيمات الإسلام السياسي، وحركة حماس خاصة، الكوارث التي ارتكبتها في غزة، وتتبنّى رؤى تعزف فيها على وتر الدين ودغدغة المشاعر الروحية، دون أن تقدم أيّ مساعدات للمنكوبين الذين لا ينتظرون منها أيّ شيء.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان: إنّ ما جرى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي "نصر تكتيكي وهزيمة استراتيجية لحماس"، لأنّ الحركة تقول إنّ العملية لم تنته مثلما كانت تهدف إسرائيل، لكنّها تدرك أنّ قوتها تم تقويضها بشكل كبير.
في سياق المزايدة على جراح ودماء أبناء غزة، تتسابق إيران وميليشياتها (الحوثيون وحزب الله والميليشيات العراقية) لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناة المدنيين.
وأضاف في تصريح لـ (العرب) أنّ الألوية العسكرية التابعة لحماس تضررت بدرجات لا تقل عن 60%، وفقد لواء الشمال نحو 80% من قوته.
ويأتي ترويج سردية الانتصار لتحقيق غرض معنوي وتثبيت الوجود على الأرض في قطاع غزة، وتأكيد أنّ حماس لن تكون خارج ترتيبات السلطة، وتوصيل رسالة إلى الأطراف الدولية المنخرطة في جهود البحث عن حل تفيد بأنّ الحركة قادرة على التأثير، وهي إشارة إلى حواضنها الشعبية داخل غزة، خاصة أنّها دفعت ثمناً باهظاً.
ويهدف تسويق حماس للنصر إلى التغطية على محاسبتها بشأن تقديرها الخاطئ في خوض حرب غير متكافئة، الذي كان يمكن أن يتسبب في انقسامات داخلية تحاول الحركة تطويقها، لأنّها ستحدد مستقبلها.
ولا يرتبط الأمر فقط بحركة حماس التي سعت لتوظيف وقف إطلاق النار سياسياً لصالحها، بل إنّ تنظيم الإخوان في مصر هدف إلى التوظيف ذاته، ودخل محسوبون عليه في جدل مع آخرين يعارضون الإخوان حول ما حققته حماس من انتصارات، وتكرر السجال الحالي قبل أسابيع مع وصول الإدارة السورية الحالية إلى السلطة، وبدت هناك محاولات لخلق سجالات تخدم في النهاية التسويق لجماعات محسوبة على الإسلام السياسي.
سلطان: إنّ الألوية العسكرية التابعة لحماس تضررت بدرجات لا تقلّ عن 60%، وفقد لواء الشمال نحو 80% من قوته، والترويج لسردية الانتصار هو لتثبيت الوجود على الأرض.
ولفت أحمد سلطان إلى أنّ جماعة الإخوان تحاول من خلال إثارة اللغط أن تثبت وجودها في ظل تراجعها على المستوى الداخلي، وأنّ الواقع يشير إلى أنّ الجماعة لم تقدم دعماً لحماس خلال الحرب، وأنّ القيادي في حماس أسامة حمدان وجّه إليها انتقادات لاذعة في جلسة مغلقة أثناء فعاليات منتدى كوالالمبور بنسخته السابعة في إسطنبول خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ووفق الكاتب والمحلل السياسي ياسر اليافعي، فإنّ الحديث عن نصر في ظل تهديدات إسرائيل بتحقيق أهدافها، سواء بالسلام أو الحرب، يُعدّ استخفافاً بعقول الناس، خاصة بعد أن تجاوزت خسائر غزة ربع مليون بين قتيل وجريح، إضافة إلى دمار 80% من بنيتها التحتية، ممّا جعلها بالكاد صالحة للعيش.
وأضاف اليافعي في منشور عبر (إكس): "محاولة تصوير ما حدث على أنّه انتصار لتعزيز الموقف السياسي لحماس داخلياً يُذكّر بما جرى في لبنان عقب اتفاقات مشابهة، حين احتفل أنصار حزب الله بـ "الانتصار"، لكنّ الواقع أثبت أنّهم استيقظوا على خسائر جعلتهم خارج المعادلة السياسية داخليّاً".
وتابع الكاتب الصحفي: "وفي سياق هذه المزايدة على جراح ودماء أبناء غزة، يتسابق البعض لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناة المدنيين. الحوثيون، على سبيل المثال، يدّعون الفضل فيما يسمّونه "انتصار المقاومة في غزة"، رغم أنّهم لم يساهموا في علاج أو إطعام أيّ مواطن غزاوي، بل استغلوا القضية للحصول على اعتراف سياسي داخلي كأمر واقع. وإيران وأدواتها، كحزب الله والفصائل الشيعية في العراق، تسعى كذلك لاستغلال الأحداث بالترويج لانتصارات وهمية تهدف إلى تحسين صورتها الداخلية وتجنب الاستحقاقات السياسية كحل الميليشيات وتسليم الأسلحة، وجماعة الإخوان المسلمين أيضاً لم تكن بعيدة عن هذا المشهد، فهي تستغل المأساة للترويج لدورها في المقاومة وتحقيق مكاسب سياسية على حساب تضحيات أبناء غزة.
وختم منشوره بالقول: هؤلاء جميعاً يتاجرون بدماء أهل غزة، دون أن يهتموا بكيفية إعمارها، أو بما يحتاجه سكانها ليعيشوا حياة كريمة.
ووفق الكاتب العُماني صالح البلوشي، فإنّ جواب سؤال: هل انتصرت حماس في "طوفان الأقصى"؟ يختلف عليه المحللون السياسيون والاستراتيجيون، ولكنّ الحقيقة التي يؤكدها معظم المحللين العرب والإسرائيليين هي أنّ إسرائيل لم تنتصر.
ولفت في مقالة نشرها عبر صحيفة (الرؤية) العمانية إلى أنّ الحرب الغاشمة استشهد فيها أكثر من (46) ألف فلسطيني، وجرح عشرات الآلاف، ودمرت إسرائيل كامل القطاع، وتم اغتيال أبرز قيادات الحركة مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري، وكوكبة أخرى من القادة.
جماعة الإخوان المسلمين تستغل المأساة في غزة للترويج لدورها في المقاومة، وتحقيق مكاسب سياسية على حساب تضحيات الفلسطينيين.
وفي الإطار ذاته يرى رئيس التحرير السابق لصحيفتي (الأهرام والشروق) عبد العظيم حماد في تصريح صحفي نقله موقع (رأي اليوم) أنّ الإجابة عن سؤال هل انتصرت حماس؟ تتوقف على من سيحكم غزة بعد الاتفاق النهائي، مشيراً إلى أنّه إذا بقي حكم غزة في يد حماس، فهي المنتصرة بلا ذرة شك رغم كل الدماء والدمار، أمّا إذا لم تبقَ حماس هي الجهة الحاكمة، فهي للأسف المهزومة سياسياً وعسكرياً.
وقد دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى أول من أمس حيز التنفيذ، بعد (471) يوماً من العدوان.
ويأتي هذا الإعلان عقب موافقة حكومة الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار، وقد صوّت (24) وزيراً لصالح الاتفاق، في حين عارضه (8) وزراء.