"أردوغان أفضل قائد إسلامي يناصر قضايا أمتنا الإسلامية، حقّق نجاحاً اقتصادياً لدولته، إنّه يتعامل مع الغرب بنديّة، ولا يوجد زعيم في العالم العربي بقوته"؛ هكذا يرى خالد، وهو طالب جامعي، الرئيس التركي.
جعل خالد من صفحته على "فيسبوك" وسيلة للتعبير عن مدى إعجابه بالرئيس التركي، عبر نشر صوره ومقاطع لخطاباته، كما أنّه لا يتردد في مهاجمة من ينتقده.
اقرأ أيضاً: تركيا تضرب العرب بالكرد في سوريا لخدمة أحلامها العثمانية
يضيف خالد، البالغ من العمر 21 عاماً، والذي يعيش في مدينة الدار البيضاء، في حديثه لـ"حفريات": "البعض ينتقد أردوغان لأنّه ديكتاتور في نظرهم، لكنهم يتغاضون عمّا حقق لشعبهِ ونقله تركيا من بلد نامٍ إلى قوة اقتصادية كبرى".
ضريبة غياب النماذج
يمثل خالد فئة من المغاربة الذين يحظى رجب طيب أردوغان بشعبية لديهم، ويرون أنّه يناصر قضايا المسلمين، كما أنّهم يرفضون انتقاده أو مهاجمته.
كنبوري: لا فرق كبیراً بين دوافع مؤيدي النظام التركي والحركات الجھادیة فالجمیع لدیھم حلم تختلف أشكال التعبیر عنه
وكان إدريس كنبوري، الباحث المغربي والمتخصص في الجماعات الإسلامية، قد تعرّض لانتقاداتٍ؛ بسبب وصفه في تدوينة على "فيسبوك" نجاح أردوغان في الانتخابات، بدخول تركيا لمرحلة الحكم الشمولي.
وفي ردّه على مهاجميه، قال كنبوري، في تدوينة نشرها على صفحته في فيسبوك" :إنّ وراء تلك الانتقادات مشاعر تستحق الإبراز لأھمیتھا في التحلیل، فالتعاطف الكبیر مع تركیا یفسره الفراغ السياسي".
ورأى الباحث المغربي أنّ "غیاب نماذج حقيقية في المجتمع، وفي الحیاة السیاسیة، جعل هؤلاء یعدّون أردوغان ممثلاً إسلامیاً عربیاً، لیس له مثيل"، على حدّ تعبيره.
وأضاف كنبوري "لا یوجد فرق كبیر بین شباب یؤید النظام التركي لهذه الأسباب، وشباب آخرین یؤیدون الحركات الجھادیة، الجمیع لدیھم حلم، وقد تختلف أشكال التعبیر عن ھذا الحلم فقط، لكن هناك دائماً اللاشعور الباطني نفسه".
وتابع الباحث" :ليس غریباً أن یكون بین مؤيدي حزب العدالة والتنمیة التركي إسلامیون، لأنّھم یفكرون باطنیاً في صورةِ المستبد العادل الذي یحقق العدل بین الناس ویوفر لھم الطعام واللباس".
اقرأ أيضاً: الغازي "العثماني" الجديد
ويقول المتخصص في الجماعات الإسلامية: "عندما یوضع الناس أمام خیاراتٍ صعبة لن یختاروا الدیمقراطیة التي توفر للناس الطعام والكساء وتمنحهم حریة التعبير والنقد؛ لأنّ تحقیق هذه المعادلة صعب في العالم العربي؛ حیث ما يزال الناس عاجزين عن تلبية حاجياتهم من الطعام والكساء وحریة التعبير والنقد، ولذلك من الطبیعي أن یصفقوا لنموذج آخر یوفر على الأقل الطعام والكساء، ویقدم لھم حلماً قومیاً ھم في أمسّ الحاجة إلیها". واستحضر كنبوري النموذج الإسباني، مشيراً إلى أنّه "نموذج حقق معادلة التنمية مع الحرية والديمقراطية، لكنّ هذه الفئة التي تصفق لأردوغان، البعيد عنها، وفي آسيا، لا تصفق لهذا النموذج القريب منا جغرفياً"، على حدّ تعبيره.
