هشام النجار: الفكر الداعشي حاضر في بنية جماعة الإخوان

هشام النجار: الفكر الداعشي حاضر في بنية جماعة الإخوان


05/12/2017

هشام النجار، كان واحداً من قيادات الجماعة الإسلامية المصرية، وأحد قيادات الهيئة العليا لحزبها البناء والتنمية، إلا أنّه اختار الانزواء، وممارسة دور إصلاحي بالقلم، كتابة وبحثاً، وفق ما صرّح به في حوار لـ "حفريات"، فضلاً عن شهادته التي رواها، حول انقلاب الصقور على الإصلاحيين في التنظيم الذي انتمى له فترة طويلة، والسيناريوهات "الكارثية" التي وصل

لها التيار، وذاك العدد المحدود من القيادات والأعضاء، الذين التزموا بروح ومنطوق مبادرة وقف العنف وبفلسفة المراجعات، والسقوط الذي كان حليفاً للتنظيمات، والإفلاس الرسمي لمشروع الإسلام السياسي، رغم تبديل مواقعه ومقولاته المؤسسة لمنهجه، التي جاءت دون تغيير يذكر في بنية المشروع الأصلي.

وفيما يأتي نص الحوار:

كنتَ أحد قادة الجماعة الإسلامية المصرية، واستقلت منها، والآن بعد مرور هذه الأعوام كيف تراها؟
الجماعة تجني ثمار تحالفها "النّكد" مع الإخوان المسلمين، وتنتظر خطوة الحكم القضائي بحل حزبها، ونستطيع إجمال ما جنته من تحالفها في الآتي: خسارة وفقدان رموزها الإصلاحية، والبعض من مفكّريها الكبار الذين آثروا الانسحاب والاستقلال، ومقتل قيادييها في صراعات داخلية وإقليمية فرضتها رؤية "الإخوان" وتحالفاتها، وخسارة موقعها في المشهد السياسي، على الرغم من أنّ الجماعة الإسلامية كانت تمتلك فرصة تاريخية لمعاكسة هذا المسار وتفادي تلك الآثار الكارثية؛ بل والتفوق على باقي الفصائل، لو كانت حسمت قرارها مبكراً، واتخذت مساراً مستقلاً مع البناء على إنجاز مبادرة وقف العنف، والمراجعات الفكرية التي أنجزها مفكروها الإصلاحيون.
هل تقصدُ أنّ ثمة "صقوراً" بالجماعة، مثل عبود الزمر وأسامة حافظ، هم من أوصلوها لتلك النتائج التي ذكرتها؟
نعم، فدور قيادات الجماعة خلال السنوات الماضية كان كارثياً، وهو ما أوصلها لما هي عليه الآن، فهم بين مناور ومراوغ وصامت ومرتاح لما ترتكبه قيادات محسوبة على الجماعة من ارتباط كامل بالإخوان ومسارها التصادمي مع الدولة، والتحريض عليها، واقتسام الأدوار مع الإخوان؛ بحيث تتولى الجماعة الإسلامية مسؤولية المواجهة والتحشيد في محافظات الصعيد، علاوة على أدوار قيادات الخارج الأكثر فجاجة وفداحة في إقامة تحالفات إقليمية مؤداها العداء والحرب على الدولة الوطنية المصرية، ولم يتحرك أي منهم لتدارك تلك السيناريوهات المدمرة، أو محاولة وقفها؛ بل كان البعض منهم في موقف مَن يوفر الغطاء السياسي وربما الشرعي والفقهي لتلك الممارسات.
وماذا بالنسبة لمبادرة وقف العنف والمراجعات التي أجرتها الجماعة؟
هناك عدد محدود من القيادات والأعضاء التزموا بروح ومنطوق مبادرة وقف العنف وبفلسفة المراجعات، وأعني أنّ المراجعات كان لها خطة ومنهج متصل وصولاً لمعالجة مجمل الإشكاليات الفكرية العالقة، بعد الاتفاق مبدئياً على ترك السلاح والتغيير بالقوة، ومن ضمن تلك القضايا التي أسميها ملحقات المراجعة، أو الفصل الثاني منها الذي لا يقل أهمية عن فصلها الأول، قضية الحاكمية وتكفير الحكام والموقف من الديمقراطية والتعددية الحزبية، وقضية الخلافة، وقضايا المرأة، والثقافة والفنون، والموقف من التيارات الفكرية على الساحة، وكذلك الموقف من الإرث التاريخي للجماعة، وتصحيح العلاقة مع رموز الدولة السابقين، ومع التيارات السياسية القائمة.. هذه هي القضايا التي اضطلعنا نحن كإصلاحيين في معالجتها وخوض غمارها، وكتبنا فيها العديد من الدراسات والأبحاث، كان الهدف منها إتمام وإكمال ملف المراجعات الناقص؛ إذ ما قيمة وقف العنف مرحلياً وتكتيكياً وهناك بذرة تكفير وغلو وتشدد كامنة في الأذهان والعقول، وقابلة في أية مرحلة لكي تكبر وتترعرع وتحمل مجدداً خنجراً ومسدساً.

