محمد السماك
قد توحي حملة الافتراء على الإسلام ومحاولات تشويه صورته، وكأن علماء الغرب ومفكريه الذين تتباين آراؤهم وأفكارهم حول العديد من القضايا الفكرية والأخلاقية والدينية يُجمعون على كراهية الإسلام ونبيّه. غير أن الواقع ليس كذلك. إن ارتفاع موجات الإسلاموفوبيا، مترافقةً مع ارتفاع المد الشعبوي في الغرب وفي العديد من المجتمعات الأخرى، أنتج ثقافة مشبعة بالكراهية. وقد نال الإسلام والمسلمون حصة كبيرة منها. إلا أن ذلك لا يعكس موقف علماء الغرب وفلاسفته وكبار مفكريه، خاصة من النبي محمد عليه الصلاة السلام.
فالفيلسوف والمؤرخ البريطاني جون ويليام دريبر (1811- 1882) يقول في كتابه «تاريخ التطور الفكري في أوروبا»: «في عام 569 ولد في مكة في الجزيرة العربية الإنسان الوحيد بين جميع البشر الذي كان له أكبر الأثر على الجنس البشري. إنه محمد». والأديب الفرنسي ألكسندر دوما (الأب) صاحب رواية «الكونت دي مونت كريستو» وصف النبي محمداً بأنه «معجزة الشرق لما في دينه من معالم وفي أخلاقه من سمو وفي صفاته من محامد».
وفي كتابه الشهير «العقد الاجتماعي» (طبع لأول مرة عام 1762) قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وكأنه يرد على الافتراءات التي توجه اليوم إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام: «من الناس من يتعلم قليلاً من العربية، ثم يقرأ القرآن ولا يفهمه، ولو أنه سمع محمداً يمليه بتلك اللغة الفصحى الرقيقة، وذاك الصوت المقنع، المؤثر في شغاف القلوب، ورآه يؤكد أحكامه بقوة البيان، لخرّ ساجداً على الأرض وناداه: أيها النبي، يا رسول الله، خذ بأيدينا إلى مواقف الشرف والفخار، أو إلى مواقع التهلكة والأخطار، فنحن في سبيلك، نودّ الموت أو الانتصار».
وقبل روسو قال الفيلسوف رينيه ديكارت (1596-1650) صاحب نظرية «أنا أفكر إذن أنا موجود»، في كتابه الشهير «مقالة في المنهج»: «نحن والمسلمون في هذه الحياة، ولكنهم يعملون بالرسالتين العيسوية والمحمدية، ونحن لا نعمل بالثانية، ولو أنصفنا لكنا معهم جنباً إلى جنب، لأن رسالتهم فيها ما يتلاءم مع كل زمان، وصاحب شريعتهم محمد، عجزَ العرب عن مجاراة قرآنه وفصاحته، بل لم يأتِ التاريخ برجل أفصح منه لساناً، وأبلغ منه منطقاً، وأعظم منه خُلقاً، وذلك دليل على ما يتمتع به نبي المسلمين من الصفات الحميدة، التي أهّلته لأن يكون نبياً في آخر حلقات الأنبياء، ولأن يعتنق دينه مئات الملايين من البشر». (يزيد عدد المسلمين اليوم على 1.2 مليار إنسان منتشرين في جميع قارات الأرض). وعلى منوال روسو وديكارت، يقول المستشرق السويدي كارل يوهان تورنبرغ (1807-1877): «هذا النبي الذي افتتح برسالته عصراً للعلم والنور والمعرفة، حريّ أن تُدوَّنَ أقواله وأفعاله بطريقة علمية، فالمفكر لورد هدلي يقف مندهشاً أمام معاملة النبي للأسرى من المشركين في معركة بدر الكبرى، ملاحظاً فيها ذروة الأخلاق السمحة، والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: أفلا يدل هذا على أن محمداً لم يكن متصفاً بالقسوة، ولا متعطشاً للدماء، كما يزعم خصومه؟ بل كان دائماً يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، وجاءه وفد مسيحيي نجران اليمني بقيادة البطريرك، فلم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه في الدين، بل أمّنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية».
ويضيف: «لا أجد صعوبة في قبول أن القرآن كلام الله، فإن أوصاف الجنين في القرآن لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، الاستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله».
ومن المؤكد أن الشعبويين رافعي شعار الإسلاموفوبيا لم يقرأوا القصيدة التي نظمها الشاعر الفرنسي العظيم فيكتور هيغو عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والتي مدحه فيها بحرارة وبمحبة صادقتين.
كذلك من المؤكد أنهم لم يقرأوا قول الفيلسوف يوهان غوته (1749- 1832) الذي قال: يجب النظر إلى النبي محمد على أنه نبي لله وليس شاعراً. ويجب النظر إلى القرآن الذي جاء به على أنه قانون إلهي وليس كتاباً من عنده. وفي كتابه «محمد في مكة»، تحدث المؤرخ والأديب البريطاني الشهير مونتغمري عن حياة رسول الله، فقال: «الطريقة التي تحمّل فيها الجور والاضطهاد بسبب عقيدته، والأخلاق السامية التي تحلى بها المؤمنون الذين اتخذوه قائداً لهم، كل ذلك يؤكد استقامته ونزاهته. لا يوجد في تاريخ الأمم وجه مقدّر ومحترم في الغرب أكثر من النبي الرسول محمد».
هذه مجرد نماذج قليلة من فيض من المواقف لعلماء ومفكرين غربيين أعلام عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام وعن الإسلام، عرفوه فأنصفوه.
عن "الاتحاد" الإماراتية