وعزا ذلك إلى أنّ النموذج التركي یمثل نموذجاً للأمة، وھو ما لا تمثله إسبانیا.
تسويق مقصود
وبرغم نهج أردوغان القاسي إزاء خصومه السياسيين في الداخل وتجاوزاته بحق حرية التعبير، لم يؤثر ذلك على شعبيته في العالم العربي عامة، والمغرب خاصة، بحسب تحليل لموقع "ميدل إيست مونيتور".
امحاسني: من يرى أردوغان حلاً بديلاً فهذا نوع من الخيانة ومشكلة ولاء لدى هذه الفئة
في هذا السياق يقول المختص في علم النفس، رضا امحاسني إنّ "هذيان البعض وتماهيه مع شخصية أردوغان ليس وليد الصدفة، لكن هناك قوى سياسية عملت على تسويق أردوغان كقائد سياسي، إضافة إلى تصاعد التيار الشعبوي في جميع المجتمعات بالعالم، وهذا التيار معروف باستغلال الضحايا والركوب على القضايا الإنسانية".
ويضيف امحاسني، في حديثه مع "حفريات"، أنّ "أتباع أردوغان يرون أنّه حامٍ للأمة الإسلامية، كما أنّه يروج للطرح القائل إنّ الصراع في المنطقة هو صراع إسلامي، ويعزز نظرية المؤامرة وتخوين النخب المثقفة، وغيرها من الفئات التي تعارضه، يتهمها بأنّها تعمل على تفجير الهوية الإسلامية وأنّه هو القائد الذي سيتصدى لها".
ورأى امحاسني أنّ الخطاب الشعبوي يجد اليوم صدى في العالم، مشيراً إلى أنّ أردوغان يستغل الحوادث والقضايا الإنسانية للتسويق لنفسه على أنّه مدافع عن الأمة الإسلامية.
اقرأ أيضاً: العثمانية الجديدة تطل برأسها في كوسوفو
وتابع المختص في علم النفس: "وأيضاً يلعب زعماء حزب العدالة والتنمية بالمغرب دوراً مهماً في تقديمه للمجتمع المغربي، على أنّه النموذج الناجح، في حين أننا اكتشفنا أنّه ديكتاتور ينطلق من مخيال الخلافة العثمانية، وبعض الإسلاميين بالمغرب يحلمون بهذا المشروع".
ويقول امحاسني: "من يرى أردوغان حلاً بديلاً فهذا نوع من الخيانة، ومشكلة ولاء لدى هذه الفئة".
إعجاب مؤقت
من جهته، يرى الصحفي المغربي، إسماعيل أيت حماد، ، في حديثه مع "حفريات": "من الصعب اختراق تركيا للهوية المغربية، وانسلاخ المغاربة من هويتهم المغربية، وهذا فقط إعجاب مؤقت، والبعد الجغرافي يجعل من التأثير أقل مقارنة بعلاقتنا بفرنسا وتأثير فرنكفوني على المغرب"، مضيفاً أنّه "يمكن أنّ نجد مؤشرات معينة، مثل دراسة الطلبة المغاربة في تركيا، والإعجاب بأردوغان، خاصة لدى حزب العدالة والتنمية؛ بسبب التقارب بين الحزبين، كما أنّ قيادات الحزب الإسلامي بالمغرب يرسلون أبناءهم للدراسة في تركيا".
اقرأ أيضاً: تركيا تعيد حقوق الإنسان إلى الزمن العثماني!
وأشار أيت حماد إلى أنّ حزب العدالة والتنمية بالمغرب حاول تعزيز التقارب الاقتصادي بين أنقرة والرباط، لكنّ رجال أعمال مغاربة اعترضوا على ذلك.
وكانت وزارة الصناعة والاستثمار والتجارية والاقتصاد الرقمي المغربي، قررت تفعيل بعض التعديلات في اتفاق التبادل الحرّ المبرم بين المغرب وتركيا، بشأن بعض منتوجات النسيج والألبسة، وقررت إعادة فرض رسم الاستيراد بنسبة تصل إلى 90% من المعدل المحدد بموجب القانون العام.