كيف ترى أداء قيادة الجماعة الإسلامية بعد خوضها للعمل السياسي الحزبي لأول مرة في تاريخها عقب الثورة المصرية؟
لقد خاضوا غمار السياسية ودلفوا إلى مشهد الأحداث والفضاء العام وجماعتهم محملة بإشكاليات فكرية لم تُنقد، ولم تُصحَّح، ولم تُعالج، وهو ما أدى لما حذرنا منه؛ فمارسوا التحريض على العنف والتكفير السياسي والديني، وأسهموا في التأجيج الطائفي، وتحالفوا مع جماعة الإخوان المقيمين في قطر، بما يحمله هذا الحلف من مسارات رجعية، تنقل الجماعات من إرهاب إلى إرهاب، فهو يجعلهم مجرد مأجورين ضد دولتهم لحساب قوى خارجية تدفع لهم، وأكثر من ذلك فقد مارسوا نوعاً من التشيع السنّي، فحملوا لواء الحكومة الدينية، والرئيس المقدس، وصورة مستنسخة من نموذج دولة المرشد، والحاكمية الإلهية في دفاعهم الأيديولوجي الأعمى عن حكومة الإخوان، علاوة على الدخول في تحالفات خارجية مناهضة لأمن الدولة المصرية، ومهددة للأمن العربي.

فرض العزلة على الجماعة الإسلامية كان نتيجة لتطور الأحداث في غير صالح الإسلاميين في مصر وسورية وليبيا وليس لخيار اتخذته

هل كان خروج الجماعة عن الخط الإصلاحي، هو ما دفعك ومعك قادة كبار مثل ناجح إبراهيم، وكرم زهدي لهجرها نهائياً؟
الجماعات كلها خرجت عن الخط الإصلاحي، فإصلاحيو الإخوان هجروها واستقلوا عنها، وعلى رأسهم محمد حبيب ومختار نوح وثروت الخرباوي..، وإصلاحيو الجماعة الإسلامية هجروها، واستقلوا بأفكارهم التقدمية المتطورة التي لم يستوعبها التنظيم ولم يتقبلها.. الفكرة هنا أنّ التيار الإصلاحي هو من ترك التنظيمات والجماعات ونفر منها مبكراً قبل وقوع كوارثها، التي تنبّأ بها رموزه؛ لأنهم كانوا أكثر الناس دراية بالأخطاء المنهجية التي ستؤدي بدون ريب إلى السقوط، وسيظلّ السقوط حليفاً للتنظيمات ما بقيت هناك تنظيمات وجماعات؛ فمجرد وجودها خطيئة وعامل فشل وهزيمة متواصلة.
ألا ترى أن الخط الإصلاحي بعيد تاريخياً عن الجماعات والتنظيمات، وانفصاله حديثاً عنها لم يكن خارج سياق تسلسل الأحداث منذ إحيائية محمد عبده إلى اليوم؟
هذا صحيح، وقد امتلك قادة التنظيمات الأتباع الذين أطلقوهم لينالوا من الإصلاحيين، كما امتلكوا المال الملوث الذي اشتروا به الولاءات، فنال الإصلاحيون ما نالوه من تحريض وتهديد وهجوم وتكفير، لكنهم ظلوا هم الأنبل على الإطلاق فلم ينجروا في مساجلات سطحية، ومعارك وهمية محسومة الفشل، وظلوا على رصانة طرحهم ونبل أخلاقهم، حتى بينت الأحداث صدق وتماسك أطروحاتهم وقناعاتهم الفكرية.
نشعر أنك فقدت الأمل في خروج الجماعة من المنطقة الضبابية في هذه المرحلة؟
حقيقة موقف الجماعة أنّها اختارت السير في طريق الانفصال عن الدولة ومؤسساتها منذ البداية، سواء بالتحالف مع الإخوان، أو بالتحالف مع الخارج وتبنيها مواقف حادة ضد المؤسسات والتيارات والرموز الفكرية والسياسية، أو بانعزالها عن المشهد السياسي بعد إسقاط حكم الإخوان، وفرض العزلة عليها كان نتيجة لتطور الأحداث في غير صالح الإسلاميين في مصر

لا ترغب الجماعة في فقدان ما تتوهمه من رصيد لدى أنصارها بصورة الجماعة التصعيدية العنيدة التي لا تتراجع

وسورية وليبيا، وليس خياراً للجماعة؛ فالضعف العام الذي حلّ بالإسلام السياسي ألزم الجماعة السكون فيما يشبه الهدنة ريثما يجدّ جديد، أو يحدث حادث من الخارج أو الداخل، يعيدها للمشهد، ويضعها في الموضع الذي تحلم به دون مجهود منها، بمعنى أنها عاشت وما تزال مرحلة اتكالية لكونها لا تملك ترف الفعل، ولا ترغب في فقدان ما تتوهمه من رصيد لدى أتباعها وبعض "المطبلين" لها، على خلفية ما رسموه لأنفسهم من صورة الجماعة الصعيدية العنيدة التي لا تتراجع.
وماذا بالنسبة لقيادات الخارج؟ أما زالت هي من تسيطر وتحرك المشهد؟
الانتخابات قبل الأخيرة أثبتت بالفعل أنّ الجماعة تعيش في أوهام قيادات الخارج، فطارق الزمر، على سبيل المثال، سعى لأن يظل في المشهد، قاصداً أن يكون جزءاً من المساومة في سياق صفقة تنازلات توهمتها الجماعة، بمعنى أنّ الجماعة في وارد تقديم تنازلات مستقبلية ولو كانت شكلية فيما يتعلق بالتحالف مع الإخوان بعد موته سريرياً، وهذا تطلب إقحام الزمر في رئاسة الحزب مع إدخال محمد شوقي الإسلامبولي الهيئة العليا، ليصبحا داخل مشهد الصفقة، كأنهم يقولون للدولة سنتنازل لكن مقابل قياداتنا بالخارج وبالطبع من في السجون، والدولة لا تقبل هكذا ألاعيب، لذا فقد تركت أمر حزب الجماعة للقضاء، لكن الخلاصة المهمة أن هناك على الساحة كيانات جامدة حد التخّشب، لا تقبل التطور والتقدم للأمام، وهي محكوم عليها وفق سنن التاريخ والواقع بأن تتجاوزها الأحداث.


برأيك ألم تنقل مراجعات عاصم عبد الماجد الأخيرة، وهو من قيادات الخارج المقيمين بقطر، والـ26 حلقة التي نشرها بعنوان "الأمة قبل الجماعة"، الجماعة إلى منطقة مراجعات وإصلاحات جديدة؟
لا مطلقاً، فبعد الإفلاس الرسمي لمشروع الإسلام السياسي يرغب عبد الماجد من وراء مناورته تلك امتصاص صدمة السقوط المدوي لتياره، فهو فقط يرتق الفتق، ويبدل مواقع المقولات المؤسسة لمنهجه، ويناور بزعم تعديل المسميات والعناوين، دون تغيير يذكر في بنية المشروع الأصلي، وهي بمثابة مراوغة خبيثة خوفاً وتحسباً من وصول الوعي للجماهير بضرورة الفصل بين التبرير السياسي والغطاء الديني، واستباقاً لتمكين من يقدر من المفكرين على تفريغ العناصر السياسية ومحاورة الشواغل الدينية، وهو ما من شأنه إظهار فداحة ما ارتكبه الإسلام السياسي وجماعاته باسم الصحوة السياسية المزعومة للإسلام، وما لا يعلمه كثيرون أنّ مجمل ما طرحه عاصم عبدالماجد مسروق بالكامل من محاضرات الصديق الدكتور ناجح