وعللت الحكومة المغربية هذا القرار بأنّ "قطاع صناعة النسيج والألبسة الموجهة إلى السوق المحلية، أصبح يشهد منذ بضعة أعوام اختلالات ناجمة عن تنامي الواردات التركية بأسعار تنافسية"، مضيفة أنّ هذه المنتوجات تحظى بولوج تفضيلي إلى السوق المغربية بموجب اتفاق التبادل الحرّ المبرم بين المغرب وتركيا "مما حفز بشكل قوي نمو الصادرات التركية صوب المغرب من المنتوجات التامة الصنع من النسيج والألبسة".
ويتابع الصحفي المغربي: "إنّ الانقلاب الذي شهدته تركيا أثار انقساماً داخل النخبة المغربية، وكانت هناك فئة ترى أنّ أردوغان رجل قوي ويتمتع بكاريزما، وهناك من رآه ديكتاتوراً يقمع الصحفيين والأقليات في تركيا، في حين أنّ هناك أيضاً من يرى أنّه ذو وجهين في الوقت الذي يتضامن مع القضية الفلسطينية لديه علاقات مع إسرائيل".
غزو الدراما التركية
ليست فقط شخصية أردوغان من تحظى بشعبية واسعة في المغرب، فقد انسحب ذلك على الدراما التركية التي تحقق أكبر نسب متابعة في قنوات عربية.
وكشف تقرير لمؤسسة "ماروك متري"، العام 2018، أنّ المسلسل التركي المدبلج للعامية المغربية "سامحيني"، ومسلسلين تركيين آخرين، احتلت المراكز الخمسة الأولى الأكثر مشاهدة في جميع القنوات المغربية، كما احتل "سامحيني"، صدارة قائمة الأعمال التلفزيونية الأكثر مشاهدة بالقناة الثانية في المغرب، والبرامج الأكثر مشاهدة على الفضائية المغربية، ويحظى في المتوسط بنسبة 75% من نسبة المشاهدات.
اقرأ أيضاً: الدراما التركية.. هل هي وسيلة "العدالة والتنمية" للتمدّد الناعم؟
ويشير تقرير "ماروك متري"، إلى أنّ أكثر من ثمانية ملايين مغربي شاهد مسلسل "سامحيني"، بينما تابع نحو 5.6 ملايين مغربي مسلسل "حب أعمى"، في حين حظي "أمهات وبنات" بأكثر من 5 ملايين مشاهد.
وتعرض القناة الثانية بالمغرب هذه المسلسلات التركية يومياً؛ بسبب الإقبال الشديد على الدراما التركية في المغرب.
إكرام؛ طالبة جامعية تبلغ 21 عاماً، تقول في حديثها مع "حفريات"" :لم أكن أعرف في البداية أيّ شيء عن الثقافة التركية، لكن بعد متابعتي للمسلسلات، أصبحت معجبة بنمط العيش فيها، سيما أنّهم مسلمون مثلنا، وأصبحت أتمنى العيش فيها، تركيا بلد رائع حقاً".
وفي بيان صادر عن شركات الجولات السياحية في تركيا، كان المتحدث باسمها، جيم بولات أوغلو، قد كشف أنّ عدد السياح العرب الوافدين على تركيا خلال 2013، ارتفع ليبلغ 3 ملايين و265 ألفاً و190 سائحاً، مشيراً إلى أنّ المسلسلات التركية تعد من أبرز دوافع السياح العرب إلى تغيير وجهتهم من أوروبا إلى تركيا.
استلاب الفرد المغربي ثقافياً
يقول الناشط الحقوقي، حسن كوجوط، ، في تصريحه لـ"حفريات"" :إنّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي، منذ تولّيه الحكومة العام 2011، أصبح يسهل غزو الأتراك الثقافي والاقتصادي للمغرب".
وأضاف كوجوط أنّ هيمنة الدراما التركية المدبلجة بالعامية المغربية على التلفزيون المغربي، هي فرض لثقافة لا تشبه ثقافتنا على المجتمع المغربي، عبر الإعلام الذي يعد مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تساهم في تكوين وعي الفرد".
وتابع المتحدث ذاته" :كل ذلك يدفع للتساؤل عن الأسباب التي تدفع حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى تقديس تركيا وأردوغان، ولماذا يبخسون الذات المغربية؟ ويساهمون في استلاب الفرد المغربي"!