من لا يقبل التطور والتقدم للأمام محكوم عليه وفق سنن التاريخ والواقع بأن تتجاوزه الأحداث

إبراهيم ومقالاته خاصة المنشورة قبل ثورة 25 يناير، وأيضاً الكثير من مقالاتي القديمة، وكنا قد طرحنا تلك المعالجات الفكرية بإسهاب في دراسات ومقالات منشورة قبل سنوات، خاصة في قضايا الأمة قبل الجماعة، وتفكيك وحل الجماعات، وقضية الوسع المجتمعي واعتبار الأولويات.. الخ.
إذن ما هدف عبد الماجد من "المراجعات" التي طرحها؟
هو أيضاً لم يلجأ لما يسميه مراجعات جديدة إلا بعد وقوع الكارثة وبعد الانهيار التام، لذا فهو يوظف تلك الأفكار والمناهج تكتيكياً لغرض الانحناء للعاصفة وعبور الأزمة، ريثما يستعيد الإسلام السياسي حضوره الجماهيري، ويعيد ترتيب أوراقه وصولاً لاستعادة هياكله التنظيمية التي تفككت، أما طرحنا نحن تلك الأفكار من قبل فقد جاء في سياق خيارات استراتيجية دائمة، ومناهج ذات قناعات فكرية وواقعية غير مرتبطة بأزمات ولا تكتيكات ولا مناورات سياسية، وغير موظفة لمصالح تنظيمات ما، فقد طرحناها بالسابق قبل وقوع الأزمات وقبل حتى صعود وانخراط الإسلام السياسي في مشهد الأحداث.
ولماذا ثمة من أتباع الجماعة الآن من يهللون لما يكتب رغم أنكم سبقتموه من قبل؟
هذا من أعجب ما رأيت في حياتي، وما يثير بالفعل الشفقة والرثاء بما يعكسه من حال مزرٍ للأتباع؛ فعاصم وصفوت والزمر ومن معهما انقلبوا على الدكتور ناجح إبراهيم والتيار الإصلاحي، وحرضوا أعضاء الجماعة للهجوم على الرجل بسبب تبنيه هذه الأفكار ونشرها، ليدل أبناء التيار الإسلامي وقتها على المسار الصحيح، ثم لاحقاً بعد السقوط والانهيار يقتبس عاصم

مجمل ما طرحه عاصم عبد الماجد في حلقاته  "الأمة قبل الجماعة" مسروق من محاضرات الدكتور ناجح إبراهيم ومقالاته

منها ويروج لها أنها من بنات أفكاره لأغراض معروفة، بعد تسببه ومن معه في الكوارث والمصائب التي يعلمها الجميع، ورغم ذلك يهللون ويصفقون له ويقولون له فتح الله عليك يا شيخ!
هل تتفق مع من يذهب إلى  أنّ نظرية التغيير الفوقي والتحتي هي التي أصلت الجماعة الإسلامية، وهي مأزق كل التنظيمات حتى الآن؟
نعم، من اللافت أنه في الحالات الطبيعية والعادية وحال الانفراجات وإتاحة مجالات من الحرية لهذا التيار، فهو يفكر تلقائياً في السطو على السلطة بغرض التغيير الفوقي، والعكس يحدث عند وقوعها في الأزمة أو ما تسميها هي "المحنة" فتلجأ ساعتها للجماهير والعمل من خلال التوسع في أوساط القاعدة الشعبية بقصد أسلمتها أولاً، وحالياً يجد منظرو تيار الإسلام السياسي في سقوطهم وانكشاف إفلاسهم بداية لانقلاب جماهيري على تلك الحالة برمتها، خاصة بعدما تبيّن أن هؤلاء قد استغلوا العاطفة الدينية وما تفشى من جهل وأمية دينية وثقافية في مرحلة من المراحل لخداع الملايين، وتتـأكد تلك الرؤية مع تنامي الوعي السياسي والفكري لدى الشعوب وهو ما يمنح حركة التجديد الديني الاستقبال الشعبي الحسن الذي لم تحظ به من قبل، لذلك يعيد الإسلامويون إنتاج أنفسهم جماهيرياً من جديد بعيداً عن الأطر التنظيمية، أملاً في ألا يكونوا هم الضحية الكبرى للتفاعلات الفكرية التنويرية، التي ستفرض نفسها على الواقع خلال السنوات المقبلة.
بعيداً عن الجماعة.. هل تتوقع أن يقوم الإخوان بعمل مراجعات مماثلة؟
لا بالطبع وهذا من سابع المستحيلات، فهو يعني عند الإخوان وقيادتهم إعلاناً رسمياً بالهزيمة والاستسلام، علاوة على كونه إعلاناً بمسؤوليتهم الكاملة عن النتائج التي تسببوا بها، بداية من العمالة للخارج، ولقوى إقليمية غير عربية، مثل إيران وتركيا، تهدف للتوسع على حساب النظام العربي التقليدي، مروراً بتدمير بلاد عربية بكاملها واستتباعها لهاتين القوتين، بالإضافة

 يعيد الإسلامويون إنتاج أنفسهم جماهيرياً بعيداً عن الأطر التنظيمية حتى لا يقعوا ضحية للتفاعلات الفكرية التنويرية التي ستفرض نفسها

لاستفادة قطر من ذلك، وما تخلل ذلك من قتل وتشريد وسفك للدماء لملايين من العرب والمسلمين وزعزعة استقرار الدول العربية والخليجية.. فضلاً عن أنّهم لا يمتلكون جرأة وشجاعة الاعتراف بالذنب وإعلان المسؤولية عما ارتكبوه.

وما ردك على من يدعي  أنّ أفعال "داعش" أسهمت في سقوط الإخوان؟
تنظيم داعش أفاد الإخوان وكذلك القاعدة في مرحلة من المراحل، لكن السقوط الكامل لم يكن بسببه وحده، إنما بإسهام من الجميع، وجميع هذه الفصائل بنظري دواعش وكانوا سيقومون بما قام به داعش لو تهيأت لهم ظروفه في العراق وسورية، لكن مصر لم تسمح للإخوان في مصر، ولو كانت تركت لهم الفرصة لشهرين فقط لتحولوا لنموذج داعش تلقائياً، وهو ما حدث تحت الأرض بعد السقوط، وهو ما يعني أن الاستعداد للحالة الداعشية حاضر في بنية مختلف هذه الجماعات وعلى رأسها الإخوان التي انطلق منها هذا الفكر وإليها يعود.
هل ستؤدي أزمات الإسلام السياسي إلى تراجع الإسلام الثوري لصالح الإسلام الاجتماعي الإصلاحي؟
البعض من منظري الجماعات الآن يغازلون الناس حالياً تحت عنوان "الأمة لا الجماعة"، ليُفهم أنّ الخلل لم يكن في المنهج إنما في الأدوات والإمكانيات، وأن الفكرة تحتاج لزخم شعبي لا لأفكار ومناهج بديلة، بمعنى أنهم يحاولون إعادة الكرة من جديد، لكن بتخفيف الإسقاطات الأيديولوجية، واستبدالها بتوظيف المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب، أما ما يطلق عليه الإسلام الاجتماعي الإصلاحي فهو ما تتبناه فعلياً التيارات العلمانية ذات الطرح المتوازن التوافقي، وهي الامتداد الطبيعي لتوافقية محمد حسين هيكل والعقاد والمازني.. ، لكن هذا التيار لم يأخذ فرصته كاملة بعد، وأتوقع أن يأخذها خاصة بعد سقوط التيار الذي كان يشوهه ويكفره، بغرض المزايدة الدينية ولاكتساب مشروعية حضور في المشهد.
ألم تكن تحولات إسلاميي تونس والمغرب مؤشراً على ما سيحدث بمصر مستقبلياً؟
أعتقد أنه قد آلت كافة المزايدات والمعالجات السطحية التي راهن عليها منظرو الإسلام السياسي إلى الاندثار بسبب هشاشتها الفكرية، وهو ما ظهر في تجربة الحركات الدينية في المشرق العربي خاصة في مصر وسورية وليبيا، ولن تزول الأصوليات الرجعية إلا بنهوض البديل والمعادل الفكري، ومن ثم ترجمته سياسياً واجتماعياً عبر نظام ديمقراطي قائم على

الإخوان لا يمتلكون شجاعة الاعتراف بالذنب وإعلان المسؤولية عما ارتكبوه

الاعتراف بالآخر، أياً يكن معتقده أو انتماؤه السياسي أو الإثني واللغوي، ومع إنجاح المشروع بنهضة اقتصادية واجتماعية وإدارية منطقية التحقق وفق الفلسفة المدنية المبنية على التخصص وتكليف الأكفاء، ستتضح الفوارق الهائلة، بين مقولات فقهية تبسيطية توظف النص الديني لتحقيق مآرب سياسية عابرة، ومشروع نهضوي راسخ وواضح المعالم ومحقق للمصالح الفردية والجماعية وفق رؤى وحلول واقعية، وأرى أن النموذج المغاربي أقرب لتحقيق تلك المعادلة وإنجاحها، بالنظر لمقاصدية الفكر واعتماده على أطروحات فكرية وفقهية متطورة مستقاة من فقه الإمام مالك.
على هذا لإنهم غيروا خطابهم نوعاً ما وسقف أهدافهم؟
نعم، ومنظرو الإخوان ومراجعهم الفقهية كالقرضاوي وغيره واثقون من كون زمن الجماعات بشكلها التقليدي في مرحلة أفول، لذلك سيحاولون الظهور بعناوين وأشكال أخرى، وما يقومون به الآن مجرد محاولة لتجريب الظهور بخطاب أقل حدة فيما يتعلق بالجماهير والشعوب وليس الأنظمة والدول لامتصاص غضبتها ولمحاولة خلق حاضنة وملاذ جماهيري، فضلاً

الاستعداد للحالة الداعشية حاضر في بنية مختلف الجماعات وعلى رأسها الإخوان التي انطلق منها هذا الفكر وإليها يعود

عن تخفيض سقف أهدافهم مرحلياً حتى تمر العاصفة، ليتمكنوا من إبقاء أتباعهم قيد طاعتهم وكي لا يؤدي تركهم للساحة إلى تغييبهم بشكل كلي ونهائي.
هل تعتقد أن المنطقة ستشهد موجة عنف كبيرة لا علاقة لها بما يحدث من تطورات في الحالة الإخوانية؟
يجري حالياً تقريب فكري بين "داعش" و"القاعدة" من جهة، و"القاعدة" و"الإخوان" من جهة، تزامناً مع نداءات حل التنظيمات والجماعات القائمة وتعديل أساليب التعاطي مع عامة الناس، بشكل يجعل التجنيد أكثر مرونة دون التقيد بالقواعد التنظيمية القديمة، وهو ما يفسر الانشقاقات داخل "داعش" وظهور التيار الحازمي وانتشاره، وجميعها مؤشرات لمرحلة جديدة في عمر الجماعات توحي بتحول أوليّ لتفكيكها، لكن ليس لإنهاء وجودها، إنما لتجميعها في كيان أوسع يدار من الخارج، يعوض الهزائم الكبرى التاريخية التي منيت بها فصائل الإسلام السياسي.

العنف سيستمر لكن ستخف حدته ريثما تعيد مجمل فصائل هذا التيار بناء نفسها مستندة إلى ما يُعرف بتوازن الضعف

ومن المؤكد ظهور تنظيمات متباينة في الغلو والتشدد، وهذا يعني أنّ العنف سيستمر لكن ستخف حدته، ريثما تعيد مجمل فصائل هذا التيار بناء نفسها وخلق هياكل جديدة، مستندة إلى ما يعرف سياسياً بتوازن الضعف، بالنظر إلى أن ضعف هذه الفصائل مجتمعة سيقودها بشكل أو بآخر للتوحد والتكتل على الأقل مرحلياً لمواجهة ما تراه هي تحديات مشتركة.
كيف تقرأ ما يجري في سيناء؟
هي معركة عبور جديدة للجيش المصري، وما حدث من إنجاز تاريخي ضد جماعات مدربة ومسلحة على أعلى مستوى، تدار وتمول من خلال أجهزة أمنية لدول غربية وإقليمية، يضاف لإنجاز حرب أكتوبر، فمصر انتصرت في المعركتين، ونصر مصر في هذه المعركة ليس لها وحدها إنما للعرب جميعهم؛ لأنه بمثابة إنقاذ للأمة العربية من السقوط في سيطرة إقليمية إيرانية تركية قطرية برعاية من دول غربية مستفيدة